في سلسلة ما وراء الطبيعة الشهيرة، هناك أكثر من عدد يتحدث عن زوج وزوجة متشابهين في كل شيء يسافران عبر الكواكب والعوالم الموازية، مرة يذهبان إلى كوكب يشبه كوكبنا تماماً، ولكن يحكمه المغول، ومرة يذهبان إلى كوكب مظلم لا يعرف أهله النور، وأخرى يذهبان إلى كوكب يُباد فيه العرب، ويصبحون مجرد آثار وحفريات.
الموضوع لم يقتصر على "أحمد خالد توفيق" فقط، فالكواكب والعوالم الموازية من أكثر الأشياء التي أثرت الأدب والسينما بمئات الروايات والأفلام، فالأفلام الهوليوودية جعلتنا نزور كوكب القرود ونطير إلى قمر "باندورا"؛ حيث الكائنات طويلة الذيول زرقاء اللون ونضحك مع الكائنات المريخية ذات الرؤوس الكبيرة التي تموت بالموسيقي.. حتى إن الروايات والقصص لم تقصر معنا هي الأخرى، فمنذ طفولتنا ونحن نقرأ ملف المستقبل وسلسلة نوفا، ونشاهد أفلام الرسوم المتحركة التي تتحدث عن السفن الفضائية والرحلات للقمر.
لماذا إذن لم يصنعوا بعد كوكباً خاصاً للنساء؟، فقد رأينا مؤخراً في فيلم (zootopia) مدينة عصرية متكاملة تحيا فيها الحيوانات المفترسة والأليفة معاً بسلام.. ما المانع إذن من كوكب خاص بنا نحن أيضاً؟
تخيل معي منظر السفينة الفضائية، وهي هائمة في الكون السرمدي باحثة عن كوكب يصلح للحياة، أو عن اكتشاف جديد يُضاف لقائمة اكتشافاتهم، فإذا بهم يرون من بعيد كوكباً وردي اللون مُرصعاً بالقلوب والورود واللآلئ ساطعة اللون، وما إن يدخله رواد الفضاء حتى يفاجأوا بأن كل ساكني الكوكب من الإناث، سواء أطفال أو شابات أو عجائز، فهن جميعاً نساء لا يوجد أي ذكر من أي نوع.
فيقرر مَن في السفينة استطلاع هذا الكوكب، فيبدأون بالترجل فيفاجأوا بأن الشوارع كلها مرصوفة بالسراميك والبورسلين، حتى إن عاملات النظافة يستخدمن الصابون والممسحة في تنظيف الشوارع، وهن يربطن شعرهن بإحكام ويتشاجرن مع المارة الذين يدوسون بأحذيتهم المتسخة على الأرض التي لم تجف بعد.. ثم هناك شرطية المرور التي تلبس قبعة ملونة فوق رأسها، بدلاً من كاب الشرطة، وهي تصرخ في رائدة الفضاء (التي لحسن الحظ أنثى هي الأخرى) أن تنتبه، ولا تمر الآن لأن إشارة المرور ما زال لونها (بيج)، ولم تنتقل إلى اللون (الجملي) بعد، ألا ترين أيتها العمياء!!
وما إن فُتحت إشارة المرور حتى لاحظت رائدة الفضاء أن كل وسائل الموصلات عبارة عن دراجات، وهذا اللوح المتحرك المسمى بـ"الاسكوتر"، حتى إن الماشيات على أقدامهن يرتدين هذا الحذاء ذا العجلات الذي يُعرف بـ"الباتيناج" هذا قبل أن تأمرهن عاملات النظافة بالإسراع في المرور حتى يفرشن السجاجيد.
وفي أثناء جولة الضيفة المريبة تفاجأت بمرايا عملاقة في الشارع يقف أمامها البنات والسيدات، وهن يصففن شعرهن ويضعن مساحيق التجميل، وهناك من تغير ملابسها في الزاوية، وأخرى تصبغ شعرها بجوارها، وهناك من تجلس في استجمام في جلسة تدليك، وأخرى تقلم أظافرها.. من الواضح أن صالونات تجميل هذا العالم تفضل الأماكن المفتوحة إذن.
وهناك تلك الآلة المعدنية المتخصصة لصرف العملات التي تخرج من إحدى فتحاتها قطع شيكولاتة، ومن الفتحة الأخرى عبوات (الآيس كريم) التي تحملها الفتاة في عناء بمساعدة صديقتها الجالسة داخل حمام البخار الخاص بصالة الرياضة المجاورة للبنك، فالكوكب هنا لا يعترف بالحوائط والجدران والأماكن المغلقة، لا يوجد ما يخفن منه أو يخجلن من فعله في الخفاء.
حتى إن سماء هذا الكوكب عبارة عن رسومات وبوسترات لبعض المناظر الطبيعية والحيوانات الجميلة، وخاصة القطط، وهناك بعض البوسترات لنجوم سينمائيين يشاهدن أفلامهم أحياناً عبر أقمارهم التجسسية على الكواكب الأخرى.. فهناك بوستر لممثل تركي ما وآخر لممثل هندي، ولوحة مرسمة لمغنٍ وسيم وأخرى للاعب كرة قدم، وهناك من تحتج على تفاهة تلك المنظمات الجاسوسية التي تنقل لنا أخبار هذه الكائنات التي تخلصنا منها بأعجوبة.
هناك أيضاً بعض الاختراعات التي لم ترَها مطلقاً على الأرض ولا في أي كوكب زارته من قبل، فهناك شاشة عرض كبيرة تعرض مشهداً ما تدخله الفتاة بدفع تذكرة من عبوتين كاملتين من (الآيس كريم)، وما أن يبدأ المشهد حتى تبدأ الفتاة في البكاء، وكلما انهارت الفتاة تكرر المشهد من بدايته؛ لكي تبكي أكثر، فالبكاء مهم جداً للنساء كما تعلمون.
وهناك أيضاً تلك الدمية الممثلة بهيئة رجل، والتي تدفع لها الفتاة تذكرة ضخمة أيضاً حتى تبدأ في ضربها وسبها والبصق عليها والصراخ فيها، وكلما تكسرت دمية من جراء الضرب ظهرت دمية جديدة لتضربها الفتاة مجدداً… فالصراخ مهم جداً للنساء كما تعلمون.
ثم رأت رائدة الفضاء ازدحاماً كبيراً في أحد الأركان فجاءت ناحيته لترى أن هناك كاميرات مزودة بشاشات عملاقة في كل اتجاه، حتى تتمكن كل فتاة من أن تصور نفسها ورؤية الصور وحذفها إذا أرادت.. وهناك من تصور نفسها مع شطيرة (الشاورما) أو كوب (النوتيلا) وتضع بجانب الصورة عدداً كبيراً من القلوب الحمراء والملونة، بالطبع لا يوجد هنا قصص حب ولا صور رومانسية مع شريك الحياة، إذن فالطعام هو البديل الأفضل في هذه الحالة.. ظننت هذا واضحاً.
وهناك أيضاً ذلك المكان المغلق الأشبه بقفص الاتهام في قاعات المحكمة، هذه هي أول جدران تراها منذ أن وضعت قدمها في هذا العالم، وما إن اقتربت منه حتى وجدت به رجالاً!!، رجال يبدو عليهم الإرهاق والتعب والمعاناة، من الواضح أنهم كانوا مثلها جاءوا بالصدفة ليكتشفوا الكوكب ثم جاء حظهم العثر في كوكب للنساء فقط، رجال صارت كل المارة تلعنهم بأفظع الصفات وتسبهم بكل اللعنات، فبالتأكيد هناك جد لك كان يعامل جدة لي بطرقة سيئة عندما كنا في كوكب واحد، بالتأكيد أبوك هو من سب أمي وأهانها ودفعها للهجرة بعيداً عن كوكبها، تستحقون هذه المعاملة أيها الأوغاد.
كانت رائدة الفضاء بالفعل تفكر في مغادرة هذا الكوكب فقد رأت منه الكثير.. ولكنها توقفت وصارت تفكر، ماذا إذا ذهبت لكوكب آخر واكتشفت أنه كوكب للرجال فقط؟ ماذا سيفعلون بي وقتها؟ هل سيتركونني وشأني أم سيكون مصيري مثل هؤلاء الرجال؟ بالطبع هناك ثأر ما للرجال ضد النساء سوف يضعونه في عنقي أنا؟ بلا شك سوف ينتقمون، فهم يُسحلون أمامي الآن لما لا يعاملونني بالمثل؟.
ماذا ستفعل رائدة الفضاء المسكينة هذه؟ أعتقد أنها ستفضل الرجوع إلى وطنها دون اكتشاف أي شيء.. ولكنها سترجع ومعها مئات الحكايات التي ربما لن يصدق أحد حرفاً منها، ولكنها ستراهن على هؤلاء الفتيات الحانقات دوماً على الرجال، هيا أيتها المظلومة الراكضة وراء حقوقك منذ سنين في محاكم الأسرة، وأنت أينها الأرملة التي لم يرحمك المجتمع من نظراته أو تعليقاته وتدخله السخيف في حياتك، هناك عالم بعيد عن كل هذا البؤس، عالم ستركضين فيه بالباتيناج وتنزل لك أنهار الآيس كريم من محطات صرف الأموال، عالم بسيط مليء بالألوان والمرح صحيح أنه بلا زواج أو أطفال، ولكن يظل بلا رجال كما حلمتِ دوماً .
وأنت أيها المشمئز دائماً من منظر السيدات البدينات والبنات ذات الملابس الفسفورية ومساحيق التجميل المبالغ فيها، وعنصرية البنات ضد كل ما هو مذكر، قد أتتك الفرصة في كوكب خاص بك ستجلس فيه كالملك تشاهد مباريات كرة القدم وتلعبها مع أصدقائك إلى ما لا نهاية دون إلحاح خطيبتك وطلبات أختك وحزن والدتك الدائم على حالك.
ولكن لماذا يتعين علينا السفر لمئات الأميال والسنين الضوئية من أجل هذه الأشياء؟ رغم أنها مغريات رائعة بلا شك، ولكنها تظل رفاهيات أرضية نفعلها منذ أن خُلقنا؟ إذا كان كوكب بطبيعة خلابة أو كائنات جميلة أو تطور تكنولوجي يسبقنا بمراحل لحزمنا أمتعنا على الفور.. ولكن سنلقي كل شيء خلف ظهورنا من أجل أن نعيش مع نفس جنسنا ونفعل نفس الأشياء التي نفعلها هنا ولكن بحريات أكبر؟.
صحيح أن هذه الحريات أصبحت تكلفنا ثمناً باهظاً ما إن فعلناها هنا، ولكن لماذا لا نحارب من أجل أن نفعل ما نقتنع به وحسب؟ لماذا لا نضع حدوداً لتدخل الآخرين في حياتنا ونحيا حياة طبيعية دون تذمر وشكاوى ضد الطرف الآخر طوال الوقت؟ ما العيب إذا صنعنا بأنفسنا كوكبنا الخاص ومساحتنا الشخصية التي نمارس فيها كل هوايتنا دون أن ندع الآخرين يخربون علينا هذا؟.
ما المانع إذا اقتنعت المرأة أن الرجال التي تهاجمهم طوال الوقت هم بشر وليسوا ملائكة، كما أن فيهم الطالح مثل الأمثلة التي تعرفها، أيضاً هناك الصالح الذي مع الأسف لا تستطيع رؤيته بسبب التعميم الذي قررت انتهاجه؟، وما المانع إذا اقتنع الشباب أن النساء اللاتي ينتقدهن لقلة جمالهن أو لمحدودية ذكائهن لن يجلب لهن سيدة الأقمار السبعة وملكة جمال الكون، هذا لأن كل نساء الدنيا باختلاف طباعهن وجنسياتهن لهن قوانينهن الخاصة في الحكم على الأشياء والتصرف في الأمور النابع من جيناتنا العاطفية التي خلقها الله بنا ولم نضعها في أنفسنا عن عمد؟.
الله عز وجل كان يستطيع أن يخلق الكون كله إناثاً بلا ذكر واحد أو العكس، كان سبحانه يقدر على أمرنا بالعزلة وتكوين مجتمعات أحادية الجنس، ولكنه عز وجل خلقنا معاً لنتشارك سوياً أمور حياتنا، لقد أنعم علينا بنعمة الاختلاف والتنوع ليكمل بعضنا بعضاً، وليس للعن كل جنس للجنس الآخر، دائماً بسبب أخطاء رآها كل طرف على الآخر فقرر أن يعمم التجربة؟.
صحيح أن كوكب البنات كان رائعاً ومذهلاً لدرجة أني تمنيت لو كان حقيقة، كما أن كوكب الرجال كان لا يقل عنه متعة وإثارة، لكنه في النهاية يظل مجرد فانتازيا، جزءاً آخر من (zootopia) أو (Planet of the Apes) أو مغامرة أخرى لـ (Alice in Wonderland) في عوالمها السحرية، أو ربما أرض جديدة لـ(سالم وسلمى) من الممكن أن يقصها علينا العجوز "رفعت إسماعيل" في أعداده القادمة.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.