عندما وضع الاتحاد الديمقراطي المسيحي في برلين تصوراً لما ستكون عليه ملصقات حملته الانتخابية في العاصمة الألمانية يوم الأحد، لابد أن عملية تحضيره للرسالة الجوهرية التي ستتضمنها الملصقات لم تتطلب منه الكثير من العناء في التفكير.
يعود الحزب الألماني المحافظ إلى جذوره ويَعِد بتهدئة مخاوف الناس عن طريق وضع خطة عمل لإنفاذ القوانين وتطبيق النظام، خاصة بعد سلسلة الأحداث الأخيرة التي تضمنت هجوم باريس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بالإضافة إلى الاعتداءات التي تمت عشية العام الجديد في كولونيا، وسلسلة الهجمات التي حدثت في بافاريا في يوليو/تموز الماضي، التي تنوعت في طُرُق تنفيذها ما بين السلاح والقنابل والفؤوس والخناجر، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.
اصطفت الملصقات التي كُتِب عليها شعار "برلين القوية" على مدار الستة أسابيع الماضية في الشوارع، مع وعود بتوفير المزيد من قوات الشرطة واستخدام تقنية التصوير بالفيديو. في الإعلان الخاص بحملة فرانك هينكل، مرشح الاتحاد المسيحي الديمقراطي، ونائب رئيس البلدية الحالي، وعد بتعزيز قوات الشرطة بما يصل إلى 750 ضابطاً جديداً، وصرف مبلغ إضافي يصل إلى مليوني يورو (1.7 مليون جنيه إسترليني) على المعدات الجديدة، وخاصة على "كاميرات المراقبة CCTV ذات الدقة العالية، التي ستنتشر في جميع محطات القطار الموجودة تحت الأرض وفوقها".
يأمل فريق عمل حملة هينكل أن يكون الخوف من الإرهاب والقضايا الجنائية رفيعة المستوى، قد غير من سلوكيات المدينة التي لطالما كان لديها حساسية مُفرطة حيال المراقبة. إذ استطاعت قوات الشرطة في برلين العام الماضي أن تلقي القبض على قاتل الطفلين، بعد أن تم التعرف عليه من خلال كاميرات المراقبة التي كانت موجودة أمام أحد المتاجر.
أحدث استطلاعات الرأي
ومع بقاء يومين على موعد إدلاء سكان برلين بأصواتهم، تشير استطلاعات الرأي إلى أن العاصمة الألمانية ستحافظ على وضعها الفريد بخصوص قضايا الخصوصية وحماية البيانات.
تُشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن الديمقراطيين المسيحيين سيكون نصيبهم 17% من الأصوات، خلفاً للديمقراطيين الاشتراكيين التابعين لعمدة برلين، مايكل مولر. حتى أن بعض الاستطلاعات تضع الاتحاد الديمقراطي المسيحي في المركز الثالث، بعد حزب الخضر الألماني.
وبعد مرور 5 أعوام على "الائتلاف الكبير" الذي تم بين وسط اليمين ووسط اليسار، من المرجح أن يكون الحكم المستقلبي لبرلين عبارة عن تحالف بين كل من الديمقراطيين الاشتراكيين، والخُضر، والحزب اليساري.
وبعد سلسلة من الهزائم المتتالية في انتخابات الولاية في بادن-فورتمبرغ، رينلاند-وستفاليا ومكلنبورغ فوربومرن، فعلى الأغلب سيزداد حرج حزب أنجيلا ميركل، ما سيزيد من الضغط على المستشارة وكيفية إدارتها لتداعيات أزمة اللاجئين الأخيرة.
في تقرير لصحيفة "دي تسايت" الأسبوعية، قيل أن متمردي الحزب أعطوا ميركل مُهلة: إن لم تُجر تغيُّرات ملحوظة بصورة عامة بحلول يوم الثلاثاء القادم، سيقوم بعض نواب البرلمان بإعلان تمردهم علنياً.
ومن المتوقع أن يحصل حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، المُعادي للمُهاجرين، على حصة مُضاعفة من الأصوات في العاصمة للمرة الأولى، وقد حذّر مولر من أن نتيجة ذلك ستكون واضحة في كل مكان حول العالم، وستكون علامة على عودة اليمين المتطرف والنازيين في ألمانيا.
وعلى الرغم من أن أزمة اللاجئين لا تزال تتصدر برامج الأخبار على المستوى الوطني، فإنها لعبت دوراً ثانوياً في حملات انتخابات الولاية. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن حزب البديل من أجل ألمانيا يحتل المرتبة الخامسة كأقوى الأحزاب الموجودة في برلمان الولاية، تسبقه 4 أحزاب أخرى تشتهر بمواقفها الموالية للاجئين، وربما يدعو ذلك للتذكير بأن المخاوف من ارتفاع أسعار الإيجارات، تفوق المخاوف من الإرهاب في برلين بكثير.
وعند مراقبة الأمر بزاوية أقرب نجد أن أزمة حزب الديمقراطيين المسيحيين في المدينة تبدو وكأنها انعكاس لصراعات الحزب على الصعيد الوطني، أكثر من كونها تعبيراً عن الفشل في التعامل مع المواقف المختلفة الخاصة بالأمن الداخلي على المستوى المحلي.
قيود قانونية
منذ سقوط جدار برلين، توجّب على السلطات في العاصمة الألمانية أن تعمل تحت قيود مشددة مفروضة على مراقبة الدولة للمواطنين، وهي مشددة في برلين أكثر من بقية مدن العالم الكبرى.
وعلى الرغم من تثبيت ما يقرب من 15 ألفاً من كاميرات المراقبة في محطات السكك الحديدية والمواصلات العامة، فإن لوائح خصوصية البيانات تمنع الشرطة من تثبيت الكاميرات التي تنقل الصور الحية، في الأماكن العامة.
ويقول اتحاد الشرطة بالمدينة إن تلك القيود الموضوعة تُسبب عائقاً أمام الشرطة في المدينة، مقارنةً بتلك الموجودة في بافاريا، حيث يمكنهم إنشاء وحدات المراقبة المتحركة. ويقول رئيس الاتحاد، بودو بالزجراف: "لدينا نقص حالياً في عدد الموظفين المؤهلين، بالإضافة إلى النقص في المعدات المتطورة، ما يعني أننا سنبقى دائماً متأخرين بخطوة عن المجرمين ونفتقر القدرة على الإيقاع بهم".
في شهر يونيو/حزيران الماضي، حاول هينكل، الذي كان وزيراً لداخلية برلين حينها، أن يغير من القانون المحلي، ليسمح بمراقبة الأماكن التي تكثر فيها الجرائم عن طريق أجهزة CCTV، مثل Alexanderplatz وKottbusser Tor في Kreuzberg. ولكن، محاولاته جميعها باءت بالفشل، والسبب الجزئي وراء ذلك يرجع إلى تدخل حزب القراصنة في اللحظات الأخيرة، وهو الحزب الذي دخل إلى البرلمان عام 2011 بخطة عمل مهتمة بحماية البيانات.
تركت الهزيمة للمحافظين في حزب هينكل قضيةً لترتكز حملتهم الانتخابية حولها، ولكن حتى عندما كانوا في السلطة، كانت ثمة أدلة ضعيفة تشير إلى أنهم كانوا على المستوى المطلوب للقيام بمهمة تغيير التوافق الثقافي السائد في برلين حول قرار المراقبة.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.