عن هؤلاء البائسين

لا نطالبكم بالكثير، فقط نطالبكم بحقوقنا كجيل حلم بالتغيير، وتمنى الأفضل لكل مَن هو شريك لنا في أرض الوطن، كجيل فقد الكثير من أحبته و"شال الهمّ بدري"، ليس بكثير علينا أن نحظى بفرصة تعليم وعلاج وأمان وسلام نفسي، بفرصة عيش وحرية وعدالة اجتماعية، التي قد سبق ودفع ثمنها الكثير من أحبتنا الذين هربوا وتركونا لنكون بائسين.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/02 الساعة 07:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/02 الساعة 07:35 بتوقيت غرينتش

في الحقيقة أنا لا أعرف من أين يجب أن أبدأ، ومن أين بالتحديد يجب أن أحكي وأشارككم ذلك الإحساس البشع الذي يسمى البؤس، وهو ما صار الرفيق الدائم لمَن هم في جيل العشرينات والثلاثينات، ذلك الضيف الثقيل عديم الكرامة، المصر على البقاء معنا بالرغم من "بؤسنا منه"، فلا تتعجب عندما تسمع أننا بئسنا البؤس للأسف، وحالنا أصبح "يصعب على الكافر".

وحتى لا أستسلم لمرض المبالغة الذي أمتلكه في وصف الأشياء، فسوف أقطع على نفسي هذا وأدخل في الموضوع على طول، أعتقد أن البؤس هو آخر درجات الأحاسيس البشعة أياً كانت؛ حيث يسبقه كل من الإحباط والحزن وفقدان الأمل وانعدام الثقة وغيرها، فلكل منها درجة وسبب أدى إليها، فيكفيني أن أقول لك إن منا مَن فقد ثورته، ومنا مَن سُجن منه حلمه في صندوق انتخابات لمن هم فوق الخمسين عاماً، ومنا مَن ضاع عمره في المواصلات والطوابير والروتين، ومنا مَن ابتعد عن حبه وحلمه في الزواج ونعمة الرفيق بسبب جيش من الأموال الذي يجب أن يوفره عشان "يعدّي المانش"، ويصنع المعجزة ويتزوج، "ومنا ومنا….".

كل هذا جعل منا جيلاً يرعاه البؤس، جيلاً بروح وسن شباب، ولكنه مستهلك كالعواجيز، فلا تتعجب عند رؤيتك لجملة "أصل أنا ما عنديش طاقة" بشكل كثير وملحوظ على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يستخدمها عدد كبير منا، لإخراج كل ما بداخلنا من أحاسيس مُرة أو حلوة، فهي مكان "للفضفضة" بشكل عام، ولكن في كل الأحوال يجب أن نحمد الله لوجود مكان للتنفيس "أصل لولاه كنا انفجرنا".

عند طفولتي ومروري بسن المراهقة التي كانت تسبق ثورة 25 يناير/كانون الثاني، كان لا أحد يسمع كثيراً عن فكرة الانتحار، التي أعتقد أنها أصبحت "موضة" هذه الأيام، لا أريد أن أسخر أو أقلل من حجم المشاكل التي قد تعرض لها تلك الروح التي قررت الانتحار في هذه الأيام، إلى أي وضع مظلم وبائس قد وصل إليه هؤلاء المساكين، ليتركوا بؤسهم ويذهبوا كافرين بربهم.. لعل الله يسامح ضعفهم ويسامحنا جميعاً، ولكن المثير هنا للشفقة مَن كان السبب في ذلك، وإلى أي مجموعة ينتمون هم ليصلوا إلى ذلك البؤس، هل هم مَن فقدوا حبهم؟ أم حلمهم؟ أم إحساسهم بالإنسانية؟!

"نفسي أسافر" هذا هو لسان حال الناجين من الانتحار والمتمسكين بكلام ربهم، متمنين الرحيل إلى مكان ما في العالم لا يستطيع ذلك "البؤس" الوصول إليه، مكان يقدّر الإنسانية ويحافظ عليها، مكان يسمع للأحلام ويعطيها حلولاً للتحقيق على أرض الواقع بدلاً من كونها مجرد تغريدة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، التي وجد أصحابها مكاناً وبيئة مناسبة لكتابة أحلامهم بها ومشاهدة تعليقات الأصدقاء عليها والتأمل بها، ثم يقف الحلم عند ذلك العالم الافتراضي.

لا نطالبكم بالكثير، فقط نطالبكم بحقوقنا كجيل حلم بالتغيير، وتمنى الأفضل لكل مَن هو شريك لنا في أرض الوطن، كجيل فقد الكثير من أحبته و"شال الهمّ بدري"، ليس بكثير علينا أن نحظى بفرصة تعليم وعلاج وأمان وسلام نفسي، بفرصة عيش وحرية وعدالة اجتماعية، التي قد سبق ودفع ثمنها الكثير من أحبتنا الذين هربوا وتركونا لنكون بائسين.

أعتقد أن طوق النجاة الوحيد لنا وطريق الخلاص من ذلك "البؤس" لحين يبتّون في أمرنا هو الحب، حيث في هذه الحالة الحب هو المسكن والحضن وسفينة نوح، التي ستنتشلنا من الطوفان وتحمينا من الغرق لحين مجيء العدل والخير الذي نحلم به ونتمناه؛ لذلك تمسكوا بمن تحبونهم، واستغلوا آخر ما تبقّى لديكم من نَفس وطاقة لتحافظوا عليهم، وتذكروا تلك المقولة دائماً: "أسوأ ما يصيب الإنسان أن يكون بلا حب".

ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد