بعد أن قرأت أن الأكل الزائد يسبب زيادة في الوزن، قررت أن ألغي القراءة من حياتي، بعد أن راجعت أخصائياً وأعطاني نظاماً صحياً، قررت أن أنظم مصروفي وألغيت زيارة الإخصائي وشراء ما يلزم للنظام الصحي الجديد، بعد أن وقفت على الميزان وشاهدت زيادة في وزني، قررت أن أعطف على هذه الآلة الحساسة وأعيدها إلى المتجر أو أضعها في غرفة التحف الفنية، كلما مررت من جانب البراد شعرته يغني لي: ميل يا غزيل، عندما تتوقف الأنثى عند المرآة تقول: من الغد سوف أبدأ ريجيم، وعندما تقف عند البراد، تقول: بدي آكل واللي بحبني بياخدني متل ما أنا.
بهذه الكلمات الفكاهية سأبدأ فكرتي العلمية فبمثلها وبمثل فيلم إكس لارج للفنان المصري أحمد حلمي نختصر نصف الطريق، فبلا شك أن شعوبنا العربية تعاني الوزن الزائد فإذا راجعنا مؤشر الأمن الغذائي العالمي لهذا العام، لوجدنا أن الدول العشر الأولى في السمنة بالترتيب هي: الكويت أولاً – السعودية – مصر- الأردن – الإمارات – جنوب إفريقيا – المكسيك – أميركا – سوريا – فنزويلا.
الدول العربية وجنوب إفريقيا غزاها النظام الصحي الغربي الغريب، فأدى بها إلى ذلك، فعند استيراد مشاريع مطاعم الأكل الجاهز، الأنظمة الغربية لم يجدوا حلاً مرافقاً وهو الرياضة، ففي الغرب يمارسون الرياضة فيحرقون ما كسبوه من سعرات حرارية زائدة، أما في الدول العربية فإما لا يمارسون الرياضة فهي غائبة عن ثقافتنا، أو أنه هناك قيود على ممارسة الرياضة على المرأة مثلاً في الدول العربية.
كما هي الحال في دول الخليج، حيث أكثر من 50 بالمئة من النساء الكويتيات يعانون من الوزن الزائد، أو قيود على خروج المرأة من المنزل، كما في سوريا التي تعاني الحرب، وربما تتعرض للخطف، أما في فنزويلا فهناك فقر شديد وجنوح نحو الأكل غير الصحي.
ولكن ما علاقة السمنة بالاكتئاب؟! هناك علاقة عكسية، فالبعض يقول إن الأول يؤدي للثاني، والرأي الآخر يقول الثاني يؤدي للأول، وأنا برأيي أنهما يشدان أزر بعضهما، فالاكتئاب يؤدي إلى زيادة إفراز هرمون الشدة الكورتيزول الذي ينبه الجسم أن هناك خطراً يداهمه فيبدأ بالاحتفاظ بما لديه من مخزونات، ويطلب إضافات، كما أن شعور الاكتئاب يؤدي بجنوح الإنسان إلى الاطعمة المملوءة بالدهون المشبعة والسكريات والتي تحسن المزاج، والشعور بالسمنة يجعلنا مكتئبين ومحرجين من مقابلة الآخرين، وهكذا ندخل دوامة كبيرة بين السمنة والاكتئاب ومن يؤدي لمن.
والإنسان المكتئب والذي يشعر بعدم الثقة بالنفس أو اليأس، يحاول أن يجد الأمان في تناول المزيد والمزيد من كميات الطعام، في رغبة حقيقية للحفاظ على الذات والإبقاء على الحياة، ولكن بصورة مبالغ فيها. فمن المعروف أن تناول الطعام هو أول الطرق التي تستخدمها غريزة حب الحياة في الاستمرار في الحياة، ولكن الاكتئاب يبالغ في استثمار هذه الطريقة، فيأكل المكتئب ويأكل ويأكل حتى يصاب بالسمنة.
بعد الإصابة بالسمنة يتفاقم الاكتئاب، إذ إن السمين المكتئب لا يجد ملابس لائقة فيتدهور مستوى أناقته ويهمل منظره ويشعر بالدونية مهما حاول أن يقاوم، فيزيد الإحساس بالاكتئاب، ثم يدخل الشخص السمين في مرحلة مضاعفات السمنة في صورة الإصابة بأمراض مختلفة مثل القلب وارتفاع الضغط وسكر الدم، وآلام المفاصل والعضلات، فيزيد الاكتئاب نتيجة الإحساس بوطأة المرض.
لكن أخطر نقطة في تزاوج الاكتئاب والسمنة، هي في أن الاكتئاب قد يمنع الشخص السمين من طلب العلاج من سمنته، فالاكتئاب الذي يجعل الإنسان يفقد الرغبة في الحياة، وفي حالاته الشديدة قد يدفع إلى الانتحار، يجعله يشعر بحالة من عدم الرغبة في فعل أي شيء، حتى لو كان هذا الشيء هو الذهاب إلى الطبيب لعلاج السمنة. فيتقوقع الشخص السمين في سمنته، متمترساً خلف طبقة الدهن الكثيفة التي تحيط بجسمه، قاطعاً كل صلة له بالعالم، في حالة موت بطيء مع انعدام الرغبة في الحياة.
صحيح أن الاستيراد من الخارج جيد، لكن لا يجوز أن نستورد برنامج الوجبات السريعة بدون مرافقته منع طبيعة عيش وممارسة رياضة أو على الأقل ننبه أن ذلك سوف يؤدي إلى سمنة، وأيضاً علينا دراسة حالة السمنة المنتشرة وأسبابها فلا يمكن استيراد أنظمة ريجيم غربية وتطبيقها على سوريين يجنحون إلى أكل النشويات والمساعدات الغذائية وأعاملهم على أنهم يعانون وزناً زائداً نتيجة وجبات الأكل السريعة، فلكل وجعه وداؤه ويجب البحث عن دوائه.
الآن نحن هنا ووصلنا إلى ما وصلنا إليه: ما هي الخطوات التدبيرية لذلك؟
لست مخولاً وخاصة بعد وجود إخصائيين للتغذية أن أتحدث عن التدبير الصحي لهذه الحالات، إلا بما علّمنا به الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن وجوب التفاؤل وعدم التنفير من الأشياء الصالحة وقواعد الغذاء الصحيحة والشرب والنوم، وعدم تسليم أنفسنا لفوضى الأخبار وسيل المشاهد الحزينة والكئيبة التي ترد يومياً بالآلاف على صفحات التواصل الاجتماعية حتى طغى على أسلوبنا في الكتابة والحديث.. كل أحاديث استجلاب الغم والحزن وتوقع الأسوأ.
فإذا كنت تصدق كل ما تقرأه على الإنترنت وتطبقه فهي أولى خطوات التيه، حتى بأنواع الريجيمات المطروحة، فعلى القارئ العربي معرفة موارد القراءة والتثقيف الصحي، فليس كل صفحة فيسبوك تُعَنْوِن نفسها مختصةً بالريجيمات نقوم بتصديقها، فليعلم أن هناك إخصائي تغذية درس بعد الثانوية أربع سنوات هو الأقدر على معالجة حالته، فليست مراكز الجيم واللياقة مؤهلة لذلك إذا لم يكن فيها إخصائي تغذية، فالموضوع ليس معلومات عامة أو ثقافة عابرة.
وعلى إخصائيي التغذية العرب والسوريين خصوصاً التوحد أكثر، وتحديد استراتيجيات الشعوب العربية الغذائية وما يلزمها سواء من أمن غذائي أو مؤشرات الوزن والسمنة، ولكن مع ما يتوافق مع حالة الشعب، وعلى كل أصحاب المعارف نبذ مفهوم الخلاص الفردي الذي تم تبنِه مؤخراً بعد فشل المجتمعات في تأمين متطلباتهم، حيث بتنا نرى كثيراً من الناجحين بمجال التغذية السوريين قد اختاروا وتبنوا هذا المصطلح، فإما جليس الجدران ينتظر الفرج وربما هو مصاب بالسمنة بالاكتئاب، أو أنه يعمل بدول أخرى يعالج حالة الشعوب التي يعمل عندها، أو كما آخرين هاجر الوطن فكراً وجسداً..
وكل مما سبق قرارك الشخصي، لكن ألا يتوجب عليك دفع زكاة علمك؟ ألا يجب البحث ولو قليلاً ما هي أمراض مجتمعك واختيار الأنسب لها؟ إذا لم تكن أنت مَن يهتم بأناسه فمَن ننتظر ليعالج أمراضنا؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.