المسلمون بين مقاصد الشرع ومقاصد “داعش”

مقاصد الشرع كلها رحمة وسكينة وطمأنينة، ومقاصد "داعش" فوضى وعنف وترهيب، مقاصد الشرع يحكمها قانون إلهي مبناه العدل والرحمة، ومقاصد "داعش" قانونها القتل وسمتها العشوائية، ويحكمها قانون الفرد وفتاوى الفرد والعشوائية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/24 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/24 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش

عندما خلق الله تعالى الإنسان خلقه في أحسن تقويم، فكان التكريم والتفضيل على سائر المخلوقات، وكان الاختصاص بالعقل والتفكير أهم ما ميزه به، وأسبغ عليه النعم ظاهرة وباطنة، وتحقق له غاية التكريم بأن أصبح خليفة لله تعالى في الأرض، فقال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً".

ونظراً لهذه المكانة العظيمة التي اختص الله تعالى بها الإنسان فقد سنَّ لها من القوانين ما يحميها، ويحفظها من أن تطالها يد السوء أو الغدر، بل حتى من نفسه، ولقد أمره الله بأن يلتزم بهذه القوانين بغية تحقيق ما خلق لأجله من تزكية لنفسه وعمارة الأرض وتحقيق العبودية لله تعالى، ولقد استمدت هذه القوانين موادها من مقاصد الشريعة الإسلامية، التي تكفلت بأن تحفظ على الإنسان دينه ونفسه وعقله وماله ونسله.

ومقاصد الشريعة الإسلامية هي جملة من الغايات والأهداف والنتائج والمعاني التي أتت بها الشريعة، والتي تهدف إلى دفع المفاسد عن الناس وتحقيق مصالحهم، قال الإمام ابن القيم: "إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أُدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدلُ الله بين عباده، ورحمتُه بين خلقه، وظلُّه في أرضه، وحكمتُه الدالة عليه، وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها".

وحرمة الدماء من أعظم مقاصد الشرع الشريف؛ لأن شريعة الإسلام كانت أكثر حرصاً على الحياة من الموت، للدرجة التي جعلت حق الحياة للإنسان مصوناً ومقدساً بالنصوص القاطعة والدامغة، قال تعالى: "وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَق"، وجعلت القصاص العقوبة المناسبة والزاجرة لكل قاتل، فقال تعالى: "وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَوةٌ يا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، بل إن أول ما يقضى به بين الناس يوم القيامة في الدماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء"، وتهون الدنيا كلها أمام إراقة دم المسلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم".

ولعظمة حرمة هذه الدماء أيضاً حرص الإسلام على أن يجعلها في المنزلة الأعلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً"، إذاً فقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق تُعد كبيرة من أكبر الكبائر؛ حيث يعظم الجرمُ ويشتدُّ الإثم.

ولقد وعد الله تعالى القاتل بجنهم يخلد فيها أبداً، فقال عز وجل: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً"، وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الدماء عامة وجعل القتل من السبع الموبقات، فقال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، فلما سأله أصحابه عنها ذكر منها "قتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق".

بمقارنة بسيطة بين مقاصد الشرع الشريف ومقاصد "داعش" تتضح الصورة، فمقاصد الشرع جاءت لتحفظ على الإنسان حياته وماله وولده وعرضه، في الوقت التي تحصد فيه مقاصد داعش الرؤوس والأموال والأنفس البريئة. ومقاصد الشرع تطمئن القلوب، أما مقاصد "داعش" تخلع القلوب من هول فظائعها، ومقاصد الشرع تحقن الدماء، ومقاصد "داعش" تقتات عليها.

مقاصد الشرع كلها رحمة وسكينة وطمأنينة، ومقاصد "داعش" فوضى وعنف وترهيب، مقاصد الشرع يحكمها قانون إلهي مبناه العدل والرحمة، ومقاصد "داعش" قانونها القتل وسمتها العشوائية، ويحكمها قانون الفرد وفتاوى الفرد والعشوائية.

انظروا كيف وصل الإسلام بالدماء إلى هذه المكانة التي وقفت فيها أمام زوال الدينا، إعلاء لحرمتها، وحرصاً على حقنها ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ونهياً عن التفريط فيها تحت أي زعم أو دعاوى.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد