قالت الكاتبة نتالي نوغايريد في مقال لها نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن أغلب الساسة الأوروبيين انشغلوا بالأحداث التي تجري في أوروبا عما يحدث في مدينة حلب السورية الواقعة تحت القصف والحصار.
وأشارت الكاتبة في المقال الذي نشر تحت عنوان "القوات التي تحاصر حلب تعتمد على خلافاتنا".
أن نظام الأسد نجح أخيراً في تطويق حلب بدعم المقاتلات الروسية والقوات البرية الإيرانية المعاونة وبذلك حاصروا ما يقرب من 300 ألف مدني داخلها، وقالت على الأوروبيين ان يتذكروا ما جرى من حصار سراييفو ثم مذبحة سربرينيتسا قبل 21 عاماً.
مشيرة الى أن هناك علاقة واضحة بين أوروبا التي تعاني من موجة من الهجمات ومدينة حلب التي تعاني مأساتها الخاصة تحت الحصار.
وتوضح نوغايريد أنه في الوقت الذي كانت فيه السكاكين والمسدسات والقنابل تستخدم في مدن أوروبية في فرنسا وألمانيا كانت قوات الرئيس السوري بشار الأسد تتقدم وتحاصر مدينة حلب التي كانت يوماً ما ثاني أكبر مدينة في سوريا كلها.
ويخلص نوغايريد إلى أن التعاطف مع المهاجرين لا يكفي، بل يجب على أوروبا أن تخطو خطوة أخرى، وتفكر لماذا يخوض المهاجرون هذه المخاطر عبر الأرض والبحر للوصول إلى أوروبا وتطالب بالتدخل لمنع المذابح والانتهاكات بحق المدنيين.
نص المقال
القوات المحاصرة لحلب تعول على عدم مبالاتنا
بينما ننعي وقوع ضحايا للإرهاب في فرنسا وألمانيا، فإن عدم مبالاتنا بحرب الأسد على المدنيين السوريين تغذي تنظيم الدولة الإسلامية.
"حققت قوات الأسد، بمساعدة من سلاح الجو الروسي، هدفها منذ وقت طويل وهو تطويق شرق حلب، حيث يتعرض 200,000 إلى 300,000 شخص لا حول لهم ولا قوة إلى الهجوم" الصورة لثائر محمد / أ ف ب.
في وقت تترنح فيه أوروبا من الهجمات الإرهابية، تعاني حلب ثاني أكبر المدن السورية من كابوسها الخاص. العلاقة بين تلك التطورات أكثر من مجرد صدفة. ففي الوقت الذي تستخدم فيه البنادق والقنابل والسكاكين بفرنسا وألمانيا، هناك عملية عسكرية واسعة النطاق جارية لتطويق، ولربما إفراغ وتجويع، المناطق الشرقية لحلب والتي يسيطر عليها المتمردون المنهاضون للأسد منذ 2012.
بينما ظهرت ردود الأفعال على آخر الهجمات الإرهابية في أوروبا جلية، فإن قليلاً من المسؤولين الغربيين وجد تشابهاً بين الهجمات مع محنة حلب، قد يكون هذا الأمر غير مفهوم، فالرأي العام هو بطبيعة الحال أكثر تركيزاً على التداعيات الداخلية للأحداث المأساوية. عندما تتملك المخاوف الأمنية وتثار العواطف السياسية، من الصعب علينا حينها أن ننظر إلى أبعد من النقطة المحيطة بنا. ورغم ذلك فسيكون لحلب عواقب كبيرة على أوروبا ومواطنيها، وستكون حتماً عواقب غير إيجابية.
يعد هذا هو السبب في كون تنظيم الدولة الإسلامية غير قابل للهزيمة من خلال العمل العسكري فقط في العراق والشام، أو من خلال العمليات الشرطية بأوروبا. ويمكن القول إننا نستطيع هزيمته فقط، حين نوقف عملية جذب التنظيم للشباب، وننهي الفوضى التي يعيش فيها المسلمين السنة بأي طريقة ممكنة في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى.
إن المجازر التي يقوم بها نظام الأسد في سوريا على مدى السنوات الخمس الماضية، وفشل المجتمع الدولي في وضع حد لها -أو حتى مساءلة السلطة- قد قدمت سبباً ليس بهينٍ للتطرف الحادث الآن والذي تنزف أوروبا نتيجة له.
سُجِّل صيف 2015 في التاريخ باعتباره الوقت الذي أصبحت فيه الفوضى في الشرق الأوسط أمراً واقعاً له نتيجة مباشرة على الأوروبيين وذلك خلال أزمة اللاجئين، وقد يسجل صيف 2016 على أنه نقطة تحول للحرب الأهلية السورية، وذلك لإمكانية حدوث تسوية عن طريق التفاوض، والذي من شأنه أن يحرم تنظيم الدولة الإسلامية من من كثير من قدراته على تجنيد الشباب وزرع الإرهاب، وربما يتلاشى تماماً.
في الأيام الاخيرة، تمكنت قوات بشار الأسد، بمساعدة من القوات الجوية الروسية والقوات البرية الإيرانية من تحقيق هدف كانت تريد تحقيقه منذ وقت طويل وهو تطويق شرق حلب، حيث يتعرض 200,000 إلى 300,000 شخص لا حول لهم ولا قوة للهجوم. فعلى كل أوروبي أن يتذكر فترة التسعينات لوجود تشابه بين حصار سراييفو ومذبحة سربرنيتشا، أي قبل 21 عاماً وبين ما يحدث الآن، وكما قال أحد مسؤولي الأمم المتحدة هذا الأسبوع "في التسعينيات، قلنا إن ذلك لن يحدث مجدداً. الآن حلب هي سربرنيتشا جديدة".
وإلى الذين يعبرون عن تضامنهم مع اللاجئين عليهم الذهاب إلى أبعد من ذلك، ونحن نتساءل لماذا لم يتم فعل أي شيء لمنع تلك الجرائم الجماعية والتي قد دفعت بالكثير من الناس لأن يكافحوا على الأرض والبحر ليصلوا إلى أوروبا. يتعين علينا أن نتساءل الآن هل كانت الاستراتيجيات الغربية خاطئة في تركيزها بشكل كامل على مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية وعدم حماية المدنيين السوريين.
والآن علينا أن نطرح مزيد من الأسئلة حول السلوك الروسي في سوريا إلى حربها الإلكترونية في الولايات المتحدة (وقد تكون تلك القصة أكبر) لأن عواقب دعم موسكو للأسد قد تشكل تهديداً أكبر على النظام الديموقراطي الليبرالي في أوروبا. فإذا ظل الأسد في السلطة، والذي يبدو أنه الهدف الكبير من محاولة إعادة السيطرة على حلب. سيترتب عليه مزيد -وليس القليل- من التطرف، إن غياب التحول الديموقراطي في سوريا يأجج من الغضب السني، والذي بدوره يؤدي إلى تنامي تنظيم الدولة الإسلامية في إستقطاب المزيد إليه، وهذا بالتبعية سيؤدي لمزيد من الإرهاب في أوروبا، وسيوفر بيئة خصبة لحركات اليمين المتطرف الذين يريدون بدورهم القضاء على مبادئ الديموقراطية.
لو أن التقدميين يهتمون بالحفاظ على تلك المبادئ، عليهم أن يدركوا أن عليهم النظر لأبعد من ذلك في الشأن الخارجي. "لا مزيد من الحروب" هو الشعار الذي يتبناه اليسار الغربي. في خلال السنوات الخمس الماضية لم تخرج أي مظاهرات في الشوارع ضد الحرب التي يشنها الأسد وحلفاؤه على المدنيين السوريين. ما الذي يظهره هذا حول ادعاءات التضامن مع المسلمين، والتي يدعيها الكثيرون؟
نحن نحزن على موتانا في أوروبا، وهو حزن لا يقلل من شدته أحد، ولكن صعوبة تركيزنا ولو قليلاً على معاناة السوريين ولو ليوم واحد سيلاحقنا يوماً ما. فبدلاً من القلق حول كيف تنشر صور الجهاديين في صحفنا، علينا أن نفعل ما بوسعنا للفت الانتباه وللنظر للصورة الأكبر، وهي كيف أن تفكك الشرق الأوسط سيؤدي إلى انهيار سياسي في المجتمعات الأوروبية، وينبغي أن نبذل مزيداً من طاقتنا للتغلب على صعوبة تغطية الأوضاع في سوريا وما يجري حالياً لمواطنيها.
ليس هناك إجابات بسيطة لتلك الفوضى الموجودة في الشرق الأوسط، ويجب أن ينصب تركيزنا على التوعية حول أن سلامة المواطنين في أوروبا لا يمكن فصلها عن مسألة حماية المدنيين في سوريا، في العقود الأخيرة كان هناك الكثير من الفظائع التي كانت على نطاق واسع، سواء رواندا أو حروب البلقان أو حرب العراق 2003 وتبعاتها ، كل ذلك أثر على النسيج الإجتماعي والسياسي في أوروبا مثلما فعلت الحرب السورية، ومع تعمق الآلام في حلب، والحلم بعيد المنال في بلد ديمقراطي، بلد خارج من الحطام، الحلم ببلد يعيش في سلام، ربما يظل موجوداً في الشتات السوري بأوروبا، لكن في الوقت نفسه، إنه قدرنا أن يعيش السوريون بيننا.
من الجيد وجود أصوات أوروبية تدعو إلى البقاء صامدين والإمتناع عن الخلط بين المهاجرين والإرهابيين، لكن ما زال هناك جزء مفقود من المعادلة؛ لم يعد بإمكاننا تجاهل العلاقة بين مصيرنا وآمال السوريين الباقيين في الأمان تتضاءل.
القوات التي تحاصر حلب الآن تعول على عدم إكتراثنا كما تعول على قوتها العسكرية، والجهود التي تبذلها في إنتاج صورة دعائية. إن التصريحات الرسمية السورية والروسية حول وجود ممر آمن إنساني ليست موجهة فقط لتضييق الخناق على السكان قبل أن يقعوا فريسة في آلة الدولة القمعية (بالمناسبة، هو تكتيك اتبعه الكرملين من حرب الشيشان) كما أنها حيلة تهدف الهائنا وأن يلتفت نظرنا بعيداً، وذلك للاعتقاد أن اهتمامنا وتعاطفنا مع الضحايا محدود، وهو بالمناسبة اعتقاد لا أساس له من الصحة.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.