– غمرتني مشاعر الفرح عندما قرأت عن الإشادة بملك المغرب من قِبل مدير البنك الدولي لمنطقة المغرب العربي، لاهتمامه برأس المال غير الملموس الممثل بالرأسمال الفكري، ولكن أحزن عندما أرى أن المغرب منع مفكراً سياسياً معارضاً من السفر بسبب مواقفه.
– أفرح عندما أقرأ خبر أنه في مصر في فترة انتقالية تم تعيين حازم الببلاوي رئيساً للحكومة (وهو إنسان أكاديمي)، واستعان بخبرات أكاديمية للمناصب الوزارية في فترة انتقالية، ولكن أحزن وأصاب بالإحباط للموازنة المتدهورة للحقائب التي تم تسليمها لهؤلاء الأكاديميين.
– أفرح أن ألمانيا استعانت بـ1500 طبيب سوري، ولكن أحزن أن موريتانيا العام الماضي احتفلت بتخريج أول دفعة من كلية الطب لأول كلية طب في موريتانيا، لإيقاف الاستيراد من الخارج، وأن قطر تبني كلية طب جديدة لتعويض النقص.
– أفرح أن الإمارات الأولى عالمياً في استقطاب العلماء والعقول، وأن قطر بدأت بتطوير الأبحاث الصيدلانية لبناء اقتصاد المعرفة، وأن السعودية ترسل الكثير من المبتعثين للخارج، وأحزن عندما أقرأ مقالاً صحفياً يتحدث عن وجود سعوديين برتبة دكتوراه ليس لهم وظائف.
– أفرح عندما أقرأ أن إسرائيل سوف تستعين بالأكاديميين العرب الموجودين في فلسطين، وأحزن لأن نصف الجامعات الأردنية فشلت في اختبارات الكفاءة.
– أفرح عندما أقرأ مقالاً صحفياً يشير فيه إلى أن السوريين الأعلى تعليماً بين اللاجئين السوريين في السويد بين كل موجات النزوح، وأن وكالة العمل الألمانية تناشد الحكومة تسهيل عمل الأكاديميين اللاجئين، بينما تنتهي أحلام السوريين في بعض دول الجوار بورقة.
– أفرح عندما أقرأ أن امرأة سورية استطاعت ابتكار نظام لا سلكي للاتصالات في منح العباقرة، بينما التحذيرات كثيرة بأن الأمن الغذائي العربي بخطر، والبحوث قليلة نادرة.
– أفرح عندما أقرأ أن شركات التكنولوجيا تجذب الطلاب العرب، وأن هناك أبحاثاً تشير إلى أن الطلاب العرب المبتعثين أصبحوا يشكلون قوة في ميزان التجارة الدولية، وأن الخدمات التعليمية في أستراليا رابعاً على صادرات أستراليا، بينما ترزح العقول السورية فخر الصناعة الوطنية طريدة بين الدول.
– أفرح عندما أقرأ عن تأسيس علم يدعي اقتصاد المعرفة وله مؤشرات لقياس المعرفة، ثم أقرأ ضمن أحد مراجعه (تُعد سوريا من البلدان الطاردة للكفاءات العلمية، وهي تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية، حسب مؤشر هجرة الأدمغة المعتمد ضمن منهجية قياس المعرفة للبنك الدولي بنسبة 2.3 في المائة للمؤشر المتدرج من 1 إلى 7 حسب التقرير العربي عن المعرفة لعام 2009، وهذه النسبة تضاعفت مع سنوات 2011 – 2012 – 2013 2014).
– أفرح عندما أرى برنامجاً رمضانياً عربياً (خواطر) له متابعون بالملايين يتحدث عن الكثير من التجارب الناجحة حول العالم، وعن سنغافورة وتقدمها الهائل، وكذلك عندما أرى أن مسقط نظمت مؤتمراً حول رأس المال الفكري، ثم على أرض الواقع أجد مئات الأطباء السوريين غادروا اليمن بسبب الحرب الأخيرة، ودخلوا الأراضي السعودية، ولم يسمح لهم بالعمل، أو ضاعوا بين دوامات الروتين والورقيات، في الوقت الذي أقرأ فيه تحليلاً يحمل اسم (أبحاث الصحة العربية لا تواكب متطلبات العصر)، أو أن (البكتريا المنتشرة بالمنطقة مقاومة للصادات ولا جهود مشتركة بين الدول لمواجهة المشكلة).
– أفرح عندما أعلم أن تونس قد خصصت زيادات في ميزانية وزارة الثقافة لمكافحة الإرهاب بالثقافة والفنون، في حين أن هذا القرار جاء بعد محاولات تخفيض ميزانية التعليم العالي لصالح مكافحة الإرهاب، وكذلك بعد عدة إحصاءات تفيد بأن الطالب التونسي والعربي يقع بين فكَّي داعش أو الجامعة والبحوث.
– نحن مغيبون عن هذا العلم، كانت حكوماتنا تركز على قضايا الإرهاب، وإن كانت هناك نيات طيبة أو مبادرات، إلا أنها من الناحية العملية كانت معدومة، فالإمارات استضافت الكثير من هذه الورشات، وشجعت عليها، وكانت تدعم مراكز البحوث التي تجري بحوثاً على رأس المال الفكري، إلا أنها منعت الكثير من الأكاديميين السوريين من الدخول إلى أراضيها، وما زالت، وحتى المغرب الذي يسجل له شهادة رئيس البنك الدولي بأن الملك يعطي اهتماماً بالعلوم غير الملموسة، إلا أنه صاحب قرار في عمل حكومة انتقدها في حديث آخر على سياستها في مجال التعليم العالي، فلماذا نبقي على أشخاص غير قادرين على تنفيذ أفعال، وبنفس الوقت نعرف أن هناك خللاً، أليس هذا خلل؟!
ربما من الحقائق السابقة استطعت إيصال الفكرة بأنه علينا التوجه نحو اقتصاد المعرفة، والبدء باستثمار رأس المال الفكري، وبدلاً من زج الشباب في محرقة الحرب العبثية أو تسهيل انتقال الأكاديميين والطلاب العرب والمهرة إلى الخارج، بحجة أنهم يؤمنون القطع الأجنبي لدولهم، علينا التعلم من تجربة الفلبين التي أرسلت اليد العاملة البسيطة من سنوات، فقامت بتأهيلها بأعمال الفندقة، واستفادت منهم في إدخال النقد الأجنبي، وبدء تأسيس مناهج أكاديمية في هذه العلوم، بحيث ستكون رائدة وسباقة في هذا المجال ومعرفة كبيرة بما يلزم، ومن النتائج التي سردتها يتضح أن لمعرفة رغبات الأكاديميين علينا أن نسألهم لماذا هاجروا؟ وعلينا معرفة ماذا تقدم لهم الدول التي تصيدهم فأميركا مثلاً بعد معرفتها بأسس اقتصاد المعرفة قامت بتعديل القوانين الخاصة بالهجرة، وبدأت ببناء هذا الاقتصاد والنتائج تتحدث عن نفسها، ولدى متابعة الشأن نجد أن في أستراليا رابع أكبر الصادرات هي الخدمات التعليمية، وألمانيا هي قبلة البحث عن أسرار التنمية.
* مقتطفات من بحث (الأكاديمي اللاجئ) للدكتور أيمن خسرف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.