قتل قادة الإرهاب ورؤوسه ينبغي أن يتسبب بإضعاف تنظيماتهم والإطاحة بمراكز القيادة والتوجيه الاستراتيجي لديهم فضلاً عن القضاء على العنصر الأيديولوجي الفكري الذي يجذب المجندين ليتحلقوا من حوله.
فموت شخص مثل أبومحمد العدناني أحد كبار قادة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي وردت تقارير بمقتله الثلاثاء 30 أغسطس/آب 2016 في سوريا، ينبغي أن يتسبب مقتله هذا بضربة موجعة للتنظيم.
تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أمس الثلاثاء، ذكر أن الخبراء يبحثون دون جدوى عن دليل يثبت أن مقتل قادة التنظيم حقاً طريقة مجدية فعالة في تفكيك التنظيمات الإرهابية وقطع دابرها، بل العكس هو ما يحدث بالفعل، فقد وجد الخبراء أدلة وافرة تثبت أن لا فرق يُذكر.
الدعم الشعبي
أبحاث الخبراء انطبقت على تنظيم داعش على وجه الخصوص، فمواصفات هذا التنظيم تجعله يثبت دون أن ينثني أو يتزعزع لخسارته أحد كبار قادته مثل العدناني.
هنالك عنصران يجعلان أي تنظيم إرهابي أقدر على تحمل خسارة أحد كبار قادته، وذلك في نظر الباحثة جينا جوردان الأستاذة في جامعة جورجيا تيك والخبيرة في هذا المجال.
الأمر الأول هو الدعم الشعبي. فالتنظيمات الإرهابية بحاجة إلى توافد مستمر للمجندين إلى صفوفها ولتوفر العديد من الأعضاء الواعدين كي يصبحوا قادة للتنظيم مستقبلاً.
كما أن الدعم والتأييد المدني في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم تكسبه مزيداً من الاستقرار لأن ذلك يوسع من شبكة الدعم ويوفر المأمن والمهرب إن دعت الحاجة.
عادة ما يلقى القادة حتفهم وسط مناطق يحظون بدعمها، بالتالي إن مقتل القائد سيتسبب بزيادة تعاطف وتكاتف وتحلق الدعم حول التنظيم الإرهابي ضد الذين قتلوا القائد.
قد يصعب تصور أسباب دعم أي مدنيين لتنظيم داعش، لكن استمرار سيطرة التنظيم على مناطق في سوريا والعراق واستمرار توافد المجندين الأجانب عليه من الخارج أمران لهما وزنهما.
تقول الأستاذة جوردان إن المجموعات الدينية أقدر على امتصاص أضرار الهجمات وخسائرها لأن العنصر الجذاب فيها هو الهوية المشتركة التي لا تقف عند شخصية قائد واحد.
البيروقراطية
أما الأمر الثاني فليس عادة مرتبطاً بتنظيمات كداعش، إنه البيروقراطية. فكلما غدا تنظيم إرهابي يشبه شركة منظمة ذات جداول وقوائم وإدراجات وطواقم إدارية وسلالم رواتب وموظفين رسميين مثلما في شركة، كلما عاد ذلك عليه بالاستقرار وبالقدرة على التعامل مع مقتل قائد ما.
فمثلما في أي بيروقراطية أخرى، يوجد داخل هذه المجموعات تسلسل هرمي للسلطة وقوانين داخلية وأقسام لنطاقات المسؤولية. إن الوضوح في أقسام العمل معناه أن من السهولة استبدال قائد ما بنائب ينوب عنه. كما أن ذلك يعود على المنظمة بالاستقرار لأنه إن سقط ترسٌ ما من بين قطع الآلة، سوف تستمر الآلة في الدوران وأداء وظائفها.
ففي مجموعة بحجم وتعقيد تنظيم داعش، فإن ضخامة البنية التحتية هي أكبر من أن يتوقف مستقبل التنظيم كله على فرد واحد فقط حتى لو كان قائداً أعلى.
ولهذا السبب كثيراً ما توصل خبراء الإرهاب للنتيجة القائلة إن مقتل أو أسر القادة الإرهابيين – وهي استراتيجية تسمى كناية "قطع رؤوس الإرهاب" – هي استراتيجية لا تنفع.
وأشار تقرير الصحيفة الأميركية إلى أنه في دراسة كتبها الأستاذ في جامعة شيكاغو روبرت بيب عام 2003 (وهي دراسة ذائعة الصيت كثيراً ما يقتبس الخبراء عنها ويرجعون إليها) قال إن إسرائيل وحكومات أخرى أمضت "أكثر من 20 عاماً" في التركيز على قتل أو أسر من وصفهم بـ"القادة الإرهابيين" دون تحقيق نجاح باهر (في إشارة إلى اغتيال إسرائيل لقادة فصائل المقاومة الفلسطينية).
وجاء في دراسة بيب "رغم أن قطع ما وصفه بـ"رؤوس الإرهاب" في التنظيمات الانتحارية قد يحدث بلبلة مؤقتة في عملياتهم إلا أن ذلك نادراً ما يعود بمكاسب على المدى الطويل".
بل إن ذلك قد يحدث أثراً عكسياً في بعض الحالات، فالحكومات التي تشرع في أعمال الاستهداف بالقتل تدخل مخاطرة متمثلة في إعادة كافة المفاوضات السياسية الجارية إلى خانة الصفر وخط البداية.
ففي أحد أبحاثه كتب دانييل بايمان الخبير من معهد بروكينغز المتخصص في إسرائيل و"مكافحتها الإرهاب" أن سياسة قطع الرؤوس قد تكون تسببت في انعدام مركزية المجموعات الفلسطينية ما يجعل خطر تهديدها أكبر.
مع ذلك فإن الأبحاث في هذا المجال ضبابية ينقصها الوضوح والحسم، فكما جاء في ورقة أحد الأبحاث أن الاستنتاجات المحددة تستلزم إنشاء مجموعة إرهابية تجريبية، والذي هو أمر "لا مرغوب ولا ممكن".
لا تكفي وحدها
مع ذلك يقف كاتب تلك الورقة البحثية باتريك جونستون الباحث في مؤسسة راند RAND مؤيداً لهجمات قطع رؤوس الإرهاب، حيث يرى أن تكرار ضرب مجموعة إرهابية قد يزيد في بعض الحالات من فرص هزيمة المجموعة، لكنه وجد أن الضربات وحدها لا تكفي.
تشترك جملة هذه الأبحاث في أنها تقرّ بأن التنظيمات الإرهابية هي في بعض جوانبها الهامة على الأقل ظاهرةٌ سياسية، حيث لا يمكن إلحاق الهزيمة بها من دون النظر إلى جذورها السياسية، بما في ذلك وجود أي دعم شعبي محلي تتمتع به.
فأبومصعب الزرقاوي قائد فرع القاعدة في العراق قتل عام 2006 عندما تحول كل سنة العراق ضد التنظيم. مقتله جاء نتيجة لتراجع مجموعته، لا سبباً في تراجعها. كذلك كان مقتل أسامة بن لادن عام 2011 بعد حرب دامت عقداً كاملاً من الزمان شنت فيها حروب لاقتلاع جذور القاعد من أفغانستان وبذلت جهود مماثلة في باكستان.
السبب الخفي لاستخدام هذه الاستراتيجية
إن كان قتل قادة الإرهاب لا يجدي كثيراً في إلحاق الهزيمة بالتنظيمات الإرهابية، إذاً لماذا تكرر دول كالولايات المتحدة استخدام هذه الاستراتيجية؟ فلننظر إلى المناطق التي طبقت فيها هذه الاستراتيجية: في سوريا والصومال ومناطق باكستان القبلية وفي اليمن.
جميعها مناطق تظن الولايات المتحدة أن خياراتها فيها محدودة وضئيلة جداً إن لم نقل منعدمة أصلاً. فاستهداف رؤوس وقادة الإرهاب قد لا يشكل فرقاً كبيراً، إلا أنه رخيص التكلفة وينطوي على مخاطرة قليلة من جانب الولايات المتحدة (لكن ليس على المدنيين القاطنين في المناطق الواقعة قرب أماكن القصف)، كما أن تلك الاستراتيجية تخول السياسيين الأميركيين القولَ إنهم يؤدون عملاً ما، لكن الأدلة شحيحة في إثبات أن القضاء على قادة الإرهاب وقتلهم قد يحرز فرقاً على أرض المعركة مهما كانت درجة أهميتهم السياسية في تصنيف الولايات المتحدة.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط
>هنا.