يواصل النظام السوري وحلفاؤه الروس القصف العنيف للمستشفيات والمرافق ومستودعات المساعدات في مدينة حلب التي تسيطر المعارضة على نصفها، بحسب ما ذكره مسئولون معارضون وعمال الإغاثة الذين قالوا أنهم بذلوا جهوداً متضافرة لإجبار السكان والمجموعات المعارضة على التراجع بسرعة.
ونجح النظام في شهر يوليو/تموز الماضي 2016 في محاصرة وقطع الطريق عن الجانب الغربي من المدينة والذي تسيطر عليه المعارضة بعد محاولات استمرت لأكثر من عامين.
وبحسب مسئولي وعمال الإغاثة، فقد أدى القصف المتواصل منذ ذلك الحين للبنى التحتية إلى تدهور الأوضاع الإنسانية لأكثر من 300 ألف شخص يعيشون تحت الحصار.
وبحسب الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة، من المتوقع أن تنفد الإمدادات الغذائية داخل المدينة خلال أسابيع قليلة فقط، حسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.
حقيقة الممرات الإنسانية
يقول محمد الزين، مسؤول المجلس الطبي المكلف بالإشراف على مستشفيات حلب في الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة "ما يحدث الآن يهدف لكسر إرادة المعارضة".
وأضاف "الطائرات الحربية لا تضرب معاقل فصائل المعارضة، بل تستهدف البنى التحتية لخلق شعور الهزيمة والاستسلام لدى المعارضة".
في المقابل، قال الجنرال سيرجي روتسكوي، أحد أبرز قادة العمليات الروسية في سوريا، أن المقاتلات الروسية لا تقصف أهدافاً مدنية، وأنه قد تم فتح سبعة ممرات في محيط حلب للسماح بخروج السكان، كما أضاف أن الجنود الروس أوصلوا المنتجات الغذائية والدواء للمدينة.
ويقول قادة المعارضة وعمال الإغاثة أنه لم يتم فتح أية ممرات إنسانية للمدنيين لمغادرة الجانب الذي تسيطر عليه المعارضة
يوم الأحد 31 يوليو/تموز 2016 ، وفي محاولة لكسر الحصار، قامت فصائل معارضة بإطلاق هجوم ضد قوات النظام عند الأطراف الجنوبية للمدينة، وقام البعض بإحراق الإطارات التي ملأت السماء بالأدخنة السوداء في محاولة لمنع طائرات النظام والطائرات الروسية من قصف المعارضة.
وفي مقابلة تلفزيونية للرئيس السوري بشار الأسد في يوليو/تموز 2016، قال "يواصل جيشنا التقدم في حلب وضواحيها من أجل تطويق الإرهابيين"، وهي الكلمة التي يستخدمها النظام للحديث عن المعارضة.
وفقاً لتقرير الصحيفة الأميركية فإن النظام السوري يؤمن أنه وحلفاءه قد انتصروا في حرب حلب، بحسب مصادر داخل التحالف الشيعي في سوريا، والذي يتضمن إيران وحزب الله، بالإضافة للحكومة السورية.
وذكر مصدر أن الروح المعنوية لمقاتلي المعارضة في حلب –المحاصرة حالياً- ستتراجع، وسيصل الأمر في النهاية إلى قبول مقاتلي المعارضة بالتوصل إلى اتفاق يسمح للنظام السوري باستعادة السيطرة على المدينة.
قبل الحرب، كانت حلب تعد العاصمة التجارية لسوريا وأكبر مدنها، ولكن منذ عام 2012 انقسمت المدينة بين المعارضة والنظام.
وتسيطر المعارضة على النصف الغربي من المدينة، والمحاصر منذ 17 يوليو/تموز 2016، عندما قامت قوات النظام بدعم خارجي شيعي ودعم الطيران الروسي باستعادة السيطرة على طريق الكاستيلو وقطع طريق الإمداد الوحيد للجانب الذي تسيطر عليه المعارضة. ومنذ ذلك الحين، قُصِفت خمسة مستشفيات طبية ومعهد للتدريب الطبي، بحسب ما ذكره محمد الزين.
قصف المشرحة الوحيدة
وقال الزين أنه منذ قصف المشرحة الوحيدة بالمدينة منذ أكثر من أسبوع، تُترك الجثث في مداخل العدد القليل المتبقي من المستشفيات، وتبحث العائلات عن ضحاياها بين المستشفيات، متفقدين جميع الجثث. وبنهاية اليوم، يتم دفن من لم يجر التعرف عليهم.
كما قُصف أيضاً عدد كبير من سيارات الإسعاف مما جعلها غير صالحة للاستخدام، ما أجبر سكان المدينة على نقل المصابين في الجانب الخلفي من سيارات البيك آب، وفي سيارات الأجرة وحتى الدراجات النارية.
وفي 24 يوليو/تموز 2016، ضربت غارة جوية أحد مستودعات الإغاثة الإنسانية، ما أدى إلى أصابة ثلاثة من عاملي الإغاثة، وتدمير 10 آلاف حاوية غذائية، بحسب برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ومنظمات إغاثة محلية ودولية أخرى. وقبل إغلاق طريق الكاستيلو، كان برنامج الغذاء العالمي قد خزن غذاءً يكفي 117 ألف شخص لمدة شهر.
يوم الإثنين الماضي، انتهت مهلة السلام الموسعة للأمم المتحدة في سوريا. وكانت الخطة تقضي بوقف إطلاق النار، وبداية عملية انتقال سياسي، بالإضافة إلى وصول المساعدات الإنسانية دون قيد للمناطق المحاصرة.
وقالت الأمم المتحدة الإثنين 1 يوليو/تموز 2016 أنها تشعر بالانزعاج من أنباء القتال الكثيف في ظل حصار المدنيين في حلب مع وجود قدر ضئيل من الاحتياجات الأساسية.
وقال ستافان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة لسوريا خلال الأسبوع الماضي "في حلب.. سمعنا أنه على الأغلب لم يتبق من الإمدادات سوى ما يكفي لأسبوعين أو ثلاثة فقط، بالإضافة إلى قصف مستودعات الإغاثة، والمرافق الطبية والمخابز. الوضع الإنساني مقلق ويزداد سوءاً".
وكان مجلس المعارضة المحلي ومنظمات الإغاثة المحلية تستعد لحصار يمتد لأشهر من خلال تخزين الأطعمة وزراعة حدائق الأحياء، إذ رأوا عدم وجود جهود دبلوماسية لمنع أكبر حصار في سوريا.
لا يوجد إنتاج زراعي
وفي الوقت الذي كانت فيه المناطق المحاصرة وسط الصراع في سوريا قادرة على البقاء لعدة سنوات، يبدو أن الأوضاع تتدهور سريعاً في حلب.
يقول ألون مكدونالد، المتحدث باسم منظمة Save the Children "بخلاف بعض المناطق الأخرى المحاصرة في ريف دمشق، لا يوجد إنتاج زراعي كبير في مدينة حلب، لذلك فهي تعتمد بشدة على ما يأتيها من خارج المدينة".
وفي الأمم المتحدة، دعا مسئولون غربيون روسيا إلى الضغط على النظام السوري لإيقاف القصف الغارات الجوية على المدنيين، على الرغم من اتهام روسيا نفسها من جانب منظمات حقوق الإنسان بقصف المستشفيات والمرافق المدنية.
عبد الفتاح حمود، وهو أب لطفلين ويعيش في حلب، قال أنه تماماً مثل أغلب السكان، لم يكن مستعداً للحصار.
ففي الوقت الذي أصبح فيه من الواضح أن قوات النظام ستتقدم وتقطع الطريق، كان هناك حصارٌ سارٍ بالفعل بسبب الغارات الجوية ونيران القناصة على طريق الكاستيلو.
وقال حمود أن كل ما كان لديه هو بضعة أرطال من الأرز والبرغل وزيت الزيتون. ويقف سكان المدينة في طوابير لساعات يومياً للحصول على فرصة شراء كيس من السكر فقط.
وأضاف "أطفالي معتادون على أن يفتحوا الثلاجة ليجدوها ممتلئة بالفاكهة والخضراوات. الآن لا شيء فيها سوى الماء. والآن يقولون لي: أبي، نحن نكره هذه الثلاجة، نريد ثلاجة جديدة. ماذا يمكنني أن أخبرهم؟ هم لا يفهمون ما يعنيه الحصار".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.