كنت في هذا اليوم قد قررتُ أن أغلق الفيسبوك لنيل ثواب أجر رمضان كاملاً وكان لديّ الجرأة لفعل هذا وتم إغلاقه.
هممّتُ في رمضان على صلاة التراويح العشرين كلَّ يوم في الجامع؛ كي أكسب الثواب، طلبت يومها أن يعتقني الله من النار وكان أول رمضان.
طلبتُ من الله أن يكرمني بالشهادة، ويرزقني مقاماً عند النبيّ والصديقين رغم أنني أعلمُ أنني لا أستحق، وخجلت من طلبي أمام الله، لكنني طلبته في كل دعاء للقنوت من آخر ركعة للوتر.
كنت أغار من شيخ الجامع كثيراً، علمتُ فيما بعد أنه ليس شيخاً فقط بل هو طبيب ناجح أكرمه الله بعلوم الدنيا والآخرة، وصرتُ أفكر في قرارة نفسي لماذا هو.
بعد مضي سبعة أيام والثامن من رمضان لم أشعر بتلك النشوة التي أصبو إليها، وذاك الخشوع والتذلل والانكسار والاختناق والسعادة والحب لوقوفي بين يدي الله سبحانه، كنت طوال الأيام أحاول البكاء عند كل دعاء وأستجدي الدموع وأفكار تأخذني وأخرى ترجعني، وأقول في نفسي لماذا أنا؟ ليس الشيطان بل هي نفسي فيا نفس توبي ويا نفس رقّي يا نفس اخشعي.
وأخرج أتساءل بيني وبين نفسي لم كل الأفكار تراودني في الصلاة، والله إن عبادتي خالصة له لا أريد شيئاً سوى رضا الله، وأعيد روتين الأيام بالاستغفار وقراءة القرآن الكريم والصلاة، ومارست الصمت الطويل، فكنت أتحدث قليلاً والضروري فقط.
في التاسع من رمضان فتحت حساب الفيسبوك لمدة عشر دقائق، بعد ما أتممت صلاة المغرب، قلتُ في نفسي: "يلّا مو مشكلة بتأخر خمس دقائق" وسرقني الوقت لعشرين دقيقة فقط، وبدأت أسمع تكبيرات صلاة العشاء، فطار عقلي وركضت ارتديت في خمس دقائق كامل لباسي، وذهبت أركض إلى الجامع، نسيت زجاجة الماء وتنورة الصلاة ومصحفي، لم يكن هناك وقت.
وصلت الجامع أتصبب عرقاً وقلبي يخفق، لم يعد هناك متسع لي امتلأ الجامع، أنا التي تأخرت عشر دقائق فقط، وقفت على أحد الأدراج الخارجية للمصلى، وقفتُ مع الكثيرات لنقيم صلاة العشاء، وبدأنا وبدت كلمات سورة الفاتحة تخرج من فم الشيخ، وكأنني أسمعها لأول مرة، وأنا أقف على درجة من درج الجامع، عصف بي حزن شديد زلزلتِ الأرض من تحتي بتُّ أراها سوداء، أرتجف عند السجود، وآخذ نفساً عميقاً عند الصعود للوقوف لركعة غيرها.
في دعاء الصلاة وعندما قال الشيخ: اللهم اعفُ عنا، اللهم أجسادنا ضعيفة لا تقوى على نارك، اللهم ارحم ضعفنا، ذلنا، انكسارنا يا من رآنا على المعاصي عاكفين ولم يفضحنا، نسألك يا الله يا الله، وكررها كثيراً، يا حبيبنا، فرجاً قريباً عن بلاد الشام، إننا مستضعفون فانتصر، هنا بكيت بكاء شديداً، شعرت بالضعف والانكسار، ولم أجد نفسي إلا وقد انتهت الصلاة، وأنا ما زلت أبكي، وأتنهد، أتنهد من البكاء، والجميع أصبح يدقق بي ما بالها؟ ما بها؟
قالت إحدى النساء أنا أراها كل يوم يبدو أنها متأخرة تبكي من أجل هذا.. أدخلوها للداخل، سُحبت من يدي وجلست بمكان في أول صف من آخر زاوية، كان مقابلي باب كبير مغلق، قالت التي بجانبي: سنبدأ بالسنة توقفي عن البكاء مثل أولاد صغار، أسرعي بالسنة لتلحقي التراويح.
وقفت وبدأت قراءة الفاتحة بصمت بيني وبين قلبي، ودموعي تنهمر، كان الباب الذي أمام وجهي باب الجنة المغلق، تأخرت عشر دقائق فقط كانت كافية لوقوفي خارجاً، شعرت بنفسي أنني على أعتاب باب الجنة، ولا أستطيع الدخول، سجدت طويلاً أرجو المغفرة، أرجو من الله أن يحنو عليَّ.
أصبحت لا أرى أحداً سوى قلبي الذي ارتجف من خشية الله، طلبت منه أن يدخلني باب الجنة، أن يمسح بحنانه على قلبي، أن يغفر لي، كانت تلك نشوة الانكسار والرهبة والخشوع لرب العالمين بعد صبرٍ متململ، وأسئلة في رأسي كثيرة، أن الله "جل جلاله".. أحبني أكثر مما أحببته، وأثبتَ لي هذا.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.