رفضت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الاتهامات التي وجهها لها أكثر من 600 ناشط ومفكر معظمهم من الأقباط، واتهامها بالتدخّل في الحياة السياسية، مؤكدة على لسان القس بولس حليم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة، إنها لم تتدخل في السياسية، وما تقوم به هو "عمل وطني"، على حد قوله في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست".
وتأتي هذه التصريحات كأول رد من الكنيسة على البيان الذي أصدره الناشطون الحقوقيون والسياسيون -معظمهم من الأقباط- تحت عنوان "رسالة مفتوحة للنظام والكنائس والمجتمع المدني بشأن دعوات الكنائس لمظاهرات دعم الرئيس في أميركا"، حذروا فيه من خطورة استمرار الزج بالمؤسسات الدينية بشكل عام، والكنائس بشكل خاص، في المعادلة السياسية وسط مجتمع يعاني من أزمة طائفية بالأساس.
وقال حليم إن "تنظيم الكنيسة للوفود الشعبية من أجل استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء زيارته الحالية للولايات المتحدة الأميركية هو عمل وطني وليس سياسياً، لأنه بمثابة إعلان أن مصر تسير نحو الاستقرار، وهو ما يشجّع الاستثمار في مصر ويقوي اقتصادها".
شباب الأقباط ليسوا غاضبين والكنيسة تمثل الجميع
ويرى المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن "كل عمل يساهم في بناء مصر هو عمل وطني، والذين خرجوا لاستقبال الرئيس كانوا على قناعة تامة، بأنه خروج ليس من أجل شخص، ولكنه خروج من أجل وطن بأكمله، منوهاً إلى أن تنظيم الكنيسة لوفود شعبية في استقبال رئيس مصر في إحدى زياراته الخارجية ليس الأول، ولكنه حدث من قبل في العديد من المرات".
لا يعترف القس بولس حليم بوجود موجة غضب من شباب الأقباط تجاه النظام الحالي الذي يرأسه السيسي، "من الذي حدد أن هناك موجة غضب من شباب الأقباط، أظن أنه لا توجد دراسة جادة في هذا الشأن، وإن كان المرجع هو شبكات التواصل الاجتماعي فهي لا تعطي مؤشرات حقيقية".
ورفض حليم بشدة ما جاء بالبيان من أن الكنيسة لا تمثل جميع الأقباط، قائلاً: "الكنيسة مؤسسة روحية أعضاؤها هم الأقباط في كل أنحاء العالم، لذلك هي تمثل جميع الأقباط في أنحاء العالم، أما عن العمل السياسي فهي لا تمثلهم لأنها ليس لها دور سياسي، ويجب عدم الخلط بين الدور الوطني والسياسي، فالكنيسة تعي دورها جيداً، فإن كانت هي مؤسسة روحية لكنها منذ نشأتها قامت بدور وطني في غاية الأهمية عبر العصور ومازالت تقوم بهذا الدور بل هي مطالبة بأن تقوم بهذا الدور، وتاريخ مصر يشهد بذلك".
بسطاء المسيحيين هم من يدفعون الثمن
كان البيان الذي أصدره الناشطون الحقوقيون والسياسيون قد حذر من خطورة "الزج بالمؤسسات الدينية بشكل عام، والكنائس بشكل خاص، في المعادلة السياسية وسط مجتمع يعاني من أزمة طائفية بالأساس، وحمل الموقعون على البيان النظام المصري والكنائس، تبعات استمرار تدخل المؤسسات الدينية في السياسة على بسطاء المواطنين المسيحيين الأقباط، قائلين في بيانهم "لم يعد من الخفي ما يعانيه المواطنون المسيحيون من أزمات جرّاء دخول الكنائس كطرفٍ بالمعادلة السياسية، حتى لا يتحمّل المواطنون المسيحيون خاصةً في الصعيد تبعات المواقف السياسية التي يتخذها قيادات الكنيسة".
وقال البيان إن "النظام الجديد الذي جاء في 30 يونيو استحسن الزج بالكنائس المصرية في المعادلة السياسية كممثلين –وحيدين- عن عموم المواطنين المسيحيين، وهو ما نتج عنه دستورٌ يضم مواد تعزّز من سطوة المؤسسات الدينية على المواطنين خاصة المسيحيين، ولا يصح أن نقبل من الكنيسة سواء بناء على عمل طوعي منها أو بطلب من النظام أن تتعامل مع المواطنين المصريين المسيحيين بمنطق الشحن والتعبئة كما حدث في زيارة السيسي لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك".
وهاجم البيان النظام الحالي حيث جاء بنصه "لم تختلف سياسات النظام الحالي في التعاطي مع أحداث العنف الطائفي المختلفة التي تمس مواطنين مسيحيين، عن سابقيه، ولم تختلف نتائجها ومردودها عليهم، فظلت منازل ومتاجر المواطنين المسيحيين عرضة لهجمات المتطرفين، وظلت أزمات بناء الكنائس حاضرة وبقوة، كما استمرت سياسات إفلات مرتكبي تلك الجرائم من العقاب واللجوء إلى جلسات الصلح العرفية بدلاً من إعمال القانون".
الكنيسة تتلاعب.. وتؤجِّج المشاعر الطائفية
"هناك فرق بين العمل الوطني والعمل السياسي"، كما يقول جمال أسعد المفكر القبطي، الذي يرى أن قيام الكنيسة باستقبال رئيس أو اعتراضها على رئيس أو تأييدها لرئيس "كل هذه الأمور عمل سياسي، أما العمل الوطني فهو أن تدافع عن قضية وطنية تهم كل المصريين، أما أن تتفق مع نظام ضد نظام فهو عمل سياسي، وهذا الأمر ليس لصالح الجميع من الكنيسة والأقباط وحتى الدولة وجميع مواطنيها.
وأكد أسعد في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أن الكنيسة الآن أصبحت تمارس ما هو أقبح من العمل السياسي، حيث أصبحت تجامل النظام وتنافقه بشكل واضح، وممارسة هذا الأمر عبر العقود جعلها مجبرة عليه، وحتى ما كان يقوم به البابا شنودة في عهد نظام مبارك من توزيع أدوار بينها وبين بعض رموز أقباط المهجر المتاجرين بقضيتهم في الخارج، لم يعد هناك إمكانية لاستمراره في هذا الوقت، خصوصاً بعد أن ارتمت الكنيسة بأكملها في حضن النظام عقب ثورة 30 يونيو.
صراع في نيويورك
في نيويورك كانت هناك حملتان في استقبال الرئيس المصري مؤيدة ومعارضة، وكلاهما من الأقباط.
الأولى كانت حشود الكنيسة المصرية تحت شعار "مرحبا بالرئيس"، تحت قيادة الوفد الكنسي الذي أرسله البابا تواضروس، وحشد الأقباط في أكثر من 50 حافلة في شوارع نيويورك لتحية الرئيس.
وفي المقابل نظم آخرون من أقباط المهجر حملة ضد الرئيس المصري ورفض ما قامت به الكنيسة تحت شعار "لا للترحيب بالرئيس"،
ذلك فيما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة تدوين من نشطاء الأقباط ضد ما قامت به الكنيسة