“لا يزال الأسد يستخدم الكيماوي”.. إدارة أوباما تسرّب تقارير للأمم المتحدة تدين النظام السوري وتحرج بوتين

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/26 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/26 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش

تدفع إدارة أوباما بتقارير صادرة عن الأمم المتحدة تفيد بأن الأسد لم يتخلّ عن استخدام، بل ولايزال في حالات معينة يستخدم، الغاز السام. وتقوم الاستراتيجية على الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويواصل النظام السوري تطوير الأسلحة الكيماوية التي من المفترض أنه قام بتدميرها، ويستخدم غاز الكلورين التي وافق من قبل على عدم استخدامه في أراضي المعركة. وجاءت هذه المعلومات نسبة لتقارير صادرة عن وكالات الأمم المتحدة قام مسؤولون بإدارة أوباما بتسريبها في الأيام الأخيرة وأُكدت بعض منها عبر تصريحاتٍ رسمية من مسؤولين أميركيين يومي الأربعاء والخميس، وفقاً لما أعلنه مسؤول بالاستخبارات الأميركية لصحيفة The Daily Beast.

"من المستحيل الآن إنكار أن النظام السوري استخدم مراراً وتكراراً غاز الكلورين الصناعي كسلاح في مواجهة شعبه"، وفقاً لتصريح جاء على لسان نيد برايس، المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأميركي. (كان الكلورين الغاز الأول المستخدم في خنادق الحرب العالمية الأولى. عندما يختلط بالرطوبة الموجودة في الأعين والرئتين البشرية، يتحول إلى حامض مع تأثيراتٍ قد تكون مميتة).

الأمر المزعج أيضاً الذي يخلص إليه نفس التقرير أن ما يُدعى تنظيم الدولة الإسلامية قام باستخدام غاز خردل الكبريت، الذي يُسبب انتفاخاً مؤلماً أو حتى مُميتاً للجلد والرئتين.

وتأتي هذه التسريبات والتصريحات كجزء من جهود الإدارة الأميركية للضغط على رئيس النظام السوري بشار الأسد ومؤيديه الروس قبل اجتماع يوم 30 أغسطس/آب الذي يعقده مجلس الأمن بالأمم المتحدة من أجل النظر في مسألة الأسلحة الكيماوية في سوريا.

لماذا الآن؟

لماذا الآن؟ وفقاً لذلك المسؤول، فإن الإجابة ترجع بالزمن إلى عام 2014، عندما كان نظام الأسد متهماً بشن هجمات متكررة بغاز الكلورين، ولم يبالِ العالم أجمع. وتابع مسؤول المخابرات: "لم نكن مدفوعين بحماس سياسي كافٍ عندما طفت مسألة هجمات غاز الكلورين إلى السطح. ولذلك فقد وجدنا وقتها أن الخيار الأفضل هو العمل من خلال مسار الأمم المتحدة البطيء، وحمل الروس إلى موقف يُحاصرون دبلوماسياً فيه".

إضافة إلى ذلك، يُكمل المسؤول حديثه، أن قيام الولايات المتحدة وحدها بإدانة الأمر لن يكون مُجدياً مثل القيام بعمل جماعي.

"أنت تعلم كيف يتعامل الروس مع أي أمر يخص سوريا"، كما يقول المسؤول. "إذا دفعنا بالأمر قُدماً، سيرفضه الروس بلا تردد. لذا فقد قمنا بمساعدة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على أن تقوم بالكشف عن الأمر بنفسها".

في الواقع، يُعد هذا التوقيت حرِجاً سياسياً بالنسبة للرئيس باراك أوباما، وكذلك على الأرجح بالنسبة لخليفته المفضلة إليه، هيلاري كلينتون، حيثُ تعتبر الأكثر ارتباطاً بإدارته.

نحن ننظر إلى الذكرى السنوية الثالثة لفشل أوباما الكبير في الشأن السوري، كما يراها الكثير من نقاده: الهزيمة التي قام فيها بوضع خط أحمر ضد استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية، وقام النظام بتخطيه في الحال، ليقتل أكثر من 1000 من الرجال والنساء والأطفال باستخدام غاز الأعصاب (السارين) يوم 21 أغسطس/آب من عام 2013، في إحدى ضواحي دمشق، التي تُدعى الغوطة.

أعقب ذلك أيام ثم أسابيع من الارتباك الواضح، حيثُ أعرض مجلس العموم البريطاني عن الاشتراك في القوة متعددة الجنسيات التي خُطط لها حينها من أجل معاقبة النظام السوري، ثم تراجع أوباما عن خططه بشن هجمات عقابية وطرح الأمر أمام الكونغرس المتخوف.

خط أوباما الأحمر يتلاشى

كان من الواضح أن الشعب الأميركي لم يكن لديه شهية لحرب جديدة في الشرق الأوسط، كما كان من غير الواضح ما الذي يمكن أن تحققه ضربات "محدودة" وضعتها الإدارة الأميركية. أمَل بعض حلفاء الأميركان، ومن أبرزهم السعوديون والفرنسيون، أن تتمكن تلك الغارات من فتح الباب لتدخل أميركي بإمكانه إنهاء الحرب، لكن تلك لم تكن أبداً خطة الإدارة الأميركية.

في خضم الأحداث، بدا أن الخط الأحمر يتلاشى تماماً، بجانب مصداقية أوباما، حتى تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من بين الجميع، لينقذ أوباما من الموقف.

وافق الأسد تحت إشراف موسكو على الانضمام لميثاق حظر الأسلحة الكيماوية، واعترف بأمر البرنامج المكثف والترسانة التي أنكر من قبل امتلاكها.

وتم التعاون على إيجاد نظام تفتيش، وعلى مدار العام التالي جُمعت ودُمرت كل تلك الأسلحة ومرافق التصنيع والسلائف الكيميائية التي اعترفت دمشق بحيازتها.

لكن، وكما أشارت The Daily Beast في إحدى التقارير عام 2014، كانت هناك شكوك قوية بأن الأسد لديه أجزاء من برنامج للأسلحة النووية، وبعض الأسلحة الكيميائية، لم يضعها على قائمة الجرد التي أعلنها.

بصورة سرية، كان هناك حكم مشترك بين المسؤولين في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي بأن الغالبية الساحقة من مخزون الأسد من الأسلحة الكيميائية قد تم التخلص منها بالفعل، لكنه ربما أبقى على قدرٍ كافٍ من غازات الأعصاب المعقدة ليزرع الرعب ويشتري الوقت إذا اضطر لأخذ موقفٍ نهائي. كان الشعور السائد حينها بأنه من الصعب التيقن أن جميع الأسلحة تم التخلص منها، وحتى يتم التخلص من الأسد. إلا أن تفكيراً بهذا الشكل، مشابه للمنطق المعيب المستخدم في الغزو الكارثي للعراق عام 2003، لم يكن شيئاً يود أحدٌ أن يصرّح به علناً.

لا نزال اليوم ننظر إلى موقف يتحتم على إدارة أوباما أن تواجه فيه حقيقة أن انقلابها الدبلوماسي الذي مضى عليه 3 أعوام لم يكن بهذا النجاح الذي تودّ أن تدّعيه.

الأماكن التي تعرضت للقصف

رأى صحفيون في مجلة Foreign Policy جزءاً من وثيقة تبلغ 75 صفحة وتُنسب إلى المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أحمد أوزومجو، ونشروا مقالاً بشأنها في يوم الثلاثاء. وفقاً للملخص الذي قرأوه فإن معظم العينات الكيميائية، التي بلغت 122 عينة، المأخوذة من "مواقع متعددة" في سوريا "تشير إلى أنشطة ذات صلة بأسلحة كيماوية يُرجح أنها غير مُعلن عنها". علاوة على ذلك، ذكر الملخص أن الكثير من تبريرات النظام السوري "ليست جديرة بالتصديق على المستوى العلمي أو الفني، وأن وجود أجزاء متعددة من أسلحة كيماوية غير معلن عنها لا يزال بحاجة إلى توضيح".

في تصريح صدر الخميس، أشارت سامانثا باور، ممثلة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، التي تُدرك جيداً الانتقادات الموجهة لسياسات إدارة أوباما بشأن سوريا، أنه "بعد مُضي 3 أعوام على الهجوم البشع بالأسلحة الكيماوية على مدينة الغوطة التي تسيطر عليها المعارضة، على المجتمع الدولي أن يتحرك من أجل محاسبة هؤلاء الذين يتحدون هذه المعايير الدولية الأساسية" مثل تحريم الأسلحة الكيماوية.

وتضيف أنه "عندما ينتهك أي شخص – من أي حكومة أو من أي جماعة إرهابية – الحظر الدولي على استخدام الأسلحة الكيماوية على نحوٍ صارخ ودون عواقب، يُرسل ذلك إشارة بأن هناك حالة إفلات من العقاب سائدة ويُقوض بشدة نظام مكافحة انتشار الأسلحة الذي نستفيد منه جميعاً".

وتابعت باور أنه "من الضروري أن يجتمع أعضاء مجلس الأمن مع بعضهم لضمان توقيع عقوبات على هؤلاء الذين استخدموا الأسلحة الكيماوية في سوريا".

لكن في حين كان ذلك متاحاً في الحقيقة في عام 2013، فإن احتمالات نجاح مثل تلك الخطوة الآن ضئيلة للغاية. منذ ذلك الوقت، سمّمت المواجهات حيال تحركات روسيا في أوكرانيا العلاقة، ولقد مرّ عام كامل إلى الآن منذ أن تحرك بوتين بقوات جوية روسية من أجل الدفاع عن حكومة الأسد.

أياً كان الدليل على ازدواجية الأسد، فمن غير المحتمل أن يغير ذلك من سياسة روسيا. وبغض النظر عن التخطيطات الاستراتيجية والتسريبات والتصريحات الخاصة بالولايات المتحدة، فبوجود بوتين في قلب المشهد، لن تمر أي خطوة عقابية ذات أهمية من مجلس الأمن.

ربما يستطيعون التوافق جميعاً من أجل معارضة استخدام "الدولة الإسلامية" لغاز الخردل.
ربما.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Daily Beast الأميركية.

تحميل المزيد