سندريلا الزواج العربي

أيها الشباب العربي ابحثوا في زواجكم عن سندريلا الثقة والأخلاق، ابحثوا عن وفاء السيدة خديجة وعن ثقة السيدة هاجر وطهر العذراء.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/14 الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/14 الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش

عندما نزل جبريل (عليه السلام) الى محمد (صلى الله عليه وسلم) الصادق الأمين الأربعيني في غار حراء وقال له: "اقرأ" يا محمد، تملكه الخوف وعاد يرتجف الى زوجته السيدة خديجة فقال لها: "زمّليني، زمّليني"، فطمأنته بدفء كلماتها وقالت له: "أبشر يا ابن عم، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة".

لمَ لم يذهب (عليه الصلاة والسلام) الى أحد أصدقائه أو أعمامه؟ أي حب وثقة تلك التي قادت خطاه نحو أحضان خديجة طالباً دفء الروح وعون الحياة؟! وأي انسجام ذاك الذي تقاسما فيه الحياة بفرحها ووجعها فبشرته بالنبوة وبشرها بقلب يفيض حباً وإخلاصاً لها مدى الحياة؟!

أن يدق قلبك فتفتح نوافذه لتستقبل شريكاً آخر تشاركه الدقات وتأتمنه على حياة تختلف تضاريسها وتتضارب مصاعبها وتتقلب أزمنتها، أن تتخذ قراراً يشكل زاوية الانعطاف الأخطر في حياتك وتختار الأنثى التي هي مرآة روحك فتكشف لك من أنت هو التجربة الأصعب؛ لهذا يشكل الزواج ركناً حياتياً واجتماعياً وأيضاً شخصياً لا يمكن تجنبه بسهولة، فهو مطلبٌ لتأسيس الأسرة العربية القوية وبالتالي بناء المجتمع العربي بأجياله القوية القادرة على التأثير والتغيير أجيال المستقبل بصورته الأخلاقية والحضارية.

يقول إرنست همنغواي: "ليس هذا آوان التفكير فيما ليس معك، فكّر فيما يمكنك أن تفعله بما هو موجود لديك".

نعم الآن السؤال موجّه الى شبابنا العربي وبعيداً عن سحر التايتنك وأسطورة الحب لروميو وجولييت، وبعيداً أيضاً عن أوجاع قيس وتضحية عنترة، بعيداً عن جميع ألوان الحب الموجعة في تاريخها أو تلك الملونة على شاشات التلفزة بألوان الحب المزيف والزواج العبثي والمتعة الكاذبة لممثلين تتجرد حياتهم الشخصية من العلاقات العاطفية الصادقة أو من الزواج الناجح بل ويدمغون عقول شبابنا بلذيذ القبل والأحضان، فيستدرجونهم لزيف العشق الملوث بأكاذيب ومونتاج سينمائي لا يصلح حتى للتجارب والمشاهدة البشرية، فيبعدونهم عن الزواج ويقذفون في قلوبهم الرعب منه.

فترى الشباب النضر القوي قد عزف عن الزواج بحجة عدم ضرورته وهروباً من مشكلاته ومواجعه، ونسوا سنة الله في خلقه بأن اختارهم ليعمروا الأرض ويتكاثروا فتقوى عزيمة الأمم وتنتصر، وهم بذا قد حرموا ما أحله الله لهم ومتعهم فيه متاعاً جميلاً. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ما بني بناء في الإسلام أحب الى الله من التزويج".

فما متطلبات الزواج الاستثنائية للشباب؟ وما مواصفات السندريلا العربية التي يمكن في بعض الأحوال أن تجعلهم يقبلون آملين في حياة زوجية واقعية أفضل؟

الزواج تجربة خاضها البشر منذ خلق حواء من ضلع آدم ليسكن إليها وتسكن إليه ويتعاونا لأجل الهدف الذي خلق الله آدم والإنسان من أجله؛ استيقظ آدم فوجد بجانبه حواء أنثى تؤنس وحدته وتشاركه نعيم الجنة، فآدم لم يستلذ بطيبات الجنة ورياضها وحده دون بشر آخر من نفسه يقاسمه السعادة ويملأ عليه وحدته فكان آدم وكانت حواء سكنه ومودته ورحمته. وتكاثر البشر تزوجوا وأنجبوا وأقاموا حضارات وكتبوا التاريخ بأيدي أحفادهم فكان الأولون والقادمون.

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً﴾.

الزواج لغة يعني الاقتران والازدواج وهو اصطلاحاً علاقة تجمع الزوج (الرجل) بزوجته (المرأة) لبناء أسرة وإنجاب الأطفال من أجل الحفاظ على الجنس البشري. والمجتمعات العربية باختلاف أديانها وعقائدها أكثر المجتمعات التزاماً ووعياً لمفهوم الزواج وأهميته وقدسيته، ولكن الدوافع الشخصية للشباب قد أحبطت هذا الإيمان القطعي بوجوب الزواج وضرورته الى مخاوف من المسؤولية والإنجاب والالتزامات الأسرية.

فالشاب يريد أن يستمتع بالحد الأقصى من شبابه حراً طليقاً، معتقداً أن الزواج هو حبسه الأبدي، لكن الزواج ليس إلا مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق كل شاب وفتاة من أجل تحقيق عمارة الكون وتكاثر الأمم.

وإن أقدم الشباب على الزواج تراهم رسموا أحلاماً هوليوودية لشريكة العمر بجمال غربي وقوام سينمائي وأخلاق عربية ووظيفة إدارية وعائلة أرستقراطية وربما تاريخ من الأجداد الإقطاعيين ووجه لا تقربه التجاعيد ويدين تقدمان الطعام الفاخر دون أن ترهقهما مساحيق التنظيف وتفاصيل سرية ربما هم أدرى بها، وعلى هذا الحال وذاك يلغي مشروع الزواج لديهم لعدم تطابق المؤهلات أو يتزوجوا كارهين تلك التي ما علمت أنهم على هذا الحال.

الواقع دائماً له نكهته المختلفة عن الأحلام له تفاصيله وإمكانياته وظروفه، جميعنا نرغب بالكمال ونسعى نسبياً لتحقيق هذا المفهوم في جميع جوانب حياتنا، ولكن في الزواج لا كمال يذكر ولا حدث منذ الأزل أن سمعنا عن اثنين تكاملت لديهم المواصفات ليس لأن الموضوع قسمة ونصيب كما يقال، بل لأن الاختيار قائم على شعور ذاتي عقلاني أن هذه تناسبني وأريد أن أمضي بقية العمر معها. ببساطة الزواج تجربة لا تتطلب جرأة واستعدادات مفرطة هي فقط اثنان تقاربت بينهما الأفكار والاحتياجات فاندمجا واحداً يعين الآخر متقبلين كافة التغييرات التي ممن أن تظهر في حياتهم.

السنة تبدل فصولها والأشجار تبدل أوراقها قد نتغير ولكن الأصل ثابت فليس كل العمر ربيع حتماً لن تبقى شريكة العمر سندريلا جميع الأوقات ستكبر، ستحمل أطفالاً، سيتغير جسدها وستذوق رغماً عنها وجع التجاعيد مستهلكة كل ما تملك للخضوع لعلاجات أو جراحات أو استعمال مستحضرات تجميلية كي تبدو أصغر عمراً وبشرتها أنضر وقوامها أرشق، ستحاول أن تثير اهتمامك وتجذب إعجابك، لا تتركها يائسة في منتصف الطريق خوفاً من تدهور أحلامك، امسك يديها وأحبها كما فعلت أول يوم عندما قبلتها أن تكون حواءك.

ولأجل مخاوفك أيها الشاب لا تعزف عن الزواج وتذكر أنك أنت أيضاً ستتغير فلا أحد منا باقٍ على حاله. الزواج يحمينا من لعنة الوحدة سنكبر ذات يوم وتصغر الدنيا بأعيننا ونتمنى أننا لمثل هذا قد كسرنا مخاوفنا وقبلنا أن نتزوج فنحن بحاجة لنصفنا الآخر الذي يشبهنا.

لا تصدق أن السندريلا نفسها لم تكبر وتتغير وما عادت الحسناء التي بحث عنها أميرها متعباً في جميع أنحاء مملكته ليشاركها عرش قلبه ويلبسها تاج ملكه، ولكنه بقي مخلصاً لحبه الأول لها وكبرا معاً فهو لم يحب جسدها ووجها وورود وجنتيها هو أحب روحاً تسكنه ويسكنها، وأعتقد أن هذه القصة الجميلة كان يجب أن تبدأ عندما وجدها وتزوجا لا أن تنتهي عند الزواج فبعد الزواج الحب أشهى وأجمل.

أذكر أنني قرأت البارحة خبراً عن هندي حمل زوجته بعد أن ماتت بمرض رئوي ومشي بها على قدميه مسافة 12 كيلومترا ليدفنها في قريتها كما أوصت، ولضيق حاله مادياً قطع المسافة كلها ماشياً وهي بين يديه يضعها حيناً فيريحها ثم يحملها فيرتاح بها لأنها قدره ولأنه أحبها عاشت أو ماتت.

أيها الشباب العربي ابحثوا في زواجكم عن سندريلا الثقة والأخلاق، ابحثوا عن وفاء السيدة خديجة وعن ثقة السيدة هاجر وطهر العذراء. دفئوا عالمكم وأرواحكم بجميلات الروح والعطاء فتثمروا بجيل كريم يعطي فيبهج.. كونوا ربانيين باختياراتكم وكونوا متفائلين تَسعدوا، فكن جميلاً ترى الوجود جميلاً.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد