في ظل الكم المتدفق من المعلومات والمقالات والإنتاج الأدبي والفكري في الغرب والشرق الأدنى، يكون ما ينتجه العالم العربي بالمقارنة مع الآخرين من الرواد في إثراء الفكر البشري في العلوم والآداب أقرب إلى مقارنة دكانة ثقافية بسيطة أو كشك ثقافي في أحد الأزقة بإحدى الضواحي في مدينة مغمورة من جهة باسم لسلسلة مجمعات تجارية ضخمة تجتذب كل سكان المدن العالمية حيثما وجد من جهة أخرى.
الواقع الحقيقي في الإنتاج الأدبي والفكري يتلمسه ويتحسسه معظم أهل الفكر والأدب والمتابعون للإنتاج فيهما، وأحد الأسئلة التي يطرحها المنشغلون بالإنتاج الفكري والأدبي العربي هو: ما هي الحلول المتوافرة للتغلب على الفجوة الحالية في كم ونوع الإنتاج بين العالم الأدبي والعالم الأول؟
سجلت في أكثر من جروب ومنتديات ومدونات ثقافية وعلمية تصاريح ومداخلات للكثير من الإخوة والأخوات على امتداد الوطن العربي، يعبرون فيها عن افتقار القلم والكتاب العربي لدقة المعلومة المنقولة أو يشتكون فيه من ركاكة الأسلوب أو ضعف المواضيع وضعف المحتوى حتى لو كان مترجماً!
وفي المقابل، سجلت للكثير من الشباب كبير المدح والإطراء للقلم والكتاب اللاتيني بالخصوص من كان منهم ثنائي اللغة أو متعدد اللغات.
تساءلت كثيراً عن الأساليب الجاذبة في الكتاب اللاتيني (الإنجليزي طباعة) التي يمكن إخضاعها للتشريح والنقد والتحليل لطرحها كحلول من عدة نماذج؛ للوقوف على التباين والبون الواسع في العرض والجاذبية، لقد أوجد الفرق الشاسع عدة أرضيات لأزمات هوية في المعرفة والتأليف والترجمة والتبادل المعرفي والثقافي.
وكان تساؤلي له خياران في المقارب؛ الخيار الأول: الإعراض عن تفعيل التعريب والانغلاق على تعلم لغة عالمية واحدة لمواكبة العصرنة والحداثة والعولمة.
الخيار الثاني: المبادرة والانطلاق في استلهام روح المعرفة من منابعها وتشجيع الترجمة الأهلية التطوعية لمواكبة الجديد علمياً وأدبياً، وفي شتى التخصصات بنقل كل جديد نافع مع توطين المعرفة بلسان اللغة الأم، اللغة العربية.
من الوارد أن أكثر من ٦٠ في المائة أو أكثر من مثقفي ومتثاقفي الوطن العربي سيتبنون الخيار الثاني، كما أزعم أنا، وذلك لأسباب قومية أو دينية أو سيادية أو نفسية أو لتأصيل هوية. السؤال ماذا عن النسبة المتبقية من المثقفين؟!
هل يصح أن نترك ٤٠ في المائة أو أقل يهاجرون لسانهم العربي للغة الأم ويتبنون لغوياً لساناً آخر في المجال المهني والعلمي والثقافي والأدبي؟
وهل ينتهي الوضع بانقطاع شبه تام عن اللغة الأم للأجيال اللاحقة؟!
وإن كان هؤلاء الـ٤٠٪ أو أقل، حدساً، قد يكونون عقولاً مفكرة ومبتكرة، فهذا يعني إهداراً للثروة العقلية بسبب الفجوة العلمية أو الفجوة المعرفية، لا سيما في كمية الإنتاج المعرفي؟!
ماذا نفعل نحن إذاً؟!
ماذا لدى المثقفين أصحاب الخيار الثاني من أمور يمكنهم أن يعرضوها على أصحاب الخيار الأول ليثنوهم عن التغريب الفكري أو اللغوي؟!
قد يشعر أصحاب القرار الأول أن ما لديهم هو بسطة أو دكان ثقافي صغير يبسطون به بأحد الأزقة ليسترزقوا من خلاله، ولو بالقدر الذي يؤدي إلى سد حد الكفاف، ويظل هذا الكفاف الفكري والأدبي المنتج محلياً أفضل من الشحاتة من دور ومكتبات الإصدار العلمي أو الأدبي المستورد؛ لأنه يظل هناك بعض من الناس ممن يهتمون بغذائهم الفكري ذي الانتماء المحلي أكثر من المهتمين بغذاء فكري معلب ومستورد.
والخيار هنا للمثقفين والمتثاقفين والأدباء والساعين لنشر الأدب بأن يصنفوا أي الخيارات يتبنون لكي يكونوا، وينطلقون نحو تفعيله بكل جد واجتهاد ومثابرة!!
شخصياً، وهذا رأي تحليلي شخصي، فإن جزءاً من العبء لا ينهض به إلا أهله، أي أن كل المثقفين والمتثاقفين والأدباء والمدعين للأدب والكتاب والساعين لاكتساب المعرفة يجب عليهم اختيار طريق واحد من الطريقين ولو على مراحل.
وفي كل الأحوال وأي الخيارات تتبناه الأجيال الصاعدة، فالمسؤولية الأخلاقية والأدبية والعلمية تدعو كل أطياف المجتمع والفكر لتكثيف الجهود ولإنعاش حياة المبادرة وإطلاق مشاريع ثقافية، واستضافات وندوات علمية في شتى المعارف، لخلق بصمة تثبت الوجود لهذا أو ذاك المجتمع، بما ينتجه من حراك وكتب وندوات ومسرحيات وفعاليات وورش عمل وخطط إنماء أدبي وعلمي وتثقيفي، بصمة الوجود هي بصمة الهوية، وبصمة الهوية تتجسد من خلال بصمة الإنتاج، وإلا أصبح حالنا الثقافي في يوم ما أقرب للسان لاتيني بثوب عربي وتفكير غربي!
لقد سجلنا كما سجل غيرنا وجود أكشاك تعرض تطوعاً ساندويتشات ومرطبات وفطائر ثقافية تحت عنوان بلوغر blogger أو صفحات شخصية في الفيس بوك أو تغريدات في تويتر لأشخاص محدودين، بذلوا جهدهم مشكورين.
ولم ترتقِ كل هذه الأكشاك الثقافية لمستوى التحديات في نقل الإنتاج العلمي والأدبي والحضاري للأمم، ومن ثم مضغها ثم البناء عليها لإطلاق منتج جديد يسهم في البناء الحضاري للوجود البشري.
ونكون كالآخرين من الأمم منتجين وفاعلين.
من محاسن التخطيط والرؤى الجديدة تعيين وزارات مستحدثة كوزارة السعادة أو الثقافة في بعض الدول، ومنها مملكتنا الحبيبة، ولنا أمل كبير في أن تنطلق وتُفعل الأنشطة الثقافية بكل أطيافها وألوانها بما فيها المسرح والإلقاء والتأليف والسينما وندوات الفكر أو أي من المقترحات التي من المزمع أو المخطط إطلاقها لتخدم روح الارتقاء مزاوجة مع التحضر ومعالجة لمقاربات المجتمع، لدينا أمل كبير بالوزارات المعنية الجديدة كلاعب دور وراعٍ أساسي في احتضان مبادرات تصوغ الالتحاق بالركب الحضاري، ورسم خريطة الطريق، وحين تُطلق شعلة التثقيف على كامل المستويات، سيلمس الجميع التغيير للأفضل على مستوى السلوك والوعي والإنتاج والخدمة.
ويتم نقل سياحة السينما من الخارج إلى الداخل، وهكذا أيضا يتم نقل طباعة المؤلفات إلى الدخل، وهكذا أمور أخرى.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.