نقرأ ونشاهد ونسمع كل يوم كماً كبيراً من المعلومات والتقارير والأخبار.. قد نتلقاها بالقبول دون أن نقوم بتمحيصها والاستيثاق من صحتها وصحة الاستنتاجات المبنية عليها.
والواقع أن كثيراً من الإعلاميين الذين يفتقرون للنزاهة والمصداقية، أو يتسمون بقلة الوعي وضعف القدرة على الاستنتاج، يمارسون بقصد أو بدون قصد الكثير من الخداع والتلبيس، مع توظيف الصوت والصورة والوسائط المختلفة لتثبيت الكذب وتحسينه وتزويقه.
وحتى لا تكون التدوينة مجرد موعظة إنشائية عن التضليل، فإنني أسوق هنا للقارئ الكريم مثالاً عملياً لكيفية الممارسة العملية للخداع والتضليل، كما أذيّل التدوينة بواجب فردي يمكن للقارئ أن يختبر فيه قدرته على اكتشاف التضليل بنفسه.
النموذج:
في الوقت الذي يحرص فيه المستهلك على شراء مستلزمات نظافة الجسم من خلال نقاط البيع والصيدليات المنتشرة في أنحاء المملكة، دون أن يبذل الكثير من الجهد في معرفة مكونات تلك المستحضرات، وثقة في الجهات الرسمية المسؤولة عن فحص المنتجات والتأكد من سلامتها، فإن المستهلك لا يدري أن بعض تلك المستحضرات تحمل في طياتها الضرر الكبير.
وقد قامت كاميرا قناتنا بجولة في إحدى الصيدليات العاملة؛ لتكتشف أمراً خطيراً على الصحة، في غفلة من المستهلك وهيئة الغذاء، وغياب تام لوزارة التجارة، ووزارة الصحة؛ حيث يكشف التقرير الذي أعده فريق العمل عن وجود شامبو "س" على طاولات العرض في عدد من الصيدليات، وبأحجام ونكهات مختلفة، ليستخدمه الصغير والكبير، وبخاصة مع العلبة الجميلة التي يبدو بها، وفي الوقت الذي تتحدث فيه الأبحاث الطبية الموثقة والصادرة من مركز.. الطبي الدولي عن خطورة المادة "س" على فروة الرأس، وتأثيره على الشعر ومساهمتها في تساقطه، فإن عين الرقيب لم تنتبه (أو تعمدت) إلى احتواء الشامبو الفلاني على مادة "س" بشكل واضح وصريح.
ففي قائمة المكونات للشامبو وكما في الصورة الظاهرة أمامكم يتضح أن الشركة المصنعة للشامبو قد قامت وبشكل متعمد بتضمين تلك المادة في كل أنواع الشامبو التي تنتجها.
ولهذا لا عجب أن تتكاثر لدينا مشاكل الشعر من جراء هذا التهاون الكبير في صحة المواطن، وقدرة هذه الشركة على تخطي كل الجهات المسؤولة لتصل إلى يد المستهلك دون حسيب أو رقيب.
وكان الله في عون المواطن الذي وقع بين هذه الشركات التي لا تفكر إلا في مصلحتها، وبين مسؤول لا يراقب الله ولا يخشى الناس في القيام بالمهمات المسندة إليه.
انتهى التقرير المضلل التجريبي.
لاحظ أن التقرير بعد حذف كل الحشو والاستعراض والمواعظ التي تضمنها التقرير، يحتوي على معلومتين اثنتين هما:
المعلومة رقم 1:
الشامبو الفلاني يحتوي على مادة "س" كأحد مكوناته، وفقاً للملصق الموجود على الشامبو.
المعلومة رقم 2:
تعريض شعر الرأس لمادة "س" بشكل يومي يسبب التهابات لفروة الرأس وتساقط الشعر.
النتيجة المضللة:
الشامبو المذكور يسبب تساقط الشعر والتهاب فروة الرأس،
المسؤول مفرط في القيام بدوره.
لماذا النتيجة مكذوبة ومضللة؟
سؤال يتبادر للذهن مع أن ظاهر الأمر صحة النتيجة، انطلاقاً من المعلومتين الأولى والثانية.
والجواب:
لأن المضلل ذكر معلومات وأخفى أخرى.
فالكمية الموجودة في الشامبو التي أشارت المعلومة رقم 1 لوجودها، وسكتت عن مقدارها تبلغ 0.003 جم، وجميع الشامبوهات المباعة في السوق تستخدم هذه المادة بنسب متفاوتة ضمن المسموح به صحياً.
كما أن المعلومة الثانية (الطبية) منقوصة؛ إذ إنها تجاهلت بقية المعلومة التي تقول إن استخدام أقل من 2 جم من المادة "س" ليس له أي تأثير سلبي على الشعر أو الجلد.
ولهذا يمكن القول بأن الشامبو المذكور لا يشكل أي خطر على الصحة، بل هو أقل من كافة ماركات الشامبو من ناحية كمية المادة "س".
لهذا:
الشامبو آمن، والجهات الإشرافية قامت بدورها، والمواطن غير متضرر.
يمكنك العودة للتقرير لمراجعة كيف تم التضليل.
لذا. أسوق هذه النصيحة:
قبل أن تصدق المعلومة المبنية على استنتاجات، استوثق من المدخلات واكتمالها وصحتها وارتباطها.
تمرين:
شاهد تقرير العربية عن حاويات جمع الملابس، وركز على ما سمته القناة "تحقيقاً ميدانياً" في أول الحلقة، واكتشف أين يكمن التضليل؟
ستجد الثغرات كثيرة.. اكتشفها بنفسك.
تجربة موفقة..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.