لطالما كان هذا مكاناً يفتخر بنظامه وتوافقه وامتلاكه لعقلية الشركات الكبرى التي حولت بقعة لا تمتلك سبباً جغرافياً حقيقياً للوجود إلى واحدة من القوى المالية النشطة في هذا النصف من الكرة الأرضية.
كما حظيت العلاقة بين مختلف الأعراق فيها بسمعة طيبة، بدءاً من الالتزام الوطني المعترف به للمدارس والحافلات المتكاملة في السبعينات والثمانينات، وحتى انتخاب هارفي غرانت في 1983 أحد أبرز أوائل رؤساء البلدية السود في الجنوب الأميركي.
إلا أن إطلاق النار المميت الذي وقع على يد الشرطة يوم الثلاثاء، مودياً بحياة مواطن أسود يُدعى كيث لامونت، والاحتجاجات التي تبعت ذلك تُعَّد إحدى الصدمات التي هزت شعور تشارلوت مؤخراً بعدما تحولت من مدينة صغيرة ناجحة إلى مدينة أكبر وأكثر تعقيداً.
تصاعدت التوترات يوم الخميس إثر سماح السلطات لعائلة سكوت برؤية مقاطع الفيديو الخاصة بإطلاق النار، إلا أن المسؤولين قالوا بأن هذه المقاطع لن يُسمح للعامة برؤيتها. ومع احتشاد المحتجين لليلة الثالثة، فرض رئيس البلدية حظراً للتجول من منتصف الليل وحتى السادسة صباحاً.
وبعد عقود من الجهود التي بذلتها تشارلوت لتصل إلى مصاف المدن الكبرى، كان عليها أن تواجه مشكلات هذه المدن على مدار العقد الفائت، مثل فضيحة الفساد التي أطاحت بأحد رؤساء البلدية، والكساد الذي هز أسس القطاع المصرفي، بالإضافة إلى واقعة سابقة لإطلاق الشرطة النار على أحد المواطنين السود في 2013 متسببة في قتله وهو ما دفع المواطنين الغاضبين إلى الخروج إلى الشوارع، والمعركة الثقافية البارزة حول قرار المجلس التشريعي للولاية لمكافحة التمييز.
كما نما وعي متزايد هنا بمدى تعمق الفقر الذي أتى جنباً إلى جنب مع الجزء الراقي في المدينة والذي يتمتع به طبقة رجال الأعمال في المدينة.
يبلغ تعداد تشارلوت حوالي 827 ألف نسمة، وهي مدينة مليئة بأعضاء نوادي الغولف، وأحدث موديلات السيارات الرياضية في أماكن الانتظار الملحقة بالكنائس، وأطباق الطعام الفاخرة في الحانات والمطاعم.
إلا أن مقاطعة مكلنبورغ، والتي تعد شارلوت مركزها الإداري، تقع في المرتبة 99 ضمن أكبر 100 مقاطعة في الولايات المتحدة على مقياس الحراك الاقتصادي لأطفال الفقراء.
وهو أحد أسباب عدم تفاجؤ أي أحد بانفجار الإحباط الذي حدث هذا الأسبوع.
"أنا لست مندهشة" هكذا قالت كارلا كانينغهام ممثلة الولاية ذات الأصول الأفريقية التي تمثل الحي الذي قُتل فيه سكوت، كما أضافت "هذه العلل الاجتماعية يجب معالجتها عند نقطة ما، إذ إنها جزء من اليأس الذي يشعر به هؤلاء الناس".
مساء الأربعاء، انضمت كارلا إلى عشرات الأشخاص -معظمهم من السود- الذين احتشدوا حول الضريح المقام في موقف السيارات الخاص بالمجمع السكني، حيث أُطلق على سكوت النار.
تحدثوا بحرارة عن الحاجة إلى إصلاح الشرطة، وعن صعوبة الحياة في تشارلوت بالنسبة لهم.
قالت إحدى النساء إنها مستعدة لتلقي التعويضات، و40 فداناً من الأراضي الموعودة، وأضافت ساخرة "يمكنك الاحتفاظ بالبغل"، (في إشارة لفكرة الإصلاح الزراعي التي انتشرت بين العبيد السابقين بعد الحرب الأهلية الأميركية).
أما لاوانا مايفيلد، إحدى النساء السود والعضوة في مجلس المدينة، فقالت إن هذا الأسبوع كان بمثابة "صيحة استيقاظ لبعض الناس في تشارلوت".
إلا أنها أضافت سريعاً "للعديد من الناس في تشارلوت، لم تكن هذه صيحة استيقاظ بل واقعاً كنا نتعامل معه بالفعل".
تفاوتات عرقية
اعتُبرت تشارلوت لزمنٍ طويل مدينة قائمة على الأعمال التجارية.
يُشير توم هانشيت، وهو مؤرخ من المدينة، إلى كونها تقع في الأساس على طريق تجارة السكان الأصليين لأميركا. وبدأت تبرز باعتبارها مركزاً مصرفياً في الثمانينات من القرن الماضي، ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى جهود هوغ ماكول، وهو مصرفي وجندي سابق في سلاح البحرية والذي أشرف على سلسلة من عمليات الاندماج والاستحواذ والصفقات المبتكرة باعتباره المدير التنفيذي لشركة NCNB، وهو بنك يوجد مقره بمدينة تشارلوت.
كان المنتج النهائي هو شركة بنك أميركا العملاقة، والتي تُعد اليوم سادس أكبر كيان خاص في الولايات المتحدة من ناحية القدرة التوظيفية. جذبت تشارلوت المزيد من البنوك، وعدداً من مقرات الشركات، والمزيد من الأشخاص الذين تُعد التجارة شاغلهم الأساسي.
واجه الوافدون الجدد إلى هنا من أجل فرص جديدة مدينة جنوبية اختارت، في الخمسينات والستينيات من القرن الماضي، طريق اندماجي معتدل نسبياً، على عكس أماكن مثل برمنغهام في ولاية ألاباما.
إلا أن المدينة، التي تُنتج 30% من الناتج المحلي الإجمالي لولاية كارولينا الشمالية، تعاني كذلك من تفاوتات عرقية حقيقية في الدخل.
أشار جين نيكول، وهو أستاذ قانون بجامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل، ويدرس قضية الفقر في المدينة، في دراسة حديثة أن متوسط دخل الأسرة لدى البيض في مقاطعة مكلينبرغ يبلغ أكثر من متوسط دخل الأسرة لدى السود واللاتينيين بنسبة 86%.
"لدى مدينة تشارلوت ما يشبه المشكلة الهيكلية، وهو ليس بالأمر النادر" في الولايات المتحدة، كما قال نيكول يوم الخميس. "تُنتج شارلوت الكثير من الوظائف الجيدة، والكثير من التوظيف عالي الدخل، وكذلك عدد كبير جداً من الوظائف منخفضة الأجور التي لا تسمح بمستوى معيشة لائق".
يمكن لأهالي تشارلوت مثل صامويل هيندرسون أن يشعروا بأنهم عالقون بين وعد مدينة التجارة وواقع المدينة المنهك. يعمل هيندرسون، وهو أميركي من أصول إفريقية ويبلغ من العُمر 24 عاماً، كعامل نظافة في فندق بمدينة شارلوت. لديه بعض من التعليم الجامعي وطفلين صغيرين. يعلم هيندرسون بوجود وظائف جيدة هنا، كما قال الخميس، "لكن يتوجب عليك الذهاب للجامعة من أجل الحصول على تلك الوظائف".
يحلم هيندرسون بمستقبل يبدأ فيه مشروعه الخاص في تشارلوت. لكن عند سؤاله إذا ما سيكون هذا المستقبل مُزهراً، لم يستطع التأكيد.
وقال "إنه سؤال صعب".
رغم قدوم "الكساد الكبير" ورحيله عن هنا، إلا أن القنبلة التي فجرها في النظام المصرفي هزّت ثقة المدينة، كما يقول دافيد إردمان، محامي وعضو سابق في مجلس مدينة شارلوت.
كان الأمر المؤلم خاصةً، كما يقول إردمان، سقوط Wachovia، شركة الخدمات المصرفية العملاقة التي يقع مقرها في تشارلوت، والتي استحوذت Wells Fargo عليها في نهاية المطاف. في ذلك الوقت، وصف ماكونل في مقابلة مع صحيفة Charlotte Observer سقوط شركة Wachovia "بالضربة الموجعة للمدينة".
حدثت هزات أُخرى في القطاع العام في شهر يونيو/حزيران عام 2014، عندما أقر باتريك دي كانون -والذي استقال من منصبه كرئيس بلدية في مارس/حزيران- بأنه مذنب في اتهامات فيدرالية تفيد بأنه قد قبل رشى وإكراميات تبلغ قيمتها عشرات الآلاف من الدولارات من أصحاب المصالح التجارية حينما كان في منصبه.
خلال أقل من عام بين 2013 و2014، تقلد 4 أشخاص منصب رئيس البلدية.
كانت وصمة عار مفاجئة للنظام السياسي الذي اعتقد الكثيرون هنا ولزمن طويل أنه فعال ونظيف. وهو أيضاً النظام الذي ازدهر اعتماداً على التوافق وتقاسم السلطة ما بين السياسيين المعتدلين الودودين تجاه قطاع الأعمال التجارية.
أيّد الناخبون -على مر السنين- كلاً من الديمقراطي جانت، والجمهوري بات مكروري الذي شغل منصب رئيس البلدية من عام 1995 وحتى عام 2009. يشغل مكروري حالياً منصب حاكم ولاية كارولينا الشمالية. ورئيسة البلدية الحالية هي الديمقراطية جنيفر روبرتس.
إلا أن هذا التوجه السياسي الهادئ يبدو -أيضاً- أنه انحسر بموافقة مجلس المدينة -في فبراير/شباط- على تشريع يسمح للمتحولين جنسياً باستخدام دورات المياه التي تمثل هويتهم الجنسية في المباني العامة.
المتحولون جنسياً
بنهاية شهر مارس/آذار، قامت الجمعية العامة التي يًسيطر عليه الجمهوريون ويدعمها مكروري بإصدار تشريع انقلب على مرسوم شارلوت، وحظرت على المتحولين جنسياً دخول دورات المياه في المباني العامة في مختلف أنحاء الولاية. وهو ما تسبب في عاصفة سياسية وقانونية وثقافية.
ألغى فنانون مثل بروس سبرينغستين حفلات غنائية في الولاية. وأقام تجمع دوري الجامعات بساحل الأطلسي والرابطة الوطنية لرياضة الجامعات مباريات البطولة خارج الولاية.
كما قررت الرابطة الوطنية لكرة السلة (N.B.A) نقل دوري جميع النجوم لعام 2017 من تشارلوت إلى نيو أورليانز. في شهر مايو/أيار، أقامت وزارة العدل الفيدرالية دعوى قضائية ضد الولاية بسبب هذا القانون، مدعية أنه يشكل تمييزاً ضد الأشخاص المتحولين جنسياً.
قال إردمان "تباً، تسبب هذا في مشاكل لمدينتنا وللولاية" بما في ذلك اختبار نموذج التوافق بتشارلوت. يجد الآن مكروري -والذي كان يتمتع بشعبية كبيرة بين العديد من الديمقراطيين وكذلك الجمهوريين خلال الفترة الطويلة لرئاسته لبلدية تشارلوت- نفسه في سباق صعب لإعادة انتخابه في مواجهة منافسه الديمقراطي ونفور مُحتمل من الناخبين في أكبر مدينة في الولاية.
لم يمثل إطلاق النار من قِبل الشرطة يوم الثلاثاء مفاجأة لهندرسون عامل الفندق، الذي تذكر احتجاجات مماثلة بعد أن أطلق ضابط شرطة من تشارلوت-مكلنبورغ النار على جوناثان فيريل، وهو طالب جامعي ولاعب كرة قدم غير مسلح، في عام 2013. وجهت تهمة القتل العمد لضابط الشرطة في هذه القضية، ولكن انقضت القضية بقرار هيئة المحلفين ببطلان الدعوى.
دار كل هذا التاريخ المعقد في رأس هندرسون يوم الخميس بينما كان ينظف طوابق الفندق. ولكن بينما يتبادل المجاملات مع أحد الزوار في بهو الفندق، تحدث فقط عن المتظاهرين الجامحين، وكيف أنهم يُعقدون مسيرة التقدم هنا.
قال "إنهم يزيدون الأمر سوءاً. ولا يجعلونه أفضل".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.