مقدمة
في صباح يوم 29 أغسطس/آب 2016 ستحل الذكرى الخمسون لإعدام الكاتب والشاعر والروائي المصري سيد قطب (1906-1966)، وأريد هنا أن أواكب الحدث بنشر عمل أرشيفي -أرجو ألا يطول- عن "أفكار سيد قطب" منذ بداياته الأدبية وحتى قبيل انتمائه التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، وهو عمل كنت قد جمعت مواده من دار الكتب المصرية والمكتبات العامة والخاصة بين عامَي 1994 و1996، بغرض أن يكون تفسيره الشهير موضوعاً لرسالة دكتوراه حول "تاريخ التفسير الأدبي للقرآن الكريم".
آنذاك شغفت بجمع كل ما يتصل به، خاصة مقالاته وأعماله شبه المجهولة حتى ما قبل "مرحلة التفسير الأدبي" التي بدأت في عام 1939، ولكن الأمور سارت في اتجاه آخر لا مجال لتفصيله هنا، المهم بقي لدي أرشيف ضخم يشمل أعمال سيد قطب في المراحل السابقة لتحوله الإخواني، وأغلب هذه الأعمال موزع بين الدوريات ولم يجمع في كتب، بل إن الحظ ساعدني بأن اطلعت على بعض أعماله المبكرة التي تم إفناؤها قصداً في مرحلة الستينات، على سبيل المثال الأعداد الكاملة لمجلتي "العالم العربي" و"الفكر الجديد" التي أصدرهما بالترتيب نفسه في عامَي 1947 و1948.
وبالطبع دون جمع هذه الأعمال وإصدارها ستظل صورة سيد قطب ناقصة ومشوهة، وظني أن البعض يريد هذا، المهم لشدة خوفي على هذا الأرشيف كنت أحمله معي في سفرياتي منتظراً الفرصة لنشره في كتاب أو كتب كما فعلت مع "الأعمال الكاملة للمازني" التي ينشرها المجلس الأعلى للثقافة في مصر، ولكني للأسف لم أوفق في هذا.
والآن في غربتي الغربية كما يقال وبعيداً عن تأثيرات مَن يغالي في تبجيل سيد قطب ومن يحط من قدره سنحت الفرصة مرة أخرى للعودة إلى هذا الأرشيف، وعندما عُرض عليّ الكتابة على موقع هافنغتون بوست (النسخة العربية)، قررت بعد تفكير أن أبدأ كتابتي هنا بنشر ملخص وافٍ على حلقات لكل ما لدي من أعمال سيد قطب المبكرة، متمنياً أن يكون ذلك الرصد الأرشيفي لخط تطوره الفكري خير طريقة للاحتفال بذكراه، وأن يكون من ناحية أخرى مفيداً، خاصة لمن يريد التعرف بصدق على نتاجه قبل التحاقه بالإخوان المسلمين.
إرهاصات أولية
وُلد سيد قطب إبراهيم في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول سنة 1906م في قرية "موشا" من أعمال مديرية أسيوط لأسرة ميسورة سرعان ما أصابها العوز. وكان والده على حظ من المعرفة وله نشاط سياسي؛ لأنه كان عضواً في لجنة الحزب الوطني (القديم) في القرية، وكان قارئاً لصحيفة الحزب اليومية "اللواء".
وكان لوالدة سيد قطب دور في تعليمه، فبعد أن نفر من الكتّاب وملّ منه بعثت به إلى المدرسة الأولية بالقرية عام 1912، وبعد عام إلى المدرسة الابتدائية التي أكمل إبانها حفظه للقرآن الكريم وهو في العاشرة، وبعد أن انتهى من الابتدائية عام 1918 كانت والدته تعده للسفر إلى القاهرة ليواصل تعليمه ويصبح أفندياً مثل خاله أحمد عثمان حسين (أحمد الموشي)، ولكن الاضطرابات التي عمت مصر إثر الحرب العالمية الأولى ثم ثورة 1919 أخَّرت سفره إلى القاهرة لمدة عامين، فلما استقرت الأوضاع غادر إلى القاهرة عام 1920، أي أنه كان في الخامسة عشرة من عمره عندما وصل إلى القاهرة لأول مرة فأقام عند خاله بحلمية الزيتون بالقاهر.
وكان هذا الخال من خريجي الأزهر ويعمل بالتدريس، كما كان وفدياً وعلى معرفة بعباس محمود العقاد؛ لذا تعرف سيد قطب على العقاد في فترة مبكرة من حياته، وبالطبع أعجب به وصار من تلاميذه، وتبع ذلك انضمام سيد قطب لحزب الوفد أيضاً، وقد أحب سعد زغلول لدرجة تقترب من التقديس، كما يتجلى في قصائد الرثاء التي كان يدبجها فيه عاماً بعد عام.
وفي عام 1922 التحق سيد قطب بمدرسة عبدالعزيز الأولية للمعلمين، وكان لا يلتحق بها إلا من تجاوز الخامسة عشرة من عمره، وانتظم في هذه المدرسة لمدة ثلاث سنوات نشر خلالها، بمساعدة خاله، في صحيفة "الحياة الجديدة" بعض قصائده التي اعترف قطب فيما بأنها "ساذجة لم تسلم من الخطأ اللغوي" (سيد قطب: المرأة لغز بسيط، مجلة الأسبوع 3/10/1934، ع 45، ص9).
وفي عام 1924 أحرز سيد قطب شهادة الكفاءة للتعليم الأولي ثم التحق بتجهيزية دار العلوم في سنة 1925، وهي مدرسة (مؤقتة) تشبه الثانوية الأزهرية وتعد طلابها للالتحاق بدار العلوم، وفيما بعد اعترض الأزهر عليها لأسباب عديدة فصدر قرار بإلغائها؛ فألغيت بالتدريج حتى عام 1934.
وقد بقي سيد قطب في هذه القسم التجهيزي لمدة عامين كتب خلالهما عدداً من المقالات والقصائد التي نشرت في صحف ودوريات حزب الوفد (البلاغ اليومي والأسبوعي وكوكب الشرق والوادي والمصور) وهي قصائد تجد أغلبها في ديوانه الأول "الشاطئ المجهول" (1933).
وفي أواخر سنة 1928 بدأ سيد قطب العمل مع الأستاذ عبدالقادر حمزة في صحيفة "البلاغ الأسبوعي"، ومع بداية عام 1929 بدأ في نشر قصائده ومقالاته، وقد تميزت قصائده بالرومانسية التي تضج بالتشاؤم والشكوى من الوحدة والحرمان والتأسف على مرور الزمن وتقلباته، أما مقالاته فكانت تتسم منذ البداية بالحدة والقسوة، على سبيل المثال في شهر أبريل/نيسان نشر مقالتيه: "الأزمة الروحية" (عدد 108)، و"عودة إلى آثار الاختلاط" (ع 110).
وفي الشهر التالي نشر ثلاث مقالات مشابهة هي: "الاختلاط في الأرياف" (ع 112)، و"هل أثرت أسرة الطرب أم افتقرت" (ع 132)، و"حادثة فيها عبرة" (ع 136).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.