غرقت الأحياء الشرقية في مدينة حلب في شمال سوريا الجمعة 23 سبتمبر/أيلول 2016 في جحيم الغارات الكثيفة التي شنتها طائرات سورية وروسية، متسببة بدمار هائل ومقتل العشرات من المدنيين بحسب تقارير محلية، بعد ساعات من إعلان جيش النظام السوري بدء هجوم في المنطقة، فيما وصف رواد الشبكات الاجتماعية الأوضاع في المدينة بالهولوكوست.
ورغم اجتماع في نيويورك بين وزيري الخارجية الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، يبدو المجتمع الدولي عاجزاً عن إعادة إرساء هدنة انتهت الإثنين بعد أسبوع من تطبيقها في مناطق سورية عدة بموجب اتفاق اميركي روسي.
وتتعرض الأحياء الشرقية في حلب والتي تسيطر عليها فصائل المعارضة منذ العام 2012، لغارات كثيفة بشكل متواصل منذ ليل الخميس، تنفذها طائرات روسية وسورية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل "45 مدنياً على الأقل بينهم 6 أطفال وخمس نساء الجمعة، جراء ضربات شنتها الطائرات الروسية والمروحيات السورية" على أحياء عدة. وأفادت حصيلة سابقة للمرصد بمقتل 27 شخصاً.
وقال مراسل لوكالة فرانس برس في مناطق المعارضة في حلب إن "القصف عنيف جدا" ومتواصل.
فيما ذكرت قناة سي إن إن عربي، أن عدد الضحايا وصل إلى نحو 120 شخصاً من المدنيين، نقلا عن مصادر محلية.
وبات متطوعو الدفاع المدني مع كثافة الغارات عاجزين عن التحرك، خصوصاً بعدما استهدفت الغارات صباحاً مركزين تابعين لهم في حيي هنانو والأنصاري، وفي ظل شح الوقود، وفق ما ذكر مراسل فراس برس.
"هولوكست حلب"
وتسببت الغارات بدمار كبير، وانهارت ثلاثة أبنية بكاملها على رؤوس قاطنيها جراء غارة واحدة على حي الكلاسة.
وقال مراسل فرانس برس، إن جرافة واحدة كانت تعمل على رفع الأنقاض، فيما يقف عمال الإغاثة مذهولين محاولين رفع الركام بأيديهم بحثاً عن العالقين تحته.
وقال مصدر في الدفاع المدني في شرق حلب لفرانس برس "لم يعد لدينا إلا ألفا ليتر من المازوت وبدأنا نقنن استخدامه".
من جهتها، أفادت منظمة أطباء بلا حدود، أن المستشفيات التي تدعمها "تلقت في يومين 145 جريحاً"، مضيفة "نعلم بأن الجرحى والمرضى في العديد من الأحياء لا مكان يذهبون إليه وهم ببساطة متروكون للموت".
وأطلق ناشطون سوريون على الشبكات الاجتماعية (هاشتاغاً) بالإنكليزية بعنوان "هولوكست حلب".
وكتب أحدهم على حسابه على تويتر "نشعر كأنه يوم القيامة لا أحد يعرف ماذا يجري"، فيما أشار آخر إلى أن "الطرقات خالية من المارة الجميع في منزله ينتظر الموت".
وندد الائتلاف السوري المعارض في بيان بتنفيذ "نظام الأسد والاحتلال الروسي حملة إجرامية من القصف الجوي المسعور، مستهدفاً الأحياء السكنية المحاصرة لمدينة حلب"، منتقداً صمت المجتمع الدولي.
على جبهة اخرى في حلب، أفاد المرصد بمقتل "15 مدنياً بينهم 11 طفلاً جراء غارات روسية على قرية بشقاتين في ريف حلب الغربي" في حصيلة جديدة. كما قتل 11 شخصاً على الأقل في غارات نفذتها طائرات لم تعرف هويتها على مدينة الباب تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية شمال شرق حلب.
وفي محافظة حماة (وسط)، أفاد المرصد بمقتل 18 مسلحاً من فصيل مقاتل بعد استهداف طائرات حربية مغارة كانوا يتخذونها مقراً.
-تمهيد لهجوم بري-
ويأتي هذا التصعيد بعد إعلان نظام الأسد مساء الخميس بدء هجوم على الأحياء الشرقية في حلب ودعوته المواطنين إلى "الابتعاد عن مقرات ومواقع العصابات الإرهابية المسلحة".
وأوضح مصدر عسكري سوري في دمشق الجمعة لوكالة فرانس برس، أن العمليات البرية في حلب لم تبدأ بعد.
وقال "حين أعلنا بدء العمليات البرية، فهذا يعني أننا بدأنا العمليات الاستطلاعية والاستهداف الجوي والمدفعي، وقد تمتد هذه العملية لساعات أو أيام قبل بدء العمليات البرية"، مشيراً إلى أن "بدء العمليات البرية يعتمد على نتائج هذه الضربات".
وذكر أن الضربات الجوية منذ الخميس تستهدف "مقرات قيادات الإرهابيين".
ويصنف النظام السوري كل المجموعات التي تقاتله من الفصائل المعارضة والجهادية بأنها "إرهابية".
وأكد ضابط تابع لنظام الأسد على جبهة حلب لفرانس برس، أن "القوات البرية لم تتقدم ميدانيا بعد".
وبحسب مصدر عسكري ثانٍ في دمشق، فإن "هدف هذه العملية هو توسيع مناطق سيطرة الجيش" في حلب.
وتبحث الأمم المتحدة وفق ما أعلن المتحدث باسم مكتبها لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لاركي الجمعة عن طريق بديل لإرسال مساعدات إلى الأحياء الشرقية، حيث يقيم نحو 250 ألف شخص في وضع "مأساوي".
وشكل إيصال المساعدات بنداً رئيسياً في اتفاق الهدنة التي انهارت الإثنين بعد سريانها لأسبوع في مناطق عدة بينها حلب. وتبادلت موسكو وواشنطن راعيتا الاتفاق الاتهامات بعرقلة تنفيذ وقف إطلاق النار.
-فشل دبلوماسي جديد-
في موازاة ذلك، لم تنجح الجهود الدبلوماسية في نيويورك في إحياء وقف إطلاق النار.
والتقى وزير الخارجية الأميركي نظيره الروسي الجمعة واكتفى على الأثر بالحديث عن "تقدم محدود جداً" و"إجراء تقييم لبعض الأفكار المشتركة بطريقة بناءة".
وأوضح محلل سوري قريب من دمشق لوكالة فرانس برس، أن "المعارك (في حلب) بدأت إثر فشل الاجتماع الدولي"، مضيفاً "أنها مفاوضات بالنار في حلب".
وأضاف "على الأميركيين أن يفهموا أنه طالما لم يفوا بالتزاماتهم (اتفاق الهدنة) وتحديداً لناحية فك الفصائل (المعارضة) ارتباطها بجهاديي جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)، فإن الروس والجيش السوري سيتقدمون".