حتى فترة مضت كنت فتاة عادية جداً كأية فتاة أخرى، جميلة رغم زيادة الوزن (التي صعب عليَّ التخلص منها)، تعتز بنفسها، ناجحة لها طموحات تصل الثريا، وأحلام تبلغ النجوم، ويغلب عليها الأمل والفرح.. ولكن قبل ثلاث سنوات وتصادف ذلك مع بداية دخولي الجامعة، لاحظت حدوث تغييرات في جسدي أقضت مضجعي، وأحالتني لشخصية قلقة، يغلب عليها الحزن والكآبة.. وجعلتني أظن أنني مجرد ذكر يختبئ داخل جلد أنثى..
ولأوضح الصورة لكم أكثر سأبدأ قصتي من البداية:
بدأت أحيض وأنا في الثانية عشرة من عمري، طوال الست سنوات الماضية لم تكن الدورة الشهرية منتظمة لدي، بل كانت تأتيني كل شهرين إلى ثلاث مرة واحدة، وأحياناً تغيب عني أكثر من ذلك، اعتقدت أمي أن ذلك سببه قلة نضج جسدي، ولكن بعد سن الثامنة عشرة بدأت علامات أخرى بالظهور الأمر الذي حدا بي أن أراجع الأطباء..
فقد بدأت شعيرات خشنة وطويلة تنمو على أسفل ذقني وعددها يزداد تباعاً مع مرور الوقت، كتلك التي تنمو على ذقون الرجال، وبدأ الشعر فوق شفتي العليا يتحول إلى شارب أسود خشن، وأخذت بضع شعرات خشنة وسوداء أيضاً تظهر على صدري وأخرى على بطني.. أصبت بالرعب.. هل أنا في مرحلة التحول من أنثى إلى ذكر؟ لا كيف لذلك أن يحدث؟ أنا أنثى ولست ذكراً.. كلما نظرت لوجهي في المرآة بكيت وأشفقت على نفسي، خفت أن أزيل الشعر فأكون سبباً في زيادة خشونته وكثافته.
طبيب الغدد الصماء (وبعد فحوصات مخبرية كثيرة) أخبرني أنني أعاني من ارتفاع في هرمون التشعر الذي سبب ظهور الشعر لدي في أماكن غير معتادة، وأعطاني خطة علاجية ترتكز على إنزال الوزن وبعض العلاجات، ولكن الأمر بدأ يزداد سوءاً في نظري ورجحت فشله في علاجي خاصة عندما راعني تساقط كثيف لشعر رأسي، حتى أصبح خفيفاً للغاية، لدرجة تظهر معها فروة رأسي للعيان.. وأخذت أسئلة جديدة تلح عليَّ بقسوة وتنضم لقائمة الأسئلة الطويلة التي تحيرني وتقلقني دون أن أجد من يجيبني عليها: هل سأصبح صلعاء أيضاً؟ هذا ما كان ينقصني! أأكون ذكراً فعلاً؟
أثرت هذه المشكلة على حالتي النفسية وخفت أن يصيبني الجنون بسببها، وبدأت أفقد قدرتي على التركيز وتراجعت في دراستي الجامعية.. وما زاد من توتري أنني لم أجد طبيباً ممن راجعتهم يوضح لي ما يجري معي ويفسر لي الأسباب التي تختفي وراءه..
توجهت لطبيب مختص في الغدد الصماء هو صديق قديم لوالدي، يعيش في الأردن، شرحت له حالتي، وأطلعته على فحوصاتي.. وطلبت منه أن يوضح لي ما أنا فيه، ويجيبني بصراحة: هل أنا في طور التحول إلى ذكر؟
ضحك الطبيب كبير السن وبلطف متناهٍ قال: سأجيبك على جميع الأسئلة التي تدور في ذهنك وتقلقك، وسأوضح لك الأمر، ولكن بعد إجراء عدة فحوصات مخبرية إضافية، وفحص بالأشعة فوق الصوتية، لا بد من إجرائه لتتضح الصورة.
وبعد إجراء المطلوب، قال لي: ابنتي العزيزة، من قال لك إن جسد الأنثى بعيد تماماً في التركيب عن جسد الذكر فهو واهم، فداخل جسد الأنثى هناك نسبة من هرمون الذكورة التستوستيرون الذي تفرزه المبايض بنسب قليلة والذي لا بد من وجوده لبناء كتلة العضلات والعظام، وإيجاد رغبة جنسية لدى الأنثى، فإذا انخفض التستوستيرون لدى الأنثى ظهر ذلك بصورة فقدان في كتلة العضلات والإصابة بهشاشة العظام وفقدان الرغبة الجنسية وحدوث اضطرابات في النوم، وإذا ارتفعت نسبته عن الحد الطبيعي زاد حجم العضلات حتى تصبح كعضلات الذكور، وازدادت خشونة الصوت، وظهر الشعر في مناطق لم تعتد عليها الإناث.
وفي الوقت ذاته يوجد نسبة من الهرمونات الأنثوية الاستروجين تجري داخل عروق الذكر وذلك كي، فزيادة الهرمون الانثوي داخل جسد الرجل يؤدي إلى ازدياد الوزن وتضخم الأثداء وتراكم الدهون في مناطق غير معتادة عند الذكور مثل الورك والفخذين، ويقل توزيع الشعر على الجسد.
إذن يوجد داخل جسد الذكر أنثى كامنة، ويوجد داخل جسد الأنثى ذكر كامن.. وما يعطي كل منهما صفاته الجسدية هي الهرمونات التي تفرزها الغدد الصماء.
ما لديك تحديداً هو متلازمة تكيس المبايض، وهي عبارة عن خلل في جهاز الغدد الصماء، يصيب النساء في فترات الخصوبة والإنجاب، حيث يتضخم مبيضا المرأة فيحتويان على حويصلات تحوي تجمعات صغيرة من السوائل، هذه التكيسات غير خطيرة ولكنها تؤدي إلى عدم توازن في الهرمونات، يظهر لدى الأنثى المصابة بهذه المتلازمة على شكل نزول غير منتظم للحيض، وظهور كثيف للشعر في مناطق غير معتادة مثل الوجه والصدر والبطن، بالإضافة إلى السمنة التي بدورها تزيد من حدة ظهور الأعراض الأخرى، كما تؤدي هذه المتلازمة إلى العقم.
سألته: وما سبب إصابتي بهذه المتلازمة؟
أجاب: الأسباب المؤدية لحدوث متلازمة تكيس المبايض غير معروفة تحديداً، ولكن يُعتقد أن للوراثة علاقة فيها، وهناك من يعتقد من العلماء أن للملوثات الكيميائية والإشعاعية التي باتت تهدد حياتنا وتدخل أجسامنا مع الطعام وغيره علاقة بها.
وطبعاً التشخيص المبكر للمتلازمة، وعلاجها المترافق مع إنزال الوزن من الممكن أن يقلل من مخاطر المضاعفات بعيدة المدى مثل الإصابة بالسكري من النوع الثاني، وأمراض القلب.
– هل أنا معرضة للإصابة بالسكري؟ وما علاقة هذه المتلازمة بالسكري؟
– ترتبط الإصابة بهذه المتلازمة بمقاومة الإنسولين لدى المرأة. كما تعلمين، الإنسولين هو الهرمون اللازم لخلايا الجسم، والذي يمكنها من إدخال السكر إلى داخلها لتنتج منه الطاقة اللازمة لها للقيام بالعمليات الحيوية، وفي حالة مقاومة الإنسولين تقل استجابة الخلايا للكميات الطبيعية التي يفرزها الجسم لتستطيع الاستفادة من السكر الموجود في الدم، فتصبح الخلايا جائعة لا طاقة لديها بسبب حاجتها لمزيد من الإنسولين، في الوقت الذي يكون فيه الدم محملاً بكميات من السكر أعلى من الطبيعي، ما يضطر البنكرياس إلى إفراز كميات أكبر من الانسولين للتغلب على مقاومة الخلايا له، الأمر الذي يعرض المرأة لمرض السكري.
– هل متابعة المرض وعلاجه يؤدي إلى شفائي منه؟
– لا يرتكز علاج المتلازمة على الشفاء منها لأن هذا ليس ممكناً حتى الآن، ولكنه يرتكز على السيطرة على الأعراض، والتعامل مع المشكلة لمنع حدوث مضاعفات، ويختلف العلاج من امرأة لأخرى حسب الأعراض الموجودة.
– أتتأثر احتمالات الحمل عند المرأة المصابة بهذه المتلازمة؟
– نعم حيث ترتفع نسبة العقم لديهن، ولكن الطب المتطور الآن أوجد فرصاً كثيرة لتلك المرأة أن تحمل وتصبح أماً.
– ثم قال منهياً كلامه: سأكتب لك مجموعة من العلاجات الرجاء الالتزام بمواعيدها، ومراجعتي بعد شهرين، وأؤكد ضرورة إنقاص الوزن، وتناول الغذاء الصحي المتوازن الذي يركز على الخضروات والفواكه الطازجة، ويتجنب الأطعمة المصنعة، إلى جانب ممارسة تمارين الرياضة والمشي.
غادرت العيادة وأنا أعجب من كلام الطبيب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.