حين بدأت نهاري بفنجان قهوة بلا سكر

فأنا امرأة عاشت آخر خمس سنوات وهي تبكي بشكل يومي، أنا أكثر شخص كان قادراً على حبس دموعه، لم أعد قادرة على ذلك اليوم فقد أكون في الطريق وتنهمر دموعي، كنت أستيقظ بابتسامة للمرآة، اليوم لا مرآة لديَّ فقد كسرت في آخر تفجير، كنت أبدأ نهاري بتفاحة خضراء، اليوم أبدأ نهاري بفنجان قهوة بلا سكر عله يخفف مرارة الصباح

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/05 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/05 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش

منذ عدة أيام اتصلت بي سيدة مصرية جميلة ولطيفة، طالبة مني الانضمام لفريق الكتابة على موقعها، وقد لخصت لي موقعها بعدة كلمات: (إنه موقع موجه للمرأة ليصل صوتنا للعالم)، وقد جعلني لطفها الشديد وذوقها العالي غير قادرة على رفض طلبها، فالمصري يتميز بقدرته على الإقناع، فمن منا لم يبكِ أثناء مشاهدة فيلم مصري، أو سماع أغنية مصرية، من منا يستطيع إنكار حفظه لمئات الأغاني من شارات المسلسلات، التي شاهدناها وصدقناها.

أحببت أن أتصفح الموقع كي أرى مواضيعه، فوجدت مواضيع تتناول المرأة واهتماماتها، مدارس الأولاد، وكيفية الاهتمام بالصحة، والانضمام لورشات الدعم النفسي، موقع جميل ومفيد، فيه روح المدنية، واللون الزهري لافت فيه، فالنساء ملونات سواء بثيابهن أو نفسياتهن، فكما تعلمون فالمرأة هي التي تعلن بداية الحداد، ونهايته، بداية العيد، ونهايته، هي التي تفتح النوافذ صباحاً وتعلن أن الليل انتهى، وها هو صباح جديد ينادينا للحاق به والانطلاق نحو يوم جديد، وبالعودة للموقع فهو يتميز بالرقة واللطف, فحين زرته كانت النساء قد صمن رمضان، وحضرن الإفطار معاً، وصنعن حلوى العيد معاً، وبعثن أبناءهن إلى نفس المدرسة، وقفت أتأمل كل هذا الأمل في الموقع، والابتسامات اللطيفة، شعرت بالأسف من أن ألوّث هذا الجمال بألواني السوداء والرمادية، فأنا امرأة عاشت آخر خمس سنوات وهي تبكي بشكل يومي، أنا أكثر شخص كان قادراً على حبس دموعه، لم أعد قادرة على ذلك اليوم فقد أكون في الطريق وتنهمر دموعي، كنت أستيقظ بابتسامة للمرآة، اليوم لا مرآة لديَّ فقد كسرت في آخر تفجير، كنت أبدأ نهاري بتفاحة خضراء، اليوم أبدأ نهاري بفنجان قهوة بلا سكر عله يخفف مرارة الصباح، كنت أذهب إلى العمل وأنا كلي حماس للفرشاة ومزَاجة الألوان، كنت أحفظ وجوه طلابي قبل أسمائهم، اليوم أتحاشى حفظ أسمائهم ووجوههم، خوفاً من سماع خبر مؤسف عنهم كفاني مَن فقدت منهم حتى الآن، وأي حماس لعمل لا أعرف جدواه في بِركة الدم التي نعيش فيها، فكم فناناً فقد إرثه الفني في هذه الحرب التي بلا قلب، فكيف لي بوضع اللون على القماش الأبيض، وإقناعه بالبقاء؟ كيف لي أن أوقف هذا الشاب لينهي لوحته وأنا أعلم أن قدومه كل يوم للمرسم هو مجازفة بحياته؟ كيف سأقنع هذه الشابة أن اللون الأحمر هو اللون الأجمل، وما زال قميص أخيها مضرجاً به؟ نعم أنا امرأة عاشت الحرب ولا أعرف ما الذي سأكتبه بعيداً عن الحرب، فالحفاظ على الحياة يسحب كل طاقاتك، لم يعد تحضير الطعام مهماً بقدر وجوده، لم يعد ديكور البيت مهماً بقدر وجود البيت أصلاً، فمدننا مهدمة، والآلاف بلا مأوى، نوعية المدارس لم تعد مهمة بقدر وجودها، فآلاف الأطفال مهددون بالأمية (أدع الأرقام للمختصين)، لقد تمزقت البلاد وتمزق داخلنا أكثر، وقد تجدوننا جالسين في أحد المقاهي نشرب القهوة أثناء هدنة ما لا نعرف متى ستخترق، وتتناثر كلمات القصيدة مع أشلاء الشاعر في أرجاء المكان.

ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد