قد تسير كلينتون على خطى حكّام ورؤساء وزراء سابقين لم يسمحوا للمرض بإعاقتهم عن أداء مناصبهم. كان جون ف. كينيدي مصاباً بداء أديسون، كان فرانسوا ميتيران مصاباً بالسرطان، وتعرّض ونستون تشرشل لاكتئاب، ونوبة قلبية، وسكتة دماغية.
كل البشر معرضون إلى الإصابة بالمرض، لكننا لا نمرض قبل شهرين من منافستنا لدونالد ترامب على لقب أهم شخص في العالم. تكشف لنا الأنباء حول إصابة هيلاري كلينتون بداء الرئة واقعًا يميّز السياسيين عن غيرهم: ليس المرض ظاهرة يجب التعامل معها طبياً فقط، لكنه حدث يجب أن تديره فرق كاملة من مسئولي العلاقات العامة تعمل على مدار الساعة حتى لا تبدو مرؤوستهم ضعيفة أو غير قادرة على تولي السلطة، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.
ترامب، البالغ من العمر 70 عاماً، شكك في مؤهلات خصمه الجسدية والنفسية لتولي الرئاسة. لكنها ردّت، بإنصاف أكثر، متهمة حدة طبعه المزاجي بكونها غير مناسبة للمنصب في المقابل.
ظهرت كلينتون في برنامج جيمي كيميل الكوميدي شهر أغسطس الماضي لنفي الشائعات حول حالتها الصحية، قالت "في شهر أكتوبر 2015، قالت مجلة ناشونال إنكوايرير إنني سأكون ميتة بغضون 6 أشهر، لهذا أعتبر كل لحظة أتنفس فيها عمراً جديداً".
لا تعد هذه صدمة كبيرة، نظراً للشكوك والمخاطرة الكبيرة المحيطة برأس مالهم السياسي، اتخذ شخصيات سياسية قبلاً إجراءات قصوى لضمان سرية أي أمراض قد يصابون بها، إليك بعض الأمثلة.
رونالد ريغان (1911 – 2004)
شُخص الرئيس الأميركي رونالد ريغان، الذي حكم لفترتين رئاسيتين من 1981 إلى 1989، بداء الزهايمر عام 1994. واكتشف باحثون من جامعة أريزونا الأميركية أن تغيرات بسيطة ترتبط ببداية أعراض الشيخوخة كانت ظاهرة في أنماط حديثه قبل تشخيص الأطباء له بسنوات. وكتب أستاذا التخاطب وعلم السمع فيسار بيريشا وجولي ليس "مع مرور الوقت أبدى الرئيس ريغان نقصاً شديدة في عدد الكلمات المميزة التي يستخدمها وزيادة استخدام كلمات لحشو الحديث ومفردات غير محددة".
جون ف. كينيدي (1917-1963)
عندما انتُخب جون ف. كينيدي رئيساً للولايات المتحدة عام 1960، بدا معافاً ونشيطاً. لكنه عانى في الواقع من عده مشاكل صحية قام بالتحكم بها من خلال جرعات من الستيرويد (المنشطات) وأدوية أخرى. كان من ضمن هذه المشاكل إصابته بداء أديسون أو متلازمة الغدد الصماء ذاتية المناعة من النوع الثاني.
وخلال الانتخابات الرئاسية لعام 1960، ادعى خصوم كينيدي إصابته بداء أديسون، لكن أصدر أطباؤه بياناً ذو صياغة بارعة أكدت أن كينيدي لم يصب بداء أديسون نتيجة الإصابة بالسل (وهو يؤدي للإصابة به بنسبة 20% فقط من حالات المرض). وتم التغاضي عن هذه الادعاءات نتيجة للبيان. والحقيقة أن جون ف. كينيدي كان مصاباً بمرض أديسون بالفعل، لكن كان سببه ذاتي المناعة. يؤدي المرض إلى ضمور الغدة الكظرية (المسؤولة عن إفراز الأدرينالين وهرمونات أخرى) مما يسبب أعراضاً مثل الإرهاق، الدوخة، الإجهاد العضلي، فقدان الوزن، صعوبة النهوض، الغثيان، التعرّق، وتغيرات بالمزاج والشخصية.
وتعرّض كينيدي للإعياء بسبب داء أديسون مرتين، إحداهما خلال زيارة تابعة للكونجرس إلى بريطانيا.
وكشفت سجلات جون ف. كينيدي الطبية، التي درسها طبيب القوات البحرية لي ر. ماندل بعد وفاة كينيدي، أن الرئيس كان يأخد 500 ميلليجرام فيتامين سي مرتين يومياً، 10 ميلليجرام هايدروكورتيزون يومياً، 2.5 ميلليجرام بريدنزون مرتين يومياً، 10 ميلليجرام ميثايلتستوستيرون يومياً (للتغلب على فقدان الوزن وضمور الغدد التناسلية بسبب الستيرويد)، 25 ميلليجرام ليوثايرونين (هرمون غده درقية اصطناعي) مرتين يومياً، 0.1 ميلليجرام فلودروكورتيزون يومياً، وهيدروكلوريد الديفينوكسيلات وكبريتات الأتروبين، حبّتان عند الحاجة.
فرانكلين د. روزفلت (1882 – 1945)
أصيب فرانكلين روزفلت بشلل الأطفال عام 1921، في سن الثامنة والثلاثين. مما أدى إلى شلل كلتى ساقيه شللاً كاملاً. وكان قد شغل في السنة السابقة منصب نائب المرشح الديمقراطي الأميركي للرئاسة جيمس م. كوكس. وقد بدا أن مرضه سيهدد مستقبله السياسي، لكنه لم يفعل. فقد انتُخب عام 1928 حاكماً لمدينة نيويورك ثم فاز في عام 1932 في مواجهة هربرت هوفر في الانتخابات الرئاسية، وشغل منصب الرئاسة حتى وفاته عام 1945 – ليصبح آخر رئيس يقضي أكثر من فترتين رئاسيتين –8 أعوام- بمنصبه.
وفي 1944، كشفت الفحوصات الطبية إصابة الرئيس –الذي كان مدخناً شرهاً- بارتفاع ضغط الدم، تصلب الشرايين، وقصور في الشريان التاجي تسبب في ذبحة صدرية وفشل في عضلة القلب، لكن تم إخفاء هذه المعلومات عن العامة.
خلال الحملة الانتخابية لعام 1944، أخبر طبيبه الخاص الأميرال روس ماكإنتير المراسلين ما كانوا يعلمون مسبقاً بعدم صحته "إن الرئيس في حالة صحية ممتازة، ولا يعاني من أية مشاكل عضوية". وادعى البعض أنه استخدم مكتب الرقابة لطمس تقارير عن صحته المتدهورة قبيل الانتخابات، والتي فاز فيها ليموت العام التالي، بعد إصابته بنزيف حاد في المخ.
فرانسوا ميتيران (1916 – 1996)
توفي الرئيس الفرنسي عام 1996 إثر إصابته بسرطان البروستاتا، بعد عام واحد من انتهاء رئاسته التي استمرت لفترتين من 1981 إلى 1995. وخلال هذه السنوات الطويلة في قصر الإليزيه، عمل هو وأطباؤه على إخفاء حقيقة حالته الصحية عن الشعب الفرنسي. يكشف ديفيد أوين في كتابه "في المرض وفي السلطة: أمراض رؤساء الحكومات خلال المئة عاماً الماضية" المدى الذي وصلوا له في محاولاتهم لإخفاء تلك الحقائق.
عندما احتاج ميتيران لتلقي علاج هرموني عبر محلول إستروجين ورديي، كان الطبيب الخاص للرئيس "يعلّق المحلول على مسمار صورة أو شمّاعة معاطف حتى لا يضطر لدق مسمار في جدار سفارة أو بيت تحت ضيافة حكومة دولة أخرى".
وقبل وفاته بقليل، أقام ميتيران حفل عشاء حميمي لتوديع أصدقائه. قُدِم فيه لكل من الحاضرين فرد أرطلان مشوي، وهو طائر يشبه العصفور ولا يتعدّى حجم ليمونة. جعل ضيوفه يضعون مناديل الطاولة على رؤوسهم، وينحني كل منهم على طبقه، مستنشقاً رائحته الطيبة، ثم يمسك الطائر من منقاره ويمص أحشاؤه -بما فيها عظامه- عبر فتحة الطائر الشرجية. ولأن اصطياد هذا الطائر المغرّد كان غير قانونياً في فرنسا، ظلت قصة هذا العشاء –مثل حقيقة سرطان ميتيران- سرية حتى مماته.
هارولد ويلسون (1916 – 1995)
أثناء الفترة الثانية لتولى رئيس الوزراء البريطاني لمنصبه من 1974 إلى 1976، عانى من أعراض شُخصت فيما بعد بأنه سرطان القولون. يُحتمل أيضاً أن يكون قد أصيب بداء ألزهايمر أثناء توليه للمنصب (مثل ريغان). حلل عالم الأعصاب الدكتور بيتر جارارد تغيّر أسلوب ويلسون في إلقاء خطاباته أمام البرلمان، مثلما فعل مع الروائية الأيرلندية آيرس مردوك، ووجد أدلة تشير إلى احتمال إصابته بداء ألزهايمر من دون علمه. قال جارارد "تتأثر اللغة بسهولة مع أولى مراحل داء ألزهايمر، ويؤكد ما اكتشفناه في المشروع السابق الخاص بآيرس مردوك أن تلك التغيرات اللغوية قد تظهر قبل أن يلاحظ المريض نفسه أو المقربون له أعراض المرض".
"وإذا كانت هذه التغيرات واضحة خلال عملية تستهلك جهداً وتخضع لتحكم نسبيّ مثل الكتابة الإبداعية، فإن التطلّب الإدراكي لإلقاء الحديث العفوي يجعلها أكثر عرضة للاكتشاف في الكلام المباشر". ناقش جارارد احتمال أن هذا الجهد الإدراكي قد كان السبب في تقاعد ويلسون عن منصبه.
ونستون تشرشل (1974 – 1965)
كشف طبيب تشرشل الشخصي تشارلز ويلسون، أن تشرشل كان يطلق اسم "الكلب الأسود" على "النوبات المطوّلة من الاكتئاب التي كانت تصيبه". وكان ادعاء إصابة زعيم بريطانيا في فترة الحرب باكتئاب اكلينيكي سبباً في جدل لا يزال مستمراً حتى الآن، ومع أن تشرشل اعترف في مذكراته بعنوان "الرسم كهواية" أنه كان عرضة "للقلق والإرهاق النفسي الذي يمر به من يحملون مسؤوليات استثنائية لفترات طويلة، ويكلفون مهاماً على نطاق واسع". وقال لورد موران أن تشرشل لجأ للويسكي والسيجار ليجد العزاء في مواجهة هذا القلق والإرهاق. وتعرض تشرشل لنوبة قلبية خلال زيارة للبيت الأبيض عام 1941 ثم أصيب بالتهاب رئوي بعد بضع سنوات.
وخلال فترة حكمه الثانية في منصب رئيس الوزراء من 1951 إلى 1955، يروي كاتب سيرة تشرشل روي جينكينز أنه كان "فاقد الأهلية لتولي المنصب بصورة مذهلة". وبينما كان يزداد شيخوخةً وتتدهور صحته، اعتاد القيام بمهام عمله من سريره. وقد تعرّض لسكتة دماغية وهو في عطلة عام 1949 وأخرى عام 1953 وهو في المنصب. ومع إصابة أحد جانبيه بالشلل وقلق الأطباء ألّا يبقى حياً حتى نهاية الأسبوع، عقد تشرشل اجتماعاً لمجلس الوزراء، وقيل إن أحداً لم يلاحظ مشاكله الصحية. وأُخفي خبر إصابته بسكتة دماغية عن البرلمان والشعب، وقيل لهم أنه يمر بحالة من الإرهاق لا أكثر. ترك تشرشل منصبه عام 1955. وبعد عام من تقاعده، أصيب بسكتة دماغية أخرى.
توني بلير (1953 -)
عندما كان توني بلير رئيساً للوزراء عام 2004، نُقل إلى مستشفى هامرسميث في غرب لندن بعد أن اشتكى من آلام بالصدر ونبضٍ غير منتظم. كتبت الجارديان آنذاك "قلل مكتب رئيس الوزراء فوراً من أهمية الحدث، لكن الصورة المتخيلة لرئيس الوزراء الشاب، واحتمال إصابته بمرض في القلب، أحدث أثراً كبيراً في صفوف الحكومة". شُخص توني بلير بتسارع القلب فوق البطيني، واحتاج لرعاية طبية في العام التالي لرفرفة في القلب.
وقال بلير فيما بعد "ليس هذا شيء يدعو للقلق ولكن يجب الاهتمام به، إنها عملية روتينية، استمرت هذه المشكلة خلال الأشهر القليلة الماضية ولم تمنعني عن ممارسة عملي وأشعر أنني بخير، لكن من الأفضل أن أفعل شيئاً تجاهها". آنذاك ركّز بلير اهتمامه على تأكيد كونه بخير وبصحه جيدة. وقال في المقابلات أنه يزن 83 كيلوجراماً في عمر الواحدة والخمسين، وهو أقل من وزنه منذ 10 سنين. ويرجع ذلك جزئياً لأسلوب حياته الصحي – فكان يلعب التنس بانتظام ويصر أن يجد مساعدوه وقتاً ليمارس التمارين الرياضية.
غوردون براون (1953 -)
استضاف برنامج آندرو مار الصباحي على قناة بي بي سي رئيس الوزراء غوردون براون عام 2009، وتحدث فيه بشكل مفصّل عن مشاكله مع بصره. فقد براون إحدى عينيه في حادث رغبي أثناء مراهقته كما أصيبت العين الأخرى بانفصال في الشبكية، تاركة إياه "بالخوف ذاته" من فقدان بصره بشكل كامل. وقال لآندرو مار "على الرغم من تعرضي لمشاكل متعلقة بعينيّ وقد كان أمراً صعباً على مدار السنوات الماضية، أعتقد أن الناس يدركون أن بإمكانك القيام بمهامك على أكمل وجه وأن تعمل بجِد. إن ظننت أن شخصاً ما لا يستطيع القيام بعمله بسبب مشكلة طبية كهذه، سيعد هذا اتهاماً خطيراً في حق نظامنا السياسي. أعتقد أنني فعلت ما بوسعي ليرى الناس أنني أستطيع العمل برغم الإعاقة التي أواجهها نتيجة لإصابة في مباراة رغبي".
كونستانتين تشيرنينكو (1911 – 1985)
كان السكرتير العام الخامس للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي يحتضر عندما تولى منصبه عام 1984. بدأ تشيرنينكو بالتدخين منذ سن التاسعة واستمر به عندما كبر، مما أدى لإصابته بانتفاخ رئوي وقصور في القلب. وقبل أن يشغل منصب سابقه يوري آندروبوف بسنة واحدة، كان تشيرنينكو خارج الصورة لمدة 3 أشهر بسبب التهاب الشعب الهوائية، التهاب الغشاء البلوري، والالتهاب الرئوي. ومع أن هذه الأمراض تشكل سبباً كافية لفقدان أهليته لتولى المنصب، استطاع أن يحكم –بشكل صوري على الأقل- الاتحاد السوفييتي لثلاثة عشر شهراً. والحقيقة أنه نادراً ما غادر مستشفى الاكلينيكي المركزي –مشدد الحراسة- في موسكو، بدايةً من أواخر عام 1984 وحتى دخوله في غيبوبة أدت لموته في مارس 1985. وعندما كان يغادرها كان يظهر في مقابلات تليفزيونة تصدم الشعب السوفييتي بسوء حالته. كان تشيرنينكو، بعمر 73 عاماً، ثالث حاكم سوفييتي يموت خلال فترة رونالد ريغان الرئاسية. وقد علقّ الرئيس الأميركي قائلاً "كيف يمكنني أن أصل إلى حلّ مع هؤلاء الروسيين إذا ظلوا يموتون هكذا؟".
فيدل كاسترو (1926 -)
خضع الزعيم الكوبي لجراحة لمعالجة نزيف في الأمعاء عام 2006. ولم يكن الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش، مسروراً بسماع أنباء تعافي كاسترو: "يوماً ما، سيخلصنا الرب الطيب من فيدل كاسترو". ورد كاسترو " الآن أفهم لماذا نجوت من مخططات بوش وخطط رؤساء أمروا باغتيالي: لقد حماني الرب الطيب".
وبدلاً من أن تقيله رصاصات القتلة المأجورين عن منصبه، تنحى فيدل كاسترو عنه عام 2008، كاتباً "سيكون تحمّل مسئوليات تتطلب حركة وتفانٍ تام خيانة لضميري، لأني لست في حالة تسمح بهذا". لكن لتحري الصدق، كان كاسترو يقترب من التسعين من عمره آنذاك، ودارت شكوك حول إصابته بالتهاب الرتوج، وهو مرض بالجهاز الهضمي حيث تلتهب جيوب في الأمعاء الغليظة، لكن لم تؤكد الحكومة في هافانا هذا الشك. يظن كاسترو على الأرجح أن الأميركيون لا يزالون يحاولون قتله. وفي مارس الماضي، عقب زيارة أوباما لكوبا، كتب كاسترو أن كلمات الرئيس الأميركي كانت معسولة لدرجة أقلقته من الإصابة بنوبة قلبية.
تيريسا ماي (1956 -)
في عام 2012، ذهبت تيريسا ماي -التي تشغل منصب رئيسة وزراء بريطانيا حالياً- عندما كانت لاتزال وزيرة داخلية، لزيارة طبيبها بشأن زكام حاد لأنها خافت أن يتطور إلى التهابٍ بالشعب الهوائية، كما حدث لزوجها. لكن فضلاً عن ذلك شُخصت إصابتها بداء السكري من النوع الأول، والذي تسيطر عليه الآن بتلقي 4 حقن من الأنسولين يومياً. وقالت في حوار صحفي "أتمنى أن تصل رسالة أن المرض لا يؤثر على ما تنوي أن تفعله في حياتك".
"الحقيقة أنه ما زال بإمكانك فعل كل ما تريد. مثلاً، أقوم أنا وزوجي بالمشي عبر جبال سويسرا عندما نكون في عطلة، ولا يمنعني داء السكري عن فعل ذلك، يمكنني القيام بذلك، كما يمكنني القيام بعملي".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية، للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.