بعد مرور 3 أعوام على فض اعتصامي ميدان رابعة والنهضة بمصر، ومقتل المئات من المعتصمين بينهم أطفال ونساء من مؤيدي الرئيس الأسبق محمد مرسي، لم تفتح تحقيقات رسمية، ولم تحدث محاسبة لمن أمر أو شارك في عملية الفض حتى الآن، فهل من الممكن محاسبة المذنب فيها حتى ولو مرت أعوام على الجريمة أم أنها تسقط بالتقادم؟
"عربي بوست" توجهت بالسؤال إلى كبار أساتذة القانون، للتعرف على القواعد القانونية، والسوابق الدولية في مثل هذه الأحداث.
جرائم الإبادة الجماعية
أكد العديد من خبراء القانون، أن قوانين جرائم حقوق الإنسان وكل المواثيق الدولية، تنص على أن الجرائم الجنائية والإبادة الجماعية والقتل العمد، في حالة إثباتها، لا تسقط بالتقادم مهما مر عليها الزمن، والقانون الدولي يحاكم المجرم ولو بعد عشرات السنين.
الدكتور محمد على أستاذ القانون بجامعة أسوان، قال إن جرائم القتل والإبادة الجماعية للمواطنين العزل لا تسقط بالتقادم لو تم إثباتها على المذنب، ويتم معاقبة المتهم أياً كان صفته ومنصبه السابق أو الحالي، "وفي حال ثبوت الجرائم الجماعية والقتل، فإنه من الممكن مقاضاة المتهم أمام المحاكم الدولية، ولكن يجب أن تكون التهمة مقترنة بالدلائل والإثباتات البينة الواضحة".
الطريق إلى ذلك يبدأ بتشكيل لجنة تقصي حقائق في الدولة التي ارتكبت فيها الجريمة، ومن الممكن تحويل القضية إلى محاكمة دولية بعد تقديم دلائل من أقارب وأهالي المجني عليهم.
وأضاف أستاذ القانون إن لجنة تقصي الحقائق سواء المحلية أو الدولية، قد تستغرق سنوات لإدانة الأشخاص، خاصة وإن كانت الدلائل ناقصة.
ميثاق روما للمحكمة الجنائية
وتختص المحكمة الجنائية الدولية بمتابعة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية، وتعني حسب تعريف ميثاق روما، القتل أو التسبب بأذى شديد بغرض إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية إهلاكاً كلياً أو جزئياً.
وكذلك الجرائم ضد الإنسانية، وهي أي فعل من الأفعال المحظورة المنصوص عليها في نظام روما، إذا ارتكب بشكل منظم وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين، مثل القتل العمد والإبادة والاغتصاب والإبعاد والنقل القسري والتفرقة العنصرية والاسترقاق.
وجرائم الحرب، وتعني كل الخروقات المرتكبة بحق اتفاقية جنيف لسنة 1949، وانتهاك قوانين الحرب في نزاع مسلح دولي أو داخلي.
ويمكن للمحكمة أن تنظر بقضايا أشخاص متهمين بارتكاب هذه الجرائم مباشرة، أو آخرين لديهم مسؤولية غير مباشرة فيها، كالمسؤولية عن الإعداد أو التخطيط، أو مسؤولية التغطية عنها، أو مسؤولية التشجيع عليها.
ويرى المستشار طارق البشري قاضي متقاعد وخبير قانوني، إن جرائم القتل والحرق لا تسقط بالتقادم، ولكن فض اعتصام ميداني رابعة والنهضة لم يحدد حتى الآن هل هو جريمة جنائية أو مسؤولية سياسية.
وأضاف البشري، لـ"عربي بوست"، أنه في حال ثبوت الجريمة الجنائية على المتهم، فإنه يتم محاكمته ومطاردته ولو بعد أعوام، متسائلًا ولكن أين الأدلة التى تثبت الاتهامات.
وأكد أحمد راغب، المحامي الحقوقي بمركز هشام مبارك، أن ما تم في اعتصام ميداني رابعة العدوية من قتل وإبادة لا يسقط بالطبع بالتقادم، لأنه انتهاك للأحكام والدستور.
وأضاف راغب، أن القوانين الدولية تنص على محاسبة كل من قتل أو حرق أو انتهك حقوق الإنسان حتى ولو بعد أعوام من ارتكابه الجريمة.
بنود دولية
وتنص بنود الجمعية العامة للأمم المتحدة على أن جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية هي من أخطر الجرائم في القانون الدولي، وتأكيد مبدأ عدم تقادم تلك الجرائم.
وتؤكد الأمم المتحدة أنه لا يسري أي تقادم علي جرائم الحرب الوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر في 8 آب/أغسطس 1945، وكذلك الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، سواء في زمن الحرب أو في زمن السلم.
قائمة هيومن رايتس وتش
وذكرت منظمة "هيومن رايتس وتش"، في تقريرها عن مجزرة رابعة والنهضة المعروض في 2014، المستند لشهادات مائتين من الشهود وعشرات من الفيديوهات والوثائق فى تحقيقات مستفيضة وتفصيلية استمرت عامًا كاملًا؛ أن قيادات مصرية متهمة بارتكابهم جرائم حرب ويجب محاسبتها فوراً.
وكانت الأشخاص التي ذكرها التقرير بتنفيذ والمشاركة في جريمة فض رابعة:
1- وزير الدفاع، في ذلك الوقت عبد الفتاح السيسي، ويشغل حالياً رئيس البلاد: وكان يشغل عدة مناصب فى تلك الفترة، مما منحه دوراً قائداً للقوات الأمنية، ومنها وزير الدفاع، والقائد العام للقوات المسلحة، ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ونائب رئيس الوزراء للشئون الأمنية.
2- وزير الداخلية وقتها اللواء محمد إبراهيم: الذي صاغ خطة الفض في رابعة والنهضة، وأشرف على تنفيذها.
3- مدحت المنشاوي: قائد القوات الخاصة في مصر في ذلك الحين، الذي قاد عملية الفض في رابعة وكان مسؤولاً عن الكثير من الانتهاكات التى وقعت.
كما طلب التقرير محاسبة أسماء أخرى شاركت فى تلك الجرائم، هي:
4- أشرف عبد لله: مساعد وزير الداخلية" لقطاع الأمن المركزي.
5- أحمد حلمي: مساعد وزير الداخلية" لخدمات الأمن العام.
6- خالد ثروت: مساعد وزير الداخلية لأمن الدولة.
7- أسامة الصغير: مدير أمن القاهرة.
8- حسين القاضي: مدير أمن الجيزة.
9- مصطفى رجائي: مدير الأمن المركزي بالجيزة.
10- محمد فريد التهامي: مدير المخابرات المصرية العامة، والمعروف على نطاق واسع بأنه كان ضمن مخططي الرد العنيف على المظاهرات.
11- محمد زكي: قائد الحرس الجمهوري؛ لمسؤوليته عن مذبحة الحرس.
12- صدقي صبحي: رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع الحالي؛ لمشاركته فى الاجتماعات الأمنية رفيعة المستوى التي تمت للتخطيط لفض اعتصامي (رابعة والنهضة)، ولمسؤوليته عن نشر القناصة.
13- محمد حجازي: رئيس المخابرات العسكرية وقتها ورئيس الأركان الحالي، لمشاركته في الاجتماعات الأمنية رفيعة المستوى التي تمت للتخطيط لفض اعتصامي (رابعة والنهضة).
14- عدلي منصور، رئيس البلاد المؤقت، ورئيس مجلس الدفاع الوطني في ذلك الوقت.
15-حازم الببلاوي: رئيس الوزراء في ذلك الوقت.
وأشار خبراء القانون الذين تحدثت معهم "عربي بوست"، إلى أنه لو تم تشكيل لجنة تقصي حقائق وأدانت أي شخص فإنه سيتم مطاردته دولياً.
وأوضح خبراء القانون، أن القانون ينص على تطبيق حكم المؤبد عليه في حال ارتكابه جرائم قتل وإبادة جماعية، ويتم حبسه والحكم عليه حتى ولو كان يشغل منصب في الدولة.
ونوه خبراء القانون، أنه لو تم تقديم للمحكمة الدولية من قبل أهالي القتلى أو المجني عليهم إثباتات وفيديوهات تؤكد ثبوت الجريمة، فإن المحكمة تشكل لجنة تابعة لها وأحكامها تكون ملزمة، متابعين: ولكن الواقع يكون عكس القانون، خاصة وأن المسألة معقدة وجميع الأطراف تقدم دلائل عكسية لذا تطبيق القانون يستغرق عدة سنوات ومن الممكن لا يصل إلى نتائج واضحة.
قضايا مشابهة تم فتحها بعد سنوات
تم الحكم على العديد من زعماء الدول أو المشاركين في القتل والإبادة الجماعية للمدنيين من قبل المحاكم الدولية، بعد مرور أعوام على ارتكابهم للجرائم وكانت أبرزها:
البوسنة والهرسك
أصدرت محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، مارس الماضي، حكماً بالسجن 40 عاماً على زعيم صرب البوسنة السابق "رادوفان كراديتش" المعروف بـ "سفاح البوسنة" بتهمة ارتكاب "الإبادة الجماعية" و9 جرائم حرب أخرى.
وحكم على "رادوفان كراديتش" بعد إدانته بالاضطهاد والإبادة والقتل والتهجير والترحيل القسري باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، وانتهاك قوانين أعراف الحرب".
وفي أعقاب انهيار الاتحاد اليوغسلافي شهدت جمهورية البوسنة والهرسك حملات من قبل الصرب والكروات بهدف التطهير العرقي، واعتبر كراديتش أحد المسؤولين عن هذه الجرائم، وأكبرها كانت مجزرة سربرينيتشا.
إدانة رئيس ليبيريا
وأدين الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور عام 2012، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سيراليون بين 1996 و2002 ليكون وقتها أول رئيس دولة سابق يدينه القضاء الدولي منذ نورمبرغ.
ودشن نشطاء الشبكات الاجتماعية، هاشتاغ تحت عنوان #مجزرة_رابعة، للمطالبة بمحاسبة المسؤول عن قتل المئات من المعتصمين في الميادين، وشارك المدونون العديد من صور القتلى في ذلك اليوم لاستعادة ذكرياتهم تحت عنوان #لن_ننسى.