ظهيرة يوم الاثنين، بدأت عائلة محمد السنوسي وزوجته المكوَّنة من 4 أفراد، بالتوجه إلى ريف ولاية فرجينيا في شاحنتهم الصغيرة من مسكنهم بمدينة جريت فولز، أملاً في أن تكون هذه تجربة لن ينساها الأطفال.
حضرت العائلة تجمعاً ضخماً لأداء صلاة عيد الأضحى في مركز "دولز إكسبو" ثم تناولوا إفطاراً متأخراً وسخياً مع أصدقائهم، والآن يجهزّون أنفسهم لإعادة إحياء تقليد امتد لمئات السنين – ذبح الأضحية كما ينصّ الإسلام، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة The Washington Post الأميركية.
مروراً بمزارع الخيول، وحقول الذرة، ولافتة تدعو للتصويت لترامب بين الحين والآخر، سارت السيارة حتى ظهرت لافتة "مزرعة حلال" فجأة، ولافتة أخرى بجوارها كُتب عليها بخط اليد "عيد مبارك" باللغة العربية. وخلف المزرعة، قرب الطريق المكسو بالحصي، وجدوا عشرات من السيارات المركونة، ورائحة شواء، وحظيرة بها خراف وماعز، وكوخاً خشبياً تسوق إليه كل عائلة على حدة أضحيتها. بمساعدة المُزارع والجزَّار تنفّذ العائلة طقساً يحيي ذكرى طاعة النبي إبراهيم لأمر الله بالتضحية بابنه، فاستبدل الله خروفاً مكان الابن في اللحظة الأخيرة.
عادات جديدة
في ضوء ازدياد عدد المسلمين في البلاد، يجد المسلمون فرصاً لتأسيس عادات جديدة مرتبطة بعقيدتهم، تجمع بين شعائرهم وأحدث أساليب الحياة الأميركية.
يمكن أن يختار مقيم الشعائر أن يذبح خروف العيد في واحدة من عدد متزايد من المزارع المخصصة لذلك، أو أن يشتري لوليمة العيد لحماً حلالاً لذبيحة ترعى على العشب من أحد محلات البقالة الحلال، أو يتبرع بالمال لجمعية خيرية توزع الطعام على فقراء مدينة بالتيمور، أو يحضر حفل شواء أثناء عطلة خاصة بحقوق المثليين، ومزدوجي الميول، والمتحولين جنسياً.
وبالنسبة للمهاجرين، تعطيهم الرحلة إلى الريف لتقديم الأضحية وسيلة للإبقاء على أصالة تراثهم، بينما يعيشون حياتهم في الضواحي والمدن، ويرسلون أطفالهم إلى مدارس عامة ومعسكرات كرة قدم، ويمارسون طقوس حياتهم اليومية كأميركيين.
يُعد أطفال السنوسي والعباسي مثالاً لهذا التهجين، فهم يشكّلون عائلة متعددة الثقافات واللغات تحمل أصولاً مهاجرة وانتماءً أصيلاً لأميركا.
نشأ السنوسي في السودان، والعباسي في المغرب، وتقابلا كطلاب في جامعة إنديانا. يدير السنوسي الآن مجموعة لا تهدف للربح تعمل على الدعوة للسلام بين الأديان المختلفة في العالم، بينما يقود العباسي مجموعة أشبال الكشافة الخاصة بابنها ذي الأحد عشر عاماً. ويتحدثان في المنزل بخليط من الإنجليزية والعربية مع أولادهما الثلاثة المولودين في أميركا، والعربية التي يتحدثونها هي أيضاً خليط من اللهجتين السودانية والمغربية المميزة لكلّ منهما.
يمثّل انتماؤهم لأقلية دينية بعض التحديات، مثل واقع أن العيد ليس عطلة قومية في أميركا، لذلك يأخذ الأهل والأطفال إجازة ليوم واحد للاحتفال بعيد تمتد عطلته لعدة أيام في مساقط رأسهم. لكن يقول البعض إن هذا الوضع يدفعهم لتقدير عاداتهم التي تبدو معرّضة للانقراض بعد الهجرة.
تقول العباسي إن التمسك بالشعائر يتطلب جهداً خاصاً الآن "اعتبرناها أمراً مسلماً به عندما كنّا صغاراً. لكن كمسلمين في الغرب، أريد أن يمتلك أطفالي ذكريات عن طفولتهم تساعد تأكيد هويتهم كمسلمين أميركيين".
"يطلب الكثيرون منّا جِمالاً"
لقد تواجدت منذ فترة طويلة مزارع مستعدة لبيع خرافها وتأجير أرضها للمسلمين ليمارسوا فيها أضحية العيد، بداية من مزارع كبيرة مثل التي ذهبت إليها عائلة سنوسي السنة الماضية، إلى مزارع طوائف الآميش الصغيرة في غرب بنسلفانيا. يقول المسلمون وقادتهم الدينيون إن ازدياد عدد هذه المنشآت يرجع إلى ازدياد عدد المسلمين في البلاد.
لا يمنع هذا أن إيجاد أحدها قد يكون شاقاً، يقول أوز سلطان، الذي يسكن في حي هارلم بنيويورك: "يجب أولاً أن تتصل بمزرعة وتقول إنك تريد فعل ذلك، ويسير الأمر على نحو مشابه، تريد ماذا؟ اتصل بالرجل اليهودي". ويضيف أنه في حال موافقة المزرعة يظل عليك أن "تمسك الحيوان بنفسك، وتقيّد حركته".
ويقول مازحاً: "يمكنك تأجير ألف من الحرفيين محبّي الفن ليقوموا بالمهمة بدلاً عنك".
عندما شعر المهاجر الباكستاني ميان أجمل شاه بالحاجة المتزايدة لهذا النوع من المنشآت منذ 6 سنوات، افتتح دون خبرة سابقة في المزارعة مزرعة حلال في كاتليت، ولاية فيرجينيا، ليسد حاجة عملائه المسلمين للخراف والماعز للأعياد، والعقيقة، وحفلات الزواج، واحتفالات أخرى.
في اليوم الأول من العيد، يساعد شاه وفريقه زبائنهم في ذبح الخراف والماعز. وفي اليومين الثاني والثالث، يقدمون خدمة ذبح البقر أيضاً. ويطلب الزبائن أكثر من ذلك. يقول "يطلب الكثيرون منا أن نحضر جمالاً، لأن لحمه طري، لكن لا توجد لدينا أية جِمال".
من الجهة القانونية، ليس المسلمون –أو غيرهم- مضطرين للسفر ليتمكنوا من ذبح الماشية. يعطي القانون الفيدرالي لأي شخص الحق بذبح حيوانات مملوكة له في ملكيته العقارية. وفي البلاد ذات الأغلبية المسلمة، تُجهَّز الباحات وأسقف البيوت بفتحات للصرف وصنابير مياه لتولي هذه المهمة.
خيار آمِن
لكن بينما يشكّل المسلمون نسبة أقل من 1% من الشعب الأميركي، وبينما تكثر الاعتداءات اللفظية والجسدية على المسلمين، ويتحسس الأميركيون بشكل عام من فكرة ذبح الحيوانات، تبدو المزرعة خياراً آمناً.
وليكون اللحم حلالاً يجب، مثل طريقة الذبح اليهودية، أن تُقيّد حركة الحيوان لكن لا يُصعق بالكهرباء قبل موته. يقطع الجزّار الشريان والوريد الرئيسيين بالعنق بحدة وبسرعة، ثم يترك الحيوان لينزف قبل أن يُقطَّع لحمه، طبقاً لشريعة كلتا الديانتين.
يقول إدوارد ميلز، أستاذ علم اللحوم في جامعة ولاية بين "من الأفضل ألّا تفعل شيئاً كهذا في منزلك ليراه الجيران في بيئة لم تعتد مشاهدة شيء مشابه".
وشعرت العباسي بشيء مشابه تجاه مشاهدة طفليها، أنس، 5 أعوام، وجود، 4 أعوام، لطقوس الذبح عندما جاء دور العائلة لأخذ خروفها إلى الكوخ. "تعالا" قادتهما بعيداً. سُمح لنبيل، ذي الأحد عشر عاماً والذي قام بتشريح حبَّار في الصف الخامس الابتدائي السنة الماضية، بالوقوف وراء قريبيه الأكبر سناً ومشاهدة الذبح.
يؤمن الوالدان بتمهيد هذه التقاليد لأطفالهم ببطء، وبمراعاة أعمارهم. تروي العباسي أن ابنتها جود مدّت يدها عبر سياج الحظيرة لتربّت على ظهر ماعز "لاحقاً، إن شاء الله، ستصبح هذه الذكريات ثمينة بالنسبة لها. أريدها أن تتذكر أهمية يوم العيد، إنه ليس يوماً عادياً".
اختيارات لإقامة الشعائر
تشكّل الصدقة جزءاً أساسياً من إقامة شعائر العيد، لكن يقدمها كلٌ على طريقته.
في المزرعة، تأكل عائلة السنوسي والعباسي الكباب المشوي وشرائح البطيخ بينما يقطَّع عاملو شاه لحم خروفهم، وينوون إعطاء لحم خروفهم –الذي سيكدسونه لاحقاً لرحلة العودة في مبرّد مليء بالثلج- لأميَن عازبتين ولإقامة حفل عشاء في نهاية الأسبوع القادم.
كما ينفّذ الكثير من الناس شعائر عيدهم بطرق مختلفة، بحسب القادة الدينيين، ويزداد تعدد هذه الاختيارات أيضاً.
يقول رزوان جكا، المدير الإعلامي بمركز المجتمع الإسلامي بمدينة دولز عن ممارسة العائلات للاحتفال بالعيد "توجد العديد من الطرق بالفعل". يرسل البعض مالاً لجمعيات خيرية خارج البلاد للإشراف على ذبح حيوان وتوزيع لحمه إلى الفقراء. ويشتري البعض اللحم جاهزاً من جزَّار حلال، أو يعتمدون أحياناً على المسجد الذي يرتادونه لإعطاء صدقتهم لمن يحتاجها.
بينما اختار سيد سابور وزوجته من ويستشستر نيويورك استبعاد طقس الأضحية كاملاً من تقاليد احتفالهم بالعيد، ومع ذلك اعتادوا المشاركة في حفل سنوي ضخم يساهم فيه المدعوون بإحضار الطعام.
وبينما يعتبر العيد حدثاً عائلياً في باكستان، يتشارك الأصدقاء الاحتفال به في نيويورك – 120 ضيفاً على قائمة المدعوين هذا العام. يزيّن الأطفال المنزل ويساعدون في تحضير الطعام الباكستاني. يقول سابور: "يسعدني أن يصبح بيت الضيافة الخاص بنا أيضاً جزءاً من تقاليد الاحتفال بالنسبة لهم".
بحلول مساء يوم الاثنين، أول أيام العيد الثلاثة، استعد السنوسي والعباسي للعودة لمنزلهم. لكن بعد المرور على حفل شواء آخر يقيمه أحد أقربائهم في مدينة جينزفيل، فيرجينيا. "لقد تأخرتم!" قال لهم قريبٌ آخر وهم يتجهون إلى طاولات النزهة المرصوصة في الليل.
وأخيراً، إلى الطريق الدولي 66 ومنه إلى مدخل سيارات بيتهم. فقد كانت ليلة يتبعها مدرسة في الصباح، وحان وقت النوم.
أبيجال هاوسلوهنر مراسلة محلية تغطّي مواضيع متعلقة بالإسلام، والشؤون العربية، وأميركا. قبل مجيئها إلى واشنطن عام 2015، قضت 7 سنوات تغطي أحداث الحرب، والسياسة، والدين في الشرق الأوسط، وعملت بمنصب مدير مكتب صحيفة واشنطن بوست في القاهرة. وغطت أيضًا أحداثًا متصلة بالسياسة والحكومة في المنطقة.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.