أحلامنا.. أحلامنا لا ترى أين هي يا ترى؟ بعيدة.. قريبة؟! نراها أم لا نراها؟
كل ما خيل لي يوماً أنني اقتربت إلى أبواب الفجر وفجأة طارت الأبواب إلى أماكن مجهولة وعاود الليل غزوه.. أحلامنا.. نراها من بعيد فنحاول الاقتراب أكثر وأكثر، وحينما اقتربنا رأيناها سراباً! ما اﻷمر إذاً؟ هل تاهت بين غيمات الليل الغازية؟ ماذا يحصل؟ أين نحن؟ وأين أنا؟ وأين هذا الزمن؟
حينها تذكرت مقولة الرجل العجوز لي ذات ليلة حينما كنت جاهداً ساهراً: "أتعلم يا بني أن هذه اﻷرض تأكل ناجحيها وتستلذ بهم في بطنها"، لكني كنت أعلم حينها أن من يهدم حلماً، ومن يخنق فكراً، ومن يُسكت رأياً.. ملعونٌ ملعونٌ ملعون.
في ذلك الوقت لم أعِر انتباهاً لذلك الرجل، فكنت أرى حلمي بوضوح، وﻷنني حينما أضع رأسي ليلاً على الوسادة نائماً، كنت أعد النجوم في السماء، كنت أعد نفسي من بينهم، كنت أرى نفسي قريباً من القمر، قريباً جداً لدرجة أني أحياناً أنسى نفسي وأحسبها قمراً؛ ﻷنني حين أعود إلى نفسي أراها حالمة هادفة كعادتها، ماذا أردتُ.. ماذا حلمتُ؟ أردت فقط حقي بالعيش، كما يعيش الإنسان، كما يحلم الإنسان، كما يحب الإنسان، كما يأخذ حقه الإنسان.
طالما راودتني أفكار تخبرني أن ابتعادي عن أرضي سيعيد لي كل شيء كما أعيد للذين هاجروا إلى النعيم، فأتساءل حينها: وما بال أرضي؟ ما بال المكان الذي ولدت فيه؟ ما بال أمي التي كانت سبباً في كوني هنا؟! فحتى هي لا تعطيني حقوقي ولا تضمن عيشي، هل حلت علينا اللعنة في هذه الأرض؟! أم استوطنها الجن واﻷشباح ليحدث كل هذا السوء؟!
إذاً دعونا نتلو آيات من القرآن، ولتصبح من روتيننا اليومي مع شرب قهوتنا المرة التي نتجرعها كل صباح تلك التي أوصتنا بها الجدة العجوز التي عمرها بعمر تجاعيد وجهها ناصع البياض.
دعونا لا نفوت الترنم بالترانيم الجميلة.. تلك التي حتى اسمها عبارة عن أنغام موسيقية.. دعونا نردد أبيات صفي بن الحلي ونجعلها نشيداً وطنياً:
لا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا ** ولا ينال العلا من قدم الحذرا
ومن أراد العلا عفواً بلا تعب قضى ** ولم يقضِ من إدراكها وطرا
لا بد للشهد من نحل يمنعه ** لا يجتبي النفع من لم يحمل الضررا
دعونا نقف وقفة واحدة كوقفة أبناء وطننا قبل الحرب اللعينة، نقف كعائلة واحدة، كبيت واحد لنخرج هذه الأشباح، لنخرج غزو الليل من ديارنا، دعونا نعود لنسكن أرضنا من جديد بدل الأشباح، فلنعمرها معا فلنزرع هنا زهرة للياسمين وهناك توتاً أحمر، بستاناً هنا وآخر هناك.
فلنهدِ الإنسان حق العيش الكريم على هذه الأرض، ليصح قول محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. دعونا نعود بأحلامنا الطفولية ونجعلها واقعاً، لننتظر من القادمين كيساً مليئاً بالحلوى، ولنصنع طائرة ورقية نعلق فيها أحلامنا وندعها تحلق في سماء الرب، دعونا نتنفس من عبق الحياة والإيمان، تعالوا معي نحلم من جديد، ونترجم أحلامنا إلى واقع نعيشه لا خيالا ننتظره.
فما دامت لدينا روح من رب الأكوان، وحب من الخالق الرحمن، سنرقى ونرتقي ويسقط كل طغيان، سنحقق أهدافنا، ونُري العالم والدنيا في كل الأزمان، ستذكرنا الحروب أننا حاربنا حتى تحقيق ما حلمنا به، وسيخلد أسماءنا التاريخ كما خلد أسماء لا تعد ولا تحصى كجيفارا الذي مات وهو يناضل من أجل حرية الإنسان، ففي إحدى مقولاته يكلم أمه قائلاً: لا تحزني أمي إن مت في غض الشباب غداً سأحرض أهل القبور وأجعلها ثورة تحت التراب.
ولا ننسَ ونحن ندين بدين الأمل الذي علمنا أن نحمل الأمل، ونعمل به حتى والساعة قائمة: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها فليفعل"، إنها لدفعة أمل تستحق أن تترجم في كل لغات الدنيا، وتكتب في كل كتب التنمية.
يوماً ما ستحمل الريح أسماءنا معها أينما هبت، وسنظل نردد دائماً "يحيا يحيا الإنسان.. ويسقط كل طغيان.. يحيا يحيا الإنسان.. ويسقط كل طغيان".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.