هل تخذل أميركا المعارضة السورية المسلحة؟.. قلق من انقطاع خطوط الإمداد

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/07 الساعة 15:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/07 الساعة 15:57 بتوقيت غرينتش

بالرغم من التقدم الكبير الذي حققته المعارضة السورية المسلحة ميدانياً في حلب وفكها للحصار المفروض عليها عدة أسابيع، وتمكنها من الحصول على بعض الأسلحة والذخائر المملوكة لقوات بشار الأسد في مدرسة المدفعية، إلا أن هنا تخوفات من توقف الدعم العسكري المقدم لها.

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أشارت إلى أن وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA) والسعودية، ساعدتا المعارضة السورية المسلحة بتزويدهم بصواريخ مضادة للدبابات عام 2015، وقالت تقديرات الاستخبارات في واشنطن، بأن الرئيس السوري بشار الأسد يفقد سيطرته على مقاليد الحكم.

لكن وصول الروس، وإمطارهم قوات المعارضة المدعومة من الاستخبارات الأميركية بالقصف الجوي، أجبرهم على الانسحاب

والآن يقول قادة المعارضة، الذين يحاولون التشبث بأحيائهم المحاصرة من قبل النظام في مدينة حلب، إن شحنات الصواريخ المضادة للدبابات على وشك النفاذ.

أفغانستان

للمرة الأولى منذ قتال أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، قاتل الجيش الروسي طوال العام الماضي قتالاً مباشراً ضد قوات المعارضة المدرّبين والمجهّزين على يد الاستخبارات الأميركية.

بينما انتصر المقاتلون الأفغان على الروس، لكن هذه المرة تبدو مختلفة.

مايكل كوفمان، الزميل بمركز وودرو ويلسون في واشنطن، يقول: "لقد ربحت روسيا حرب الوكالة، على الأقل للوقت الحالي".

نجاحات روسيا في ساحة القتال السورية أعطت موسكو -المعزولة من قبل الغرب بعد استيلائها على شبه جزيرة القرم وانتهاكاتها ضد أوكرانيا- مزيداً من النفوذ في قراراتها بشأن مستقبل الشرق الأوسط.

تجري إدارة أوباما الآن محادثات مع حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن خطة لمشاركة المعلومات الاستخباراتية وتنسيق الهجمات الجوية ضد الدولة الإسلامية "داعش" وجماعات مسلحة أخرى في سوريا.

ولقد حقق بوتين حتى الآن أهدافه في سوريا بدون السقوط في مستنقعٍ لطالما تنبأ الكثيرون، ومن ضمنهم أوباما، بسقوطه فيه.

لكن أوباما أعرب عن قلقه بشأن إبرام صفقة مع موسكو، إذ قال في مؤتمر صحفي الخميس: "لست متأكداً من إمكانية الوثوق في الروس أو فلاديمير بوتين. عندما تحاول إبرام أي نوع من الصفقات مع شخص كهذا أو دولة كهذه، فلابد أن تدخل في الأمر ببعض الريبة".

في الوقت ذاته، يشير بعض الخبراء العسكريين إلى أن بوتين قد ألزم روسيا بعبء دعم الجيش السوري، الذي قد واجه الكثير من الصعوبة في الانتصار على المعارضة المسلحة بمفرده.

النصرة هي المشكلة

بدأت الحملة الروسية في سبتمبر/أيلول 2015، بعد شهرٍ من هجمات الجماعات الثورية التي سيطرت على مناطق جديدة في إدلب، حماة واللاذقية، شمالي سوريا.

كانت هناك مشكلة بالنسبة لواشنطن: فهذه الجماعات قاتلت أحياناً جنباً إلى جنب مع جنود من جبهة النصرة، والتي كانت مرتبطة رسمياً حتى وقتٍ قريب بتنظيم القاعدة.

باغت الهجوم جنود الجيش السوري، وأثار مخاوف موسكو ودمشق بأن حكومة الأسد، المدعومة من قبل الروس، ربّما تكون في مشكلة حقيقية.

بعض الجماعات الثورية تفاخرت وقتها بكون الصواريخ المضادة للدبابات التي وفرتها الاستخبارات الأميركية والسعودية عاملاً أساسياً في انتصارهم.

لبضعة أعوام، انضمّت الاستخبارات الأميركية إلى جانب استخبارات عدة دول عربية في تسليح وتدريب المعارضة في قواعد عسكرية بالأردن وقطر، بتمويلٍ أغلبه يأتي من المملكة العربية السعودية.

رفض متحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التعليق بشأن أي دعم أميركي لثوار سوريا.

لكن المقدّم فارس البيوش، مهندس الطيران السابق وقائد جماعة فرسان الحق الحالي، قال في حوارٍ في مايو/أيار 2015، إن جماعته ستستقبل شحنات جديدة من الأسلحة المضادة للدبابات، ما إن تنفذ الصواريخ، قائلاً: "إننا نطلب الذخيرة والصواريخ، ونحصل على أكثر مما طلبناه".

أكثر براعة

لكن التقدّم العسكري خلق مشاكل بين الجماعات الثورية المتنازعة، إذ سمح لجبهة النصرة بالسيطرة على مزيد من بقاع شمال سوريا.

وقد أعلنت إدارة أوباما رسمياً حظر أي تسليح أو تدريب لمقاتلي جبهة النصرة. لكن جبهة النصرة قد أظهرت في أوقاتٍ عدة براعة أكبر ضد قوات الحكومة السورية من الجماعات الأخرى الدعومة من الاستخبارات الأميركية.

ليس ذلك فقط، بل قد أظهرت أيضاً استعدادها لتدمير أو تحييد المعارضة المسلحة المدعومين من الاستخبارات ممن يرفضون التحالف مع الجماعة في ساحة المعركة.

اتّخذت موسكو نجاحات جبهة النصرة ذريعة لتدخلها العسكري في سوريا، بصفته حملة مكافحة للإرهاب، حتى وإن كان هدفها الأساسي هو تدعيم جيش الأسد ضد الجماعات المتمردة، ومن ضمنها المدعومة استخباراتياً من الأميركيين.

بدأ الروس تعبئة عسكرية سريعة في سبتمبر/أيلول 2015، وحملة جوية استهدفت الجماعات السورية الثورية التي تشكل تهديداً مباشراً لحكومة الأسد. وبحلول منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2015، كانت روسيا قد صعّدت هجماتها الجوية لتصل إلى 90 ضربة جوية في بعض الأيام.

حوالي 600 من جنود المارينز الروسي وصلوا إلى سوريا، مهمتهم حماية القاعدة الجوية الرئيسية في اللاذقية؛ وقد ارتفع عدد القوات البرية إلى 4 آلاف في أنحاء سوريا، من ضمنهم بضع مئات من أفراد القوات الخاصّة.

هل تغوص روسيا في الشرق الأوسط؟

تطلّب الأمر بعض الوقت لكي يحدث التدخل الروسي أثراً كبيراً في ساحة القتال السورية، وهو ما دفع بأوباما إلى التنبؤ بأن موسكو ربما تغوص قدمها في صراعها بالشرق الأوسط. في مؤتمره الصحفي بأكتوبر/تشرين الأول 2015، قال أوباما: "محاولة روسيا وإيران دعم الأسد وتهدئة الشعب ستجعلهم فقط يغوصون في مستنقع، ولن تفلح. وسيبقون هناك لفترة إن لم يسلكوا مسلكاً آخر".

لمجابهة التدخل الروسي، تحركت الاستخبارات الأميركية، وزودت الجماعات المسلحة ببضع مئاتٍ إضافية من الصواريخ.

أحد قادة المعارضة المسلحة، والذي تحدّث بشرط عدم الإعلان عن هويته بسبب تهديدات الجماعات الأكثر تطرفًا داخل التحالف الثوري، قال في أكتوبر/تشرين الأول 2015، إنّ جماعته في ذلك الوقت كان بإمكانها الحصول على القدر الذي تشاء من الصواريخ. قال: "الأمر أشبه بشيكٍ فارغٍ. فقط اكتب الرقم".

لكن القوة العسكرية الروسية أنهكت الجماعات الثورية في شمال سوريا، وفي نهاية المطاف. وبحلول بداية عام 2016، نجحت هجمات الطائرات قاذفة القنابل، والنفاثات المقاتلة، والطوافات المروحية وصواريخ الكروز في إفساح المجال للجيش السوري ليعكس الكثير من مكاسب المعارضة المسلحة، ويسيطر على مناطق قريبة من الحدود التركية ظنّ الكثيرون أن الحكومة السورية لن تتمكن أبداً من استعادتها.

استمر تدفق أسلحة CIA، لكن الأسلحة كانت أقل من اللازم لمواجهة الهجوم الروسي الشرس.

جيفري وايت، ضابط سابقٌ بوكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية، والذي يدرس الآن الوضع السوري بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، قال إن الروس قد أنشأوا شبكة استخباراتية قوية في سوريا، أعطتهم فهماً أفضل لطبيعة الأرض ومواقع الجماعات الثورية. مكّن ذلك الروس من شنّ ضربات جويّة دقيقة أكثر فعالية ضد المعارضة المسلحة.

وقد كان عدم التكافؤ العسكري في أوجه في الشهور القليلة الماضية، إذ حاصرت القوات السورية بمساعدة روسية المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة في حلب. وسيتكون ضربة قوية للثوار في حالة خسارتهم لمناطق سيطرتهم في أكبر المدن السورية.

سحق حلب

وقد نفّذت الطائرات السورية والروسية عملية سحقٍ عشوائية لحلب، من ضمنها هجمات على على 6 مستشفيات داخل وحول المدينة على مدار الأسبوع الماضي، طبقاً لتصريح منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان.

ويدني براون، مدير برامج المنظمة، قال: "منذ يونيو/حزيران 2016، رأينا أخباراً متزايدة عن هجمات عن المدنيين في حلب، وضربات موجهة للبنية التحتية الطبية المتبقية في القطاع. كل اعتداءٍ يمثل جريمة حرب".

وقد تمكنت جماعات المعارضة المسلحة في الأيام المنصرمة، من تحقيق مكاسب مدهشة في هجوم جديد يستهدف كسر الخطوط العسكرية المحاصرة لحلب.

مؤخراً، قال قادة المعارضة المسلحة في عدة مقابلاتٍ، إن تدفق الأسلحة الأجنبية التي يحتاجونها لكسر الحصار قد تباطأ.

مصطفى الحسين، عضو جماعة صقور الجبال المدعومة استخباراتياً، قال: "إننا نستهلك معظم أسلحتنا في معركتنا من أجل حلب"، مشيراً إلى تقلص كمية الأسلحة الواصلة إلى الجماعة في الأشهر الثلاثة أو الأربعة الأخيرة. "الآن نطلق النار فقط عندما يكون الأمر ضرورياً وعاجلاً".

قائدٌ آخر من القسم 13، الجماعة الثورية المدعومة من الاستخبارات الأميركية، العاملة في إدلب وحلب، قال إن جماعته لم تتلق أي صواريخ لأسبوعين.

وقال: "لقد قدّمنا طلباً لنحصل على صواريخ مضادة للدبابات من أجل جبهة حلب"، لكن الرد الذي وصله أفاد بخلو المخازن منها.

يقول قادة المعارضة والخبراء العسكريون، إن الخطر الأكبر يتمثل في إمكانية انقطاع خطوط الإمداد الأكثر أهمية، القادمة من تركيا.

إيميل حُكيّم، المحلل لشؤون الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، والمعارض للأسد، قال إن "الولايات المتّحدة تفعل ما يكفي بالكاد لتهدئة حلفائها وشركائها، وتقول إنها تفعل شيئا، لكنها لا تسعى إلى فعل ما يتطلبه تغيير الأوضاع في ساحة القتال".

لقد حقق بوتين الكثير من أهدافه الكبرى، دعم حكومة الأسد، والحفاظ على الولوج إلى القاعدة البحرية الروسية المطلّة على البحر المتوسط، واستخدام سوريا كساحة تجريبية للتكنولوجيا الروسية المتقدّمة.

يظل بعض الخبراء العسكريين متفاجئين من اتخاذ بوتين لهذه المخاطرة، ومحاربة القوات ذات التدريب والتسليح الأميركي مباشرة، لكنهم يقدّرون أيضًا أن مقامرة بوتين يبدو أنّها في طريقها للنجاح.

إن الحرب في سوريا نوعٌ من معارك الحرب الباردة التي أصر أوباما في أكتوبر/تشرين الأول على عدم رغبته في دخولها.. "إننا لن نحول سوريا إلى حربٍ بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا. فهي ليست رقعة شطرنج لمباراة بين القوى الكبرى".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة new york times الأمركية . للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد