قالت إحدى معلماتي يوماً توضح السبب وراء صرامتها وضغطها و"دعكها" لنا، إن الألماس الثمين والكربون الرخيص هما من نفس المادة ألا وهي الكربون، لكن الألماس نشأ في البراكين في ظروف قاسية؛ حيث درجة الحرارة مرتفعة، والضغط عال، فتشكلت بلورة الكربون بهيئة معينة لتهبنا الألماس النفيس، في حين أن الكربون تشكل في ظروف جيدة بعيدة عن الضغط والحرارة فاختلفت تركيبة بلوة الكربون، مما جعله هشاً بخس الثمن، كذلك نحن البشر.
في الواقع لو نظرنا إلى العظماء لوجدنا حياتهم مترفة بالمشكلات والمعضلات التي اتخذوها تحدياً، فحولتهم إلى أسماء خلدها التاريخ، هلين كلير أصيبت بمرض السحايا وهي على عمر يناهز العام، مما كان سبباً لتفقد السمع والنطق لاحقاً، لكن ذلك كان أكبر حافز لها لتنهض وتقاتل لتصل، لم تكن لتدع هذه المعضلة تقف في طريقها، فكانت ناشطة في الاتحاد الأميركي للحريات، ونشرت الكثير من المؤلفات، أشهرها مسرحيتها "صانع المعجزات"، والكثير من أمثالها خاضوا معركة الحياة بضراوة، رغم مصابهم مثل الرفاعي وأبوالعلاء المعري وإديسون وغيرهم الكثير.
يبقى السؤال هنا هو ماذا لو لم يصابوا وكانوا بكامل صحتهم؟! ماذا لو كانت الحياة رؤوفة بهم؟! أو حتى ماذا لو لم يقرروا خط أسمائهم في هذه الحياة البائسة بقوة؟!
هنا يكمن الفرق، فبالإضافة إلى كل هذه الأسماء، هناك أسماء كانت ستنضم إليها لو أنها امتلكت شغف الحياة، وهناك من أصابتهم الحياة بلوثة الترف، فابتعدوا كل البعد عن الإنجاز، فعاشوا حياة مليئة بالبذخ رتيبة مملة، فكانوا على الهامش، وشكلوا الكربون في هذه الحياة.
لكن هل هذا يعني أن علينا أن نفقد إحدى حواسنا أو أن نصاب بمصاب جلل كي نصنع فرقاً في هذه الحياة؟!
لا البتة، ثمة الكثير من الأسماء ممن وصلوا للقمة وهم في كامل صحتهم، لا أقول إن الحياة لم تقسُ عليهم، لكنها لم تجر عليهم على الأقل أمثال آلاء حمدان، وسماح صافي، ومنى حوا، أسماء عربية وصلت للقمة، ولاحظ أنهن نساء عربيات مسلمات، لو كان أحد سيتخذ الحجاب والإسلام والأنوثة ذريعة.
أصيبوا بجور الحياة فوصلوا! كانت الحياة رؤوفة بهم نوعاً ما فوصلوا!.. لِمَ إذن لا نكون كلنا في القمة؟!.. لم لا نكون كلنا أصحاب فكرة ونسعى لتحقيقها؟!
هنا يكمن السر، فنحن من نحدد إن كنا سنعيش على هامش الحياة، ونتخذ من الظروف شماعة وذريعة للفشل والركود، أو أن نغوص لنخوض معركة الحياة، ونصل إلى ما نصبو إليه، فمثلاً لو قررت هيلين أن تتكل إلى المرض وتعيش عاجزة عالة لم كانت رمز الأمل في حياة الكثيرين، ولو قررت آلاء أن تتخذ الإسلام والحجاب ذريعة، وتركن إلى الراحة؛ لتعيش حياة هادئة رتيبة، لما كانت صانعة أفلام مشهورة حاصلة على الكثير من الجوائز وملهمة للكثير من شباب وشابات الأمة.
هؤلاء أناس لم يكن لديهم سوى الشغف الحقيقي وسعيهم لكي يصلوا، فالشغف أحد أهم الأسباب، بل وأقواها لنصل إلى ما نسمو اليه، فحلم دون شغف مجرد سراب.
ولو نظرنا إلى الأمر من جانب آخر لو جدنا أنهم يملكون نظرة إيجابية تجاه الأمور، فقد قالت آلاء حمدان: "المجتمع الذي يحبطك في البداية هو ذاته الذي يرفعك ويدعمك بعد أن تفرض نفسك بجدارة وتصنع اسمك في قطاع عملك الخاص"، ولا أظن أن ثمة تعقيباً على كلام بليغ كهذا.
وبهذا تشكل هذه الفئة الألماس في هذه الحياة المليئة بالسواد من كثرة انتشار الكربون.
وبعد هذه المفارقة بين الألماس والكربون حدد إن كنت تريد أن تعيش على الهامش، فتكون مجرد قلم رصاص بخس الثمن موجود بكثرة أم أن تخوض الحياة، فتكون من ألماس لا يقدر بثمن ونادر، أنت ربان سفينتك فحدد اتجاهها بما تراه مناسباً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.