نشرت صحيفة الـ"واشنطن بوست" منذ مدة نقلاً عن معهد غالوب الدولي أن نسبة الملحدين في المملكة العربية السعودية تجاوزت الـ5% فيما تتوزع نسب أخرى متفاوتة في باقي بلدان العالم الإسلامي، ورغم التشكيك الكبير في هذه النسب لأن المعهد لم يجرِ مسحاً علمياً دقيقاً لهذه الأعداد، وهذا يعود بالدرجة الأولى لخوف الكثير من الملحدين إظهار إلحادهم علناً أمام الناس، ولأن هذه الأبحاث تعتمد بدرجة كبيرة على أعداد الملحدين المنتشرين على الإنترنت، وهذا لا يعطينا نسباً مؤكدة أبداً، ولكن حتى بفرض وجود نسبة 2.5% مؤكدة، سواء في المملكة العربية السعودية أو غيرها من البلدان الإسلامية، فإن هذه النسب تدل على مشكلة بدأت تتنامى في المجتمعات العربية والإسلامية بشكل عام.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المسح تم إجراؤه منذ أكثر من سنتين، ولعله خلال هذه المدة قد تزايدت هذه النسب.
ومن الملاحظ أنه من أكثر فئات المجتمع التي تتجه للإلحاد هي الشباب؛ لسهولة اختراق هذه الفئة من عدة طرق.
وأريد أن أشير أيضاً إلى أن أغلب هؤلاء الشباب الذين اتجهوا للإلحاد يستدلون بحجج تصل إلى حد السذاجة في بعض الأحيان، وهذا يدل على عدم رسوخ فكرة الإلحاد فيهم، وفي هذا المقال سأتحدث عن أسباب انتشار الإلحاد في الوطن العربي، وليس عن الأسباب الفلسفية للإلحاد بشكل عام فهذا موضوع مستقل.
أسباب المشكلة:
1- الخطاب الديني المتطرف من بعض الجماعات والشيوخ:
بعض الجماعات المسماة بالإسلامية وشيوخها وأفرادها الذين انتهجوا سياسة تكفير عموم المجتمع، واستخدموا العنف والدموية وسيلة وحيدة لتغيير المجتمعات، وهذه الجماعات بقصد أو من غير قصد تُنفر الناس من الدين فبعض الشباب أصبح ينظر لتصرفات هذه الجماعات، وكأنها هي الممثلة للإسلام.
وقد سبق أن قال الشيخ أحمد ديدات رحمه الله: "أشرس أعداء الإسلام مسلم جاهل يتعصب لجهله، وبأفعاله يشوه ويدمر الإسلام الحقيقي، ويجعل العالم يظن أن هذا هو الإسلام"، وفي نفس النقطة بالتحديد إذا كان التأثير السلبي لهذه الجماعات يصل لهذا الحد في المجتمعات المسلمة، فما بالك بالعالم الغربي وغير المسلمين كم ستكون الصورة قاتمة لديهم حول الإسلام؟
2- بعض من "الكهنوت الإسلامي":
في بدايات عصر النهضة الأوروبية، ومروراً بالثورة الصناعية، بدأ الإلحاد ينتشر في أوروبا انتشار النار في الهشيم، ومن أبرز أسبابه كان الكهنوت المسيحي المتمثل بسلطة الباباوات في ذلك الوقت، وما تضمنه من صكوك الغفران وإعطاء الحق الإلهي للملوك في الحكم (دولة ثيوقراطية)، فضلاً عن معاداة العلم والعلماء وانتشار الخرافات والأساطير باسم الدين، ونجد بعضاً من هذا الشيء تراكم على مر العصور في العالم الإسلامي، حتى عصر أفول الخلافة الإسلامية في تركيا؛ ليصبح بعد هذا الوضع أكثر صعوبة حتى وصل الأمر ببعض الشيوخ لإنكار الأمور الحسية التي أثبتها العلم، فنجد بعضهم ينكر دوران الأرض على سبيل المثال، بل ومستدلاً بالقرآن أيضاً، ولكن حسب فهمه هو.
3- تسلُّط الحكام:
وجود هؤلاء الحكام غير المنتخبين من شعوبهم أدى لأمرين رئيسيين؛ الأول: حيث عمل هؤلاء الحكام على توظيف الدين وفق مصالحهم، فقاموا بتعيين شيوخ يصدرون الفتاوى حسب ما يُطلب منهم، وهؤلاء الشيوخ عملوا على إضفاء الشرعية على الحاكم وتغليفها بغلاف ديني، مستندين فيه على أحكام مقيدة كطاعة ولي الأمر، وعدم الخروج عليه، متناسين في السياق نفسه الآيات والأحاديث التي تحض على رفع الظلم وعدم القبول به، وهذا الأمر أدى إلى ردة فعل انعكست في أوساط الشباب الذين أصبح بعضهم يتساءل عن جهل: ما هذا الدين الذي يؤيد الحاكم الظالم وطغيانه؟
أما الأمر الثاني فوجود هذه الفئة من الحكام وشيوخ السلاطين الذين يلتفون حولهم أدى لظهور جماعات العنف والتكفير التي تحدثت عنها في السبب الأول، وفي المحصلة فإن تسلط هؤلاء الحكام أنتج لدينا إما شباباً اتجهوا نحو الإلحاد ورفض الدين، وإما شباباً اتجهوا نحو الجماعات المتطرفة والمتعصبة التي تشوه صورة الإسلام، وكل هذا علاوة على ترك هؤلاء الحكام الباب مفتوحاً لكل مَن يطعن في الدين دون أدنى محاسبة.
4- انتشار الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي:
مع ظهور الإنترنت وبعدها مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح المجال واسعاً لينشر الملحدون الغربيون شبهاتهم في بلادنا بهدف جذب فئة الشباب إليهم خاصة، فعكفوا على إنشاء مئات المواقع والصفحات وقنوات اليوتيوب المليئة بالفيديوهات التي تطعن في الأديان، عموماً ودين الإسلام خصوصاً، وأصبح الإلحاد كالفيروس ينتشر بين فئات الشباب، وخصوصاً من لا يملك خلفية دينية راسخة منهم.
5- التحرر من قيود الدين:
أما السبب الخامس فهو معتمد بالأساس على ما اعتقد الملحد أنه يصب في مصلحته ويحقق رغباته الجسدية فقد توجه بعض الشباب للإلحاد سعياً منهم للتخلص من الرادع الديني، وظناً بأن أحكام الديني تأسرهم ففي فكرة الإلحاد، وعدم وجود إله يحاسب أو حياة أخرى بعد الموت فيها حساب وجدوا راحة نفسية وانعداماً لتأنيب الضمير وأصبح حالهم تنطبق عليه الآية الكريمة: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر).
هذه هي أبرز الأسباب التي أدت لانتشار ظاهرة الإلحاد بين الشباب العرب والمسلمين مع وجود أسباب أخرى كحالة الانبهار بالغرب والتقدم المادي لديهم ومحاولة تطبيق ما حدث في مجتمعاتهم على المجتمعات العربية والإسلامية.
ولعل السبب الثالث من أهم الأسباب لتأثيره المباشر والكبير على معظم بقية الأسباب.
وفي الختام فإن أول ما علينا فعله هو العمل على تجديد الخطاب الديني، ليس بالتمييع طبعاً، كما يطالب البعض، ولكن المقصود بالتجديد هو إزالة ما علق بالدين الإسلامي على مر العصور من الشوائب والعودة للمشكاة الأولى وما أنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونبذ الخرافات والأساطير، كما علينا التخلص من تسلط هؤلاء الحكام وما يفعلونه من إفساد في المجتمعات العربية، وإن لم يحدث هذا في أقصى سرعة ممكنة، فإن أعداد الملحدين في الوطن العربي مرشحة للازدياد والتصاعد التدريجي وبنسب مخيفة قد لا يستطيع أحد بعد ذلك إيقافها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.