الدروس الخمسة.. ماهينور المصري تتحدث عن تجربة 500 يوم في السجون المصرية

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/25 الساعة 16:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/25 الساعة 16:40 بتوقيت غرينتش

5 دروس تعلمتها الناشطة المصرية ماهينور المصري بالطريقة الصعبة لكنها تلخصها ببساطة بعد قضائها توا 500 يوم في السجن بتهمة التظاهر ضد نظام الحكم المصري، ولكنها ليست التفصيلة الوحيدة التي توقفت عندها في هذا الحوار المطول الذي روت فيه تجربتها وما غيّره فيها السجن وكيف جعلها أكثر فهما لزملاء الزنزانة من إسلاميين وجنائيين.

في هذا الحوار مع "عربي بوست"، تصف ماهينور عضو حركة الاشتراكيين الثوريين والسجينة المخضرمة في أكثر من عهد، كيف تغير تعامل الشرطة المصرية مع النشطاء في أعقاب استيلاء الجيش على السلطة في 2013.. وعن وسائل الترهيب خلال التحقيق.. وأين يقضي السجناء الفقراء عقوبتهم.. كيف تتم معاملة نساء الإخوان في السجن.

وقالت المحامية السكندرية إنها تعلمت في السجن الكثير، على رأس ذلك كيف أن الظلم هو نصيب الجميع من هذا النظام "لا أتحدث عن السجناء السياسيين فقط.. فالتجربة كشفت لي كم ظلم غير طبيعي يقع على الجنائيين الذين ليس لهم من يدافع عنهم، ، ففي السجن يمكن أن تجد من ينام في الحمام لأنه فقير لا يستطيع دفع مقابل مالي للحصول على مكان في الزنزانة".

قالت أيضا إن السجن علمها أنه "ليس كل الإسلاميين سيئين وليس كل الليبراليين جيدين"، ناقلة معاناة صديقة السجن الدكتورة بسمة رفعت من التيار الإسلامي التي ذهبت للسؤال عن زوجها -العقيد بالجيش- الذي اتهموه في قضية مقتل النائب العام فورطوها في القضية أيضا واعتقلوها وعذبوها حتى فطمت طفلتها الرضيعة بعيدا عنها وارتعبت من شكلها عندما رأتها في الزيارة.

ورغم قناعتها الراسخة باحتجاجات 30 يونيو/حزيران 2013 التي أعقبها إعلان الجيش الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، تعتبر ماهينور أن "العسكر تلاعب بالجميع"، وتروي موقفاً محددآ أبكاها في تلك الفترة وجعلها توقن أن النظام قد حقق نصرا ضد الجميع.

وقضت محكمة جنح مستأنف سيدي جابر في يوليو 2014 على الحقوقية الشابة ماهينور بالجسن لمدة 6 أشهر، وهو الحكم الذي تم تخفيفه لأربعة أشهر لتتمكن من الخروج واستلام جائزة "لودوفيك تراريو"، والتي قررت لجنة الجائزة الفرنسية تقديمها لماهينور عن العام 2014، خلال تواجد الأخيرة في السجن.

ونددت ماهينور باستغلال النظام قضيتها لتحسين صورته ولا سيما عندما خفف محكوميتها الأولى عام 2014 تحت وطأة حملة تضامن دولية، قبل أن يتم الحكم عليها مجددا في قضية أخرى اتهمها مجموعة من الضباط فيها بالاعتداء عليهم ومحاولة اقتحام قسم شرطة الرمل، وصدر الحكم عليها في مايو 2015 بالسجن عامين ثم تم تخفيفه أيضا لعام و3 أشهر.

وفيما يلي النص الكامل للحوار:

في البداية كيف تقيمين تجربة السجن؟

في البداية لديّ مشكلة صغيرة في تعامل الناس معي منذ أن خرجت من السجن، كأنني بطلة، واعتبارهم أن هناك بطولة عظيمة في دخول السجن في حد ذاته، ولكني أرى أن السجن هو السجن بما يمثله من معاني سلبية، وأنا لم تكن لي رغبة بدخوله، ولا أحب ذلك، ولا أتعمد اتخاذ مواقف من أجله، ولكن ما هو إلا ثمن مستعدة أن أدفعه في سبيل أفكاري.

ولكن البطولة لها معانٍ أخرى، فهناك أناس أفضل مني بتضحيتهم بكامل عمرهم في سبيل أفكارهم، فالشهداء ضحّوا بحياتهم ليروا مستقبلاً، لم يستطيعوا أن يروه، أو أن يشاهدوا جزءاً منه، لكن نحن أكثر أنانية منهم فنحن نفقد جزء من حياتنا من أجل مستقبل من الممكن أن نرى منه جزءاً.

والسجن كتجربة هو ثمن يدفع من أجل مستقبل أفضل، وعلى كل شخص منا أن يسأل نفسه: هل نحن مستعدون أن ندفع جزء من عمرنا دون مقابل، من أجل التعايش مع أفكارنا؟

سجنت مرتين خلال أقل من 3 سنوات فكيف كان الفارق بينهما؟

الفارق كبير، فأعداد السجناء من المصريين في ازدياد كبير، ولا أتحدث فقط عن السياسيين وسجناء الرأي، فهناك أيضاً الجنائيون الذين يمارس معهم التعسف الشديد، وأصبحت مدد الحبس الاحتياطي مرعبة، حتى أصبح في حد ذاته عقوبة فوق العقوبة.

أما قبل ثورة 25 يناير، لم يكن لي تجربة داخل السجن، ولكن تم توقيفي عدة مرات في أقسام الشرطة ولم يتم تحويل المحاضر إلى محاكمات.

ما الاختلاف في تعامل الشرطة معك قبل ثورة 25 يناير، وبعد 30 يونيو؟

هناك اختلاف جوهري حدث بالفعل في هذا الأمر، فقبل الثورة كانوا يتعاملون معنا على أننا مجموعة شباب متهورين لا يستطيعون عمل أي تغيير، فيتعاملون معنا بمبدأ "قرص الودن وخلاص"، أو بعض العنف أحياناً خلال المظاهرات، مع إقرار أن في عهد مبارك كان هناك من يدفع ثمناً من عمره بالسجن ومعظمهم من الإسلاميين، الذين يتم اعتقالهم لفترات طويلة.

لكن الثورة غيرت هذا المفهوم لدى رجال الشرطة، ودقت ناقوس الخطر أن أي تحرك في الشارع من أي مواطن مصري أياً ما يكون يمثل خطراً على النظام، والتعامل أصبح مختلفاً، وأصبح لديهم قناعة بضرورة أن يكون هناك عقوبات أكبر، من أجل الضغط عليك أو وقف تحركك، وأصبح هناك ناس يسجنون بالسنين أكثر من مرة، وهناك أشخاص حياتهم ضاعت مثل سجناء قضية عرب شركس، وهذا لم يكن يحدث بهذا الشكل المريع من قبل، باختصار أصبحوا يتعاملون معنا بـ"خوف أكبر".

كيف ظهر هذا الخوف في التعامل معك خلال سجنك مؤخراً؟

الاختلاف كبير جداً، والخوف كان واضحاً منذ البداية مع أسئلة التحقيق داخل جهاز أمن الدولة، فقبل ثورة 25 يناير، كنا نعرف الضباط الذين يحققون معنا، وكان لديهم ثقة أن البلد ملكهم، لكن في تلك المرة الأمر مختلف تماماً، فعند التحقيق معنا يتم تغطية أعيننا ويتم التعامل معنا بأساليب عدة، لبث الرهبة في نفوسنا، ثم انتقل الخوف إلى تلفيق قضايا وإصدار أحكام سجن بمدد طويلة، فكما تعلم الشعب في 25 يناير كيف يثور، كذلك تعلم النظام وطور من أدوات قمعه.

كيف غيرك السجن؟

بعد الخروج من السجن أصبحت أقل إحباطاً من ذي قبل، وبالعكس أصبحت لديّ طاقة أكبر للاستمرار في الطريق الذي اخترته وأعتقده أقرب للصواب، وأننا في الجبهة المعارضة لنظام قمعي لا يختلف عن نظام مبارك، إن لم يكن أسوأ منه، وأن الدعاية التي يروجها هذا النظام من أنه أتى لإنقاذ مجموعات من الناس كاذبة، خصوصاً أن السجن أثبت لي أن الظلم واقع على الجميع وليس السياسيين فقط، وأن القوانين القمعية التي يتم تشريعها للقمع تمارس على الجميع.

وأصبحت مقتنعة أنه يجب أن نمتلك نفساً أكثر طولاً بمعركة الحرية، مع الثقة الكاملة أن تلك المعركة دائماً ما تكون في صالح الشعوب مع استمرار النضال، وطول النفس يأتي من إدراك أننا لا نحارب النظام المصري القمعي فقط، ولكننا نحارب نظام استغرق مدة لزرع أفكار بعقول المجتمع تحتاج سنين لكي تزال، سواء أفكار طائفية أو طبقية أو عنصرية، فهذه الأشياء لم تكن من سمات الشعب المصري لكن النظام "الشرطي" كان يضعها في عقول الشعب لكي يستطيع أن يسيطر عليه.

ووجودي داخل السجن وتعاملي مع أشخاص من تيارات سياسية أخرى، زرع بداخلي قناعة أن أصبح أكثر إيماناً بضرورة سماع كل الأطراف، حتى المختلفين عني، دون بناء مواقف مسبقة، وكذلك إدراك أن التصنيفات العامة ليست حقيقية، فعلي سبيل المثال هناك الإسلاميين والليبراليين، فليس كل الإسلاميين سيئين وليس كل الليبراليين جيدين.

ومن الأمور الهامة التي تغيرت بداخلي أنني تأكدت أن هناك أشخاصا يختارون طريقاً فكريا ما لاقتناعهم التام أن هذا الطريق به مصلحة الشعب، وهؤلاء الناس فوق رأسي برغم اختلافي معهم، وهم على النقيض من أشخاص آخرين وينتمون لنفس المعسكر الفكري الذي أنتمي إليه، ولكنهم اختاروا هذا المعسكر لمصلحتهم الخاصة فقط، وهؤلاء أخالفهم بشدة.

وأخيراً غيرني السجن إنسانياً، فلا أتجاهل إنساناً لاختياره وانتمائه لكني أتعامل معه باختلافي مع آرائه واستحالة اقتناعي بها واحترام أسبابه لاختياره هذا الطريق.

محنة السجن تسبب اليأس والإحباط للبعض ولكن يبدو أن ما حدث معك هو العكس، فلماذا؟

السجن أكد لي أنني في المعسكر الصحيح، فهذا النظام والقائمون عليه بالفعل ظالمون، وأبعد ما يكون عن العدالة، وهم علي استعداد أن "يدوسوا علي المواطنين".

لا أتحدث عن السياسيين فقط، لأن الجميع يظن أن الأشخاص المؤمنين بفكرة، يهتمون فقط بالذين يشبهونهم، ولكن هذا غير صحيح، وتجربة السجن كشفت لي عن كم ظلم غير طبيعي يظهر على الجنائيين غير المعروفين تماماً، ليس لهم أشخاص أو تيارات تدافع عنهم، فهم أناس يمكن الضغط عليهم والاستهانة بآدميتهم دون خوف من رد الفعل، وبالسجن ممكن أن تجد من ينام في الحمام لأنه فقير لا يستطيع دفع مقابل مالي للحصول على مكان خارجه، وكذلك لا يمكن لأحد تصور كمّ الإهمال الصحي في السجون، فهو بصورة مرعبة، والتعامل طول الوقت مع المساجين على أنهم "يتمارضون" وليسوا مرضى، للدرجة التي وصلت للتعامل بعنف مع مرضى مات بعضهم نتيجة لهذا التعامل العنيف، فمن سجن يتم سحب آدميته.

لماذا تركزين أكثر على السجناء الجنائيين رغم كونك سياسية؟

لأن القائمين على النظام يفكرون ألف مرة تجاه أي مسجون سياسي قبل أن يعاملوه باستهانه؛ لأنهم يعلمون أننا لن نسكت وهناك من سيهتم لأمرنا لكن الجنائيين لا يوجد لهم "ضهر".

وهنا أتذكر كيف كان هناك حرصاً داخل السجن على معاملتي، فأنا دخلت في وقت كان هناك ضغط إعلامي، فكنا أكثر حظاً من غيرنا، حيث تم التعامل معنا بشكل أفضل بكثير من باقي الناس لأن النظام يريد أن يُظهر أن هذه هي الطريقة التي يتعامل بها مع الجميع، والحقيقة غير ذلك، فمن الممكن أن نأخذ حقوقنا الطبيعية كمساجين، ولكن يحرم منها المساجين العاديين سواء جنائيين أو سياسيين من تيارات أخرى أو حتى سجناء من نفس التيار لكن ليسوا مشاهير.

ماذا يمثل لك حصولك على جائزة لودوفيك تراريو لعام 2014 وأنت داخل السجن؟

هذه الجائزة أظهرت لي شيئاً مهماً جداً وهو أن النظام ليس لديه أي نوع من العدالة، لاسيما بطريقة إفراجه عني، وتعمد إخراجي من السجن في التجربة الأولى لتمكيني من السفر إلى إيطاليا للحصول على الجائزة، فيما واصل حبس أشخاص آخرين معي في نفس القضية.

وبعد معرفتي بالجائزة، فوجئت بالقاضي يخفف الحكم علي من سنتين إلى 6 شهور، وذلك رغم ما قاله لي شخصياً أثناء المحاكمة من أنه مقتنع من أنني محرّضة، ولكن تم تخفيف حكمي لأني صغيرة في السن، وأنه تم التغرير بي، وهنا تعجبت، حيث إن سني ليست بالصغيرة، فإسلام المتهم معي بنفس القضية كان أصغر مني بـ10 سنوات، وتعجبت من تناقض القاضي الذي يراني محرضة وفي ذات الوقت غُرر بي.

وبعد الحكم، تم الإفراج عني بعد 4 شهور فقط كي أستطيع استلام الجائزة بنفسي، ووقتها قلت إننا لسنا وردة في عروة الجاكت لكي تقول إني أعفو عن المعتقلين.

ما أكثر ما شاهدته في السجن من معاناة؟

سأحكي قصة صديقتي الدكتورة بسمة رفعت من التيار الإسلامي كانت متهمة في قضية مقتل النائب العام، وهذه القضية بها مشاكل قانونية جبارة بداية من وجود اختفاء قسري لعدد من المتهمين ثم ظهورهم بعدها بفترة في حالة مزرية لدرجة أن هناك شاباً من الموجودين بدأ يفقد عقله فعلياً من كثرة التعذيب.

الدكتورة بسمة رفعت هي مثال للإنسان، رغم اختلافي الفكري معها، فهي من نوع الأشخاص الذين يختارون معسكرهم بناء علي المصلحة العامة، وزوجها عقيد في الجيش وهو أيضاً متهم في ذات القضية وتم اختطافه قسرياً، وهي لم تكن تعرف السبب فذهبت لتقديم بلاغ، فتم خطفها من الشارع، واحتجازها لمدة 12 يوماً في مقرات أمن الدولة، وتعذيبها دون أن تفهم ما سبب وجودها بمثل هذا المكان، ثم وجدت نفسها يتم اتهامها بتمويل عملية مقتل النائب العام.

وما زاد من آلامها طفلها الذي لم يكمل السنة، وتم فطمه إجبارياً لأنها كانت بأمن الدولة، وبعد ترحيلها للسجن منعت عنها الزيارة، ولم تر طفلها مدة 40 يوماً، وحين رآها بعد ذلك كان مرعوباً منها.

وهناك أيضاً إسراء خالد، وهي معتقلة من التيار الإسلامي وكذلك كان والدها معتقلاً، ونتيجة للإهمال الطبي مرض بالسرطان داخل السجن ولم تتم معالجته إلى أن مات في السجن، وإسراء ذات الـ23 عاماً، تم تلفيق 10 قضايا لها في بني سويف منهم 3 قضايا عسكرية، وتواجة تهم كبيرة، وهي فعلاً كل ما ارتكبته أنها دشنت صفحة على فيسبوك وهذه هي التهمة التي تم القبض عليها بسببها من الأساس.

ما حقيقة الروايات الخاصة بالتعذيب، خصوصاً مع النساء؟

هناك أشياء حقيقية بالفعل، وهناك ما يتم تهويله وعادة ما يتم تهويلها من تيارات معينة لاستغلالها وليس من المساجين، ولكن هناك أشياء حقيقية تدل على حقارة هذا النظام، وطول الوقت هناك تهديدات في أمن الدولة باغتصاب النساء، وهناك تهديدات أخرى بالأهل، والتحرشات موجودة خارج وداخل السجون، ولكن في السجون هناك بعض الخطوط التي لا يتم تخطيها مثل الاغتصاب، فهو لا يتم في السجن ولكن قد يتم أثناء القبض والتحقيق، فيما يتم التعذيب عن طريق الكهرباء بالأطراف.

كيف كنت تقضين وقتك داخل السجن؟ وما أبرز الانطباعات التي تكونت لديك بالتعامل مع سجينات الإخوان المسلمين المختلفة معهن فكرياً؟

دعنا نتفق أننا بداخل السجن كلنا اسمنا مساجين ونواجه نفس الصعوبات، وكنا طوال الوقت نتحدث على أننا على المستوى الإنساني حالة واحدة، حتى الجنائيات في مركب واحد مع السياسيات.

وأنا كنت بسجنين مختلفين، الأول سجن دمنهور وكان السياسيين والجنائيين معا، وهذا كان مريحاً جداً أن يتم معاملتك طبيعياً دون عزلة، ولكن عندما كنت في القناطر كان السياسيون جميعاً يوضعون في عنبر الإخوان، وكان هذا الوضع بمثابة الـ"بعبع"، فأغلب الأمور ممنوعة على سكان ذلك العنبر، بما في ذلك التحدث مع الجنائيين والقراءة، فكنا نتسلى بالكلام مع بعضهن، وتنظيم احتفالات نغني خلالها، فأنت بني آدم طبيعي تفرح وتحزن، وقمنا بعمل مطابخ وقعدات غسيل هدوم.

هل جميع السجينات السياسيات من الإخوان؟

في نفس الزنزانة نعم، ولكن كان هناك بعض السجينات السياسيات في زنزانات أخرى مثل شيماء وعبير من قضية أحداث مجلس الوزراء، وجميلة من التيار الشعبي ومحكوم عليهما بسنتين في تظاهرات ذكرى محمد محمود، وهناك بالطبع سناء سيف، وبعد الحكم الأخير عليها بالحبس 6 شهور، تم التعامل معها بشكل خاص، فقد كانت معزولة، ودائما في زنزانتها مع النبطشية (أقدم السجينات في الزنزانة وتكون بمثابة المسؤولة عن باقي السجينات) فقط، وغير مسموح التحدث معها، والمرة الوحيدة التي تحدثت معها وقعت مشاكل مع إدارة السجن، حيث قابلتها صدفة أثناء التريض، وحينها صرخت الحارسات بشكل هستيري، وتم تقييد سناء وأتى رئيس المباحث، وتم تغيير موعد خروجها من الزنزانة حتى يكون في وقت مختلف تماماً عن باقي السجينات.

هل هتفت داخل السجن؟

هتفت في حفل خروجي الذي أقامته لي زميلاتي في السجن، وظللنا نهتف جميعاً: "عمر السجن ما غير فكرة.. عمر القهر ما أخّر بكره"، و"اكتب على حيطة الزنزانة حكم العسكر عار وخيانة"، و"اللي بيحبس في الشباب هو صانع الإرهاب".

ما أبرز ما لاحظته بعد خروجك من السجن؟

أن شعبية السيسي ونظامه بين العوام انخفضت بشكل كبير جداً.

النظام يتهم النشطاء السياسيين بأن لهم أجندة خارجية.. كيف ترين هذا الأمر؟

غير حقيقي، الواقع يقول إن هم من لهم أجندة خاصة وخارجية، فهو من يخرج اللصوص من السجون ويحبس مجموعات من الشباب ويلفق التهم، وكذلك هو المستعد لأخذ قرض من صندوق النقد الدولي ويعيشنا في تقشف، وكذلك هو نظام يرى أن العدو الصهيوني صديق، وأقرب من مجموعات أخرى، حتى أنه جعله أقرب من المقاومة الفلسطينية.

ولكنك عارضت الإخوان أيضاً؟

أيام الاخوان أنا شخصياً لم أكن أعترض عليهم كأشخاص ولكن كنت معترضة بشكل عام على طريقة إدارتنا للثورة، فقد كان يتم استدراكنا لخوض معارك وهمية، وهذا ليس وليد فترة الإخوان، ولكنها حقيقة منذ أول استفتاء "مارس 2011" ومعركة "نعم أم لا"، وكنت أرى أنه من الواجب أن نرفض تلك المعارك الزائفة، ونتيجة لوقوعنا في شراك طريقة "بص العصفورة"، حدثت معارك بين الثوار في الانتخابات التي جعلت الجميع يترك مساره.

والحقيقة أن العسكر تلاعب بنا جميعاً، حتى الإخوان تم التلاعب بهم وقت ما ظهر للناس أن هناك تحالفاً بينهم وبين العسكر، فقد جعلهم النظام الحالي يظنون أنهم سيتملكون جميع الخيوط سريعاً وهذا ما جعلهم يتركون مسار الثورة منذ أحداث محمد محمود، رغم تأكيدي أن هناك الكثير من شباب الإسلاميين شاركوا بها.

ومن باع الثورة وقتها قيادات الاخوان فقط، ومعهم أيضاً قيادات بعض الأحزاب السياسية الأخرى، وبعض الرموز الليبرالية واليسارية، حينما طالبونا بأن نجلس في بيوتنا، من أجل البناء، وكنا نقول لهم كيف نبني البلد دون وجود أساسات؟

متي شعرت بعد الإطاحة بمرسي أن النظام لم يتغير؟

في اللحظة الأولى، وتحديداً منذ 3 يوليو/تموز 2013، ونحن نرى شخصاً مثل وزير الدفاع الذي من المفروض أنه جزء من نظام مبارك والإخوان، يظهر على التلفزيون متحدثاً ويقول أشياء مثل التي قالها "البيان العسكري الذي أسقط مرسي".

كيف نظرت إلى اعتصام رابعة؟

كان رأيي دائماً أنه كان من حقهم الاعتصام، فإن لم يكونوا النظام فهم معارضون للنظام، ويحق لهم أن يعبروا عن رأيهم، وكنت أرى أن الحل أن يسعى النظام للتفاهم معهم، إذا كان فعلاً يريد أن يُظهر "بادرة خير"، ولكنه استعمل العنف، وفي النهاية حدثت مجزرة في رابعة، وقتل مصريون أغلبهم سلميين، وغير مسلحين، بل وكان الكثير من الأطفال والسيدات بين الشهداء.

وصناعة تلك المجزرة من قبل النظام أوضح للملأ أن العسكر تلاعب بالجميع، ونحن خُدعنا حين ظننا أننا سنتخلص من الاخوان دون تعلق العسكر بالحكم، ولكننا عرفنا الحقيقة بعد 3 يوليو.

متى نزلت دموعك بعد 30 يونيو؟

بكيت يوم 5 يوليو، حيث كان هناك مناوشات بين مجموعات من المؤيدين للإخوان وبعض الأهالي المدعومين من الجيش والشرطة، فقد شاهدت كيف كان الجيش والشرطة يدفعون بالمواطنين أمامهم لمواجهة مصريين مثلهم، ورأيت وقتها رئيس مباحث الإسكندرية اسمه ناصر العبد، وهذا أحد الضباط القليلين الذين بيننا مشكلة شخصية معهم، لأنه كان مثالاً حياً للشرطي الذي يخدم كل الأنظمة وليس لديه أي مبدأ، وحين رأيته ينظر بسعادة بكيت وهتفت بصوت عال: "ناصر العبد أوعي تفتكر أننا في يوم كتفنا هيكون في كتف بعض"، فنظر لي نظرة مليئة بالاستهزاء.. وقتها شعرت بأنهم قد كسبوا المعركة.

كيف ترين الغد؟

أراه مليئاً بالفرص الحقيقية ولكن يجب أن نكون أذكياء، فكما أقول دائماً النظام غبي ونحن لسنا بأذكياء، ونضالات الشعوب متكاتفة وليست متفرقة.

قلت بعد خروج إنك مكملة المشوار، فما المشوار الذي ستكمله ماهينور؟

سأكمل مشوار بناء مجتمع إنساني حقيقي يعيش به الناس دون ظلم أو بأقل قدر من الظلم، وأن يكون هناك مساواة وحرية والناس تتقبل بعض باختلافاتها، دون أن تفرض على بعض أي شيء بالعنف، وهذه هي روح 25 يناير، حيث كانت الناس في الميادين قادرة على التعايش مع بعضها رغم اختلافاتها الشديدة ووجود فروقات اجتماعية، فمازلت أومن بأنه بالثورة سنحدث تغييراً حقيقياً.

ما نصائحك من واقع التجربة لمن يشارك في العمل العام؟

هي تجارب شخصية لكن يمكنني القول:

أولاً: العدالة لمن نختلف معهم، فالمهم ألا تفقد إنسانيتك أبداً بمعنى وضع الإنسانية كمركز حقيقي للبناء فالثورة هي بناء مجتمع إنساني سعيد فلا تتحول لوحش حتى مع المختلفين معك فجزء مما ندعو له هو أن نؤمن بالعدالة مع المختلفين قبل المتفقين معنا.

ثانياً: لا تفقد الأمل سريعاً فنحن بداخل معركة طويلة مليئة بمكاسب وخسائر ولكن في النهاية دعنا نعترف بأننا حجر يبني شيئاً مستقبلياً ممكن أن نكون آخر حجر أو أول حجر.

ثالثاً: لا تنس في أي وقت المستضعفين والمعتقلين

رابعاً: ارتبط بالشارع قدر المستطاع فلا تكن ممن يتحدثون من البرج العاجي حاول أن تتعلم من الناس ولا تتهم أي أحد بالعبودية ولا الخرفان، فهذا الشعب يستطيع أن يبهرك بالتحرك في أوقات لا أحد يتوقعها.

خامساً: لا شيء يستحق الندم إطلاقاً فنحن جيل محظوظ فهناك أجيال كانت تؤمن بقيام الثورات لكن لم يمروا بها.

كيف ترين فكرة تكوين جبهة لمنع ترشح السيسي لفترة أخرى؟

أولاً النظام الموجود ليس نظام شخص، ومشكلتي ليست مع السيسي ولكن مع الأنظمة الديكتاتورية البوليسية والعسكرية التي من الممكن أن تضحي ببعض الناس منها مقابل استمرارها مثلما حدث لمبارك، ومن الممكن في مرحلة ما أن يتم التضحية بالسيسي لبقاء النظام، وهو أمر غير مستبعد.

وبرأيي أهم من موضوع وجود الجبهات هو كيفية بناء جبهة للبدء بالتكلم مع الناس والبحث عن بديل، على الجميع أن يؤمن بأن الأفضل هو أن الشارع يدار بنفسه، دون فرض وصاية فكرية، ونشعر الناس أن هناك فرصاً أخرى في الفترة القادمة، ونتحدث معهم في ذلك وأنهم البديل الحقيقي وحين يحدث هذا ويكون هناك كلام حقيقي فالبديل سيستطيع المواجهة لأن أي شيء لا يوجد به الشعب يكون هشّ جداً ولن يستطيع مواجهة المفاصل "التي يمسكها العسكر" فالشعب أهم من المفاصل.

ماذا تقولين للسيسي؟

أنت لست جمال عبدالناصر الجديد، ولا تتصور أنك شخص يبني، فأنا لا أظن أنك تبني للوطن ولكن لمجدك الشخصي، والمشاريع التي تبنيها ليست ذات الأولوية ولكن هدفها أن تخلد اسمك فقط وهذا يكلف الشعب الكثير، وعليك أن تعي التاريخ وتعرف أن عبدالناصر مع كل حب الناس له استيقظ ووجد نفسه في "نكسة" بسبب وجود الظلم، وعليك أن تعرف أن الزمن لا يعود للخلف والشعب تعلم، وإحساسك بأن هناك صبراً عليك حالياً ليس معناه إطلاقا أننا راضون، بل معناه أننا ننتظر رؤية جيدة أفضل من الوضع الحالي.
والتغيير القادم سيكون أقوى وأعمق على عكس ما تتوقعون، وأنت ومن معك تحفرون قبوركم بأنفسكم.

تحميل المزيد