إن التحديات الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية الناجمة عن تعدد الأقطاب على الساحة الدولية، ألقت بظلالها على العديد من التوجهات الدولية في الشرق الأوسط، الأمر الذي يتطلب وضع آليات جديدة لرسم ملامح تلك التوجهات بناءً على خارطة طريق واضحة ومحددة، وفي ظل النطاق الجغرافي الملائم، وبحسب نظم المعلوماتية المناسبة، لمواجهة تحديات السيولة الثقافية، ولملء الفراغ الثقافي الذي أشار إليه المفكر العالمي إدوارد سعيد، وأفرزته حالة الصراع القيمي بين صراع الحضور والتضاد وآلياتهما وانعكاساته على الرسالة الحضارية لدى كثيرمن المجتمعات.
مما قد يؤدي إلى إيجاد صورة جديدة للقيم المشتركة للتعامل الحضاري مع المستجدات في الساحة الدولية والإقليمية القائمة على تبني سياسات ثقافية مزدوجة، والتي تبدو بأنها غير قادرة على استيعاب تلك التوجهات، لعدم توافر الإدارة السياسية والمجتمعية، نظراً لوجود فضاءات متنوعة تؤثر في سياق العلاقات الدولية، والمفاهيم البديلة التي تتعامل معها، كمفهوم "التكيف الهيكلي" و"الإصلاح الاقتصادي" وعلاقتها بمفاهيم أخرى كـ"التحول الاجتماعي" و"النظام الاقتصادي الجديد"..
لذلك ومن خلال "سوسيولوجيا المعرفة" يمكن تقديم نماذج جديدة تهدف إلى صياغة التوجهات الدولية والإقليمية في خضم التحولات الجارية في دول الشرق الأوسط، والتي يمكن من خلالها وضع البرامج الهادفة لبلورة أفكار ذات صلة بقضايا الفكر والإصلاح الديني، ومفاهيم الدولة، والمؤسسات الاجتماعية، وتحديد الوسائل والأساليب المناسبة لتنفيذ وتقييم أثر هذه البرامج بناءً على "التاريخ الانتقالي" الذي يشهد عادة أزمة في البنى الاجتماعية، وهي أزمة التناقض الموضوعي بين "الجديد والقديم"، في ثنائية تتأرجح بين "المركزية" و"الديناميات التجزيئية"، وذلك في ضوء التوجهات الآتية:
1- إعادة النظر في السياسات الموجهة إلى دول الشرق الآوسط في مجال الاقتصاد السياسي، والتي ينبغي تحويلها إلى برامج سياسية واقتصادية واجتماعية من خلال دراسة البنية الاجتماعية للنظام السياسي، وتدارس إشكاليات المؤسسة السياسية الناجمة عن مشاكل التجزئة المجتمعية.
2- مراجعة الخطط الاستراتيجية ذات الصلة بالديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، من خلال إعادة هيكلة الأحزاب والتنظيميات السياسية، ونقلها من مركزالسلطة إلى مركز العمل، ودراسة جدوى إنتاج أو إعادة إنتاج أحزاب جديدة.
3- بناء جسور للثقة والتفاهم حول أولويات التحديث في البلدان العربية على ضوء مراجعة الخطط الاستراتيجية، ومناقشة قضايا خلافية حول مسألة الدستور، ومنهجيات مبادئ تمكين المؤسسات الديمقراطية.
4- دراسة الظواهر الاجتماعية السائدة وعلاقتها بالتيارات الأصولية، والتيارات النهضوية المعاصرة.
5- تبني سياسات اقتصادية في إطار ما يسمى حوكمة الاقتصاد واقتصاد المعرفة، والتعامل معها في إطار نموذج محدد لمواجهة تحديات العولمة المتغيرة، والنمطية المعرفية في السياقات المحلية والوطنية.
6- بناء تحالفات جديدة تعتمد على أساليب المشاركة في صنع القرار في منهجيات على الاستقراءات حول المساومة وصنع القرار في سلوك النخب السياسية.
7- إيجاد بؤر للنزاع الإقليمي في مسارات وطنية تعتمد على التباين في التوجهات، والالتزام بالتعهدات من خلال "فهم حركة التاريخ الموجهة إلى غاية".
8- إعطاء أولوية لمجالات تداخلات جديدة للمنظمات الدولية المانحة، التي يمكن أن تعتمد على الفئات الأقل حظاً، من خلال توضيح جوانب الاختلاف والاتفاق بين مفهمومي "المشاركة الشعبية" و "المشاركة المجتمعية".
9- تبني سياسات إعلامية ذات اتجاهات دولية وإقليمية تلقي بظلالها على الشئون المحلية والوطنية.
10- دراسة جدوى نشوء دول محورية إقليمية في ضوء مراجعة فلسفة أنظمة الحكم من حيث طبيعة تكوينها/ نظامها السياسي.
11- مراجعة الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية الموجهة للشباب، ووضع برامج هادفة لمعالجة أشكاليات "الكم" و"الكيف" في مجالات الاقتصاد السياسي للبطالة.
12- توسيع نطاق مشاركة منظمات المجتمع المدني، وإتاحة المجال لتبني كيانات رديفة لها ضمن مجتمعاتها المحلية في مجالات اللاجئين وحقوق الإنسان والأقليات الاجتماعية في ظل سياسات الماكرو السياسي والاجتماعي والجنوسة والنوع الاجتماعي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.