تجرد الروح الإنسانية

هل هؤلاء يفتقدون شيئاً ما في أعماقهم، يحاولون الوصول إليه بطريقة خاطئة، ما زاد الفجوة بينهم وبين حقيقة وجودهم وممارستهم لعباداتهم، فأصبحت هذه التصرفات جزءاً من عاداتهم وكأنها حقيقتهم؟!

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/07 الساعة 05:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/07 الساعة 05:20 بتوقيت غرينتش

طبيعة الإنسان باحث منذ الأزل عن نفسه وهويته، وباحث عن الوجود ومكوناته؛ لذا ظل ساعياً ومجتهداً يصيب ويخطئ في حياته.

هناك مَن يحاول الوصول إلى أعماقه والتصالح معها، من دون أن يلحق ضرراً بالآخرين، باحث ومجتهد يحاول أن يلامس القيم الإنسانية وأن يوازن بين العقل والقلب، إن أخطأ اعترف بذلك وحاول أن يصحح المسار من جديد، من دون أن يدخل دائرة اللوم والعتب أو جلد الذات، أو إسقاطه على الآخرين، وإن أصاب بما آتاه الله من معرفة وعلم وحكمة، تعلم المغزى منه، وعلَّم كل من حوله.

هكذا هو الإنسان، يعمل ويجتهد؛ لينير الله بصيرته بالحق والنور، لا يظلم لا يشتم لا يحقد، إنسان متسامح محب ومعطاء، هذا أنموذج من اجتهد ووسع مداركه وأفقه وتأمل بهذا الكون الواسع واتسع قلبه للكل، الشبيه له والمختلف عنه، لكن ما نشاهده الآن في مجتمعنا هو توهان الإنسان، وبحثه عن هويته المفقودة!

الكل باحث، لكن بطريقة خاطئة، متجاهلة العقل والمنطق، والركض خلف شعارات برَّاقة وتسلية لحظية وقتية، خالية من العمق والمعنى، تفقده قدرته ومواهبه، وتجعله يسير في دهاليز فارغة خالية من المعنى الحقيقي للحياة، الحياة ليست هزلاً وضحكاً واستهتاراً فقط! وصل الأمر إلى من حول العبادة والتقرب إلى الله إلى متاجرة ورياء، فتراه يقوم بتصوير خطوات عمرته كاملة ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي (سناب شات/ إنستغرام)؛ ليشاهدها الآخرون.

لم يكتفِ هؤلاء ببعض الصور للذكرى الطيبة، بل امتد التصوير إلى كل مناسك العمرة بالمسجد الحرام والصفا والمروة، تارة يصور الأجواء، وتارة يصور نفسه وهو يؤدي عمرته!

هذا يجعلنا نطرح العديد من الأسئلة: هل هذه العمرة مليئة بالخشوع؟ وهل وصل إلى مبتغاه من هذه العمرة؟ وهل تواصل روحياً ومعنوياً في هذه الأجواء الإيمانية؟ وهل تعتبر عمرته عمرةً فعلياً أم تصويراً لحدث فقط؟ كما يجعلنا نتأمل حال التصوير للأطعمة وقت الإفطار، والتنافس بما لذَّ وطاب من الأطباق، فتكاثرت الصور وأصبح الكل مشغولاً في الصورة، كيف يأخذها ومن أي زاوية، أفقدت لذة وروحانية لحظات الإفطار برمضان، وأصبح الاستعراض هو عنوان الإفطار. نعم، كل إنسان له خصوصيته وحريته، فلا أحد يستطيع أن يقتحم حدود أحد، لكن يظل سؤال داخل أنفسنا عن ماذا يبحث هذا الإنسان؟

هل هؤلاء يفتقدون شيئاً ما في أعماقهم، يحاولون الوصول إليه بطريقة خاطئة، ما زاد الفجوة بينهم وبين حقيقة وجودهم وممارستهم لعباداتهم، فأصبحت هذه التصرفات جزءاً من عاداتهم وكأنها حقيقتهم؟!

أضاعوا هويتهم وهي ذواتهم الحقيقية، وأضاعوا التعرف عليها وهي تقبع في داخلهم، فأصبح بحثهم خارج هذه الدائرة، ليدخلوا دائرة أخرى، دائرة الظهور والفراغ الروحي والوجداني والنفسي، ما يتسبب لهم في معاناة داخلية مع النفس، خالية من المعنى الحقيقي لحياتهم ولوجودهم، يعيشون على الهامش وتوافه الأمور، وهذه أحد الأسباب في انهيار القيمة الإنسانية للذات، ما يجعل هذا الإنسان هشاً ومستهلكاً وعبثياً، يجعله يخضع إلى التقليد الأعمى؛ بسبب غياب الفكر المستنير وغياب الهدف الحقيقي من كل تلك التصرفات، والفكر بطبيعته ينمو ويتطور، إنْ سقيناه جيداً بالعلم والمعرفة والتطلع والتأمل، وعرَّفنا قيمة كل عمل نقوم به في العبادات أو التصرفات الحياتية.

هوية الإنسان تتحقق في البحث المستمر والمعرفة الدائمة، في التعرف على الذات وجوهرها قوتها وضعفها، سلبياتها وإيجابياتها، أي من أكون أنا كإنسان، من دون اللجوء للظهور أو البحث عن الألقاب أو المسميات أو المال أو الشهرة، معرفة الذات هي التجرد التام من صور الأنا المزيفة في التباهي أو التفاخر أو البذخ أو الادعاء والرياء؛ لأنها صور غير حقيقية عن ذات الإنسان الطبيعية.

ذات الإنسان صافية كنبع صافٍ، معرفة الذات والهوية هي حقيقة الإنسان التي يبحث عنها في أعماقه أو فطرته، يحتاج إلى تأمل التصرفات والأفعال والأقوال، هل هي صحيحة؟ وما مدى أهميتها وتأثيرها؟ يحتاج إلى وقفة وتأمل بكل ما يقوم به.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد