الاستنارة المظلمة 21

فالعلمانية متتالية تُرى آثارها عبر الزمن وقادمها أسوأ حسب رؤية المسيري، فمن تلك المظاهر حركات الاستعمار التي وظفت الإنسان في حروبها دون رحمة وحولته إلى شيء شأنه شأن أي مادة في الأرض لا مرجعية ترفعه عنها وتجعله متعالياً عليها أي الأرض.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/31 الساعة 06:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/31 الساعة 06:05 بتوقيت غرينتش

(يعتبر هذا المقال والذي يليه نقلا لرؤية المسيري للعلمانية)

هذا العنوان عبارة الفيلسوف عبدالوهاب المسيري على أفكار التنوير الأوروبي، وأن هذا التنوير يحتوي في داخله رؤية مظلمة للإنسان وللنوع الإنساني تتبدى وتظهر عبر الزمن أو ما سماه بالمتتالية العلمانية

ويرى بأن العلمانية أو التحديث الأوروبي أو التنوير سمِّ ما شئت من الأسماء.. فهي تنوع أسماء لمسمى واحد هي العلمانية كما يقول المسيري، فهو يرى أنها في عمقها تحمل مركباً متصارعاً، رؤيتين تتصارعان، ولكن الزمن سمح للمركب الأعنف بالانتصار لما يحويه من دلائل علمية مادية فالمركبان هما الطبيعي والمركب الإنساني.

هاتان الرؤيتان اللتان تصارعتا فانتهى التصارع بانتصار الطبيعي المادي على الإنساني الماورائي المتجاوز..

فالعلمانية متتالية تُرى آثارها عبر الزمن وقادمها أسوأ حسب رؤية المسيري، فمن تلك المظاهر حركات الاستعمار التي وظفت الإنسان في حروبها دون رحمة وحولته إلى شيء شأنه شأن أي مادة في الأرض لا مرجعية ترفعه عنها وتجعله متعالياً عليها أي الأرض.

ففي ضمن هذا التسلسل يرى أن هناك نقطة يصل فيها العالم إلى ذروته في التصارع والإبادة، وهو ما سماه نهاية التاريخ ويرى أنه هو أول من صكه في أواخر الستينيات قبل أن يأتي فوكو ياما ويشتهر عنه في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين والفارق بينهما أن رؤية المسيري للعلمانية متشائمة إلى حد الجحيم ورؤية فوكوياما متفائلة إلى حد النعيم.

وبما أن الحداثة الأوروبية ترى أن الإنسان مجرد ظاهرة تاريخية فبالضرورة ينتهي الإنسان بانتهاء التاريخ.
هذا حسب نقد المسيري وتعليق إدوارد سعيد في إحدى محاضراته التي رد بها على كتاب صراع الحضارات.

فالمسيري يرى نهاية التاريخ في الحكم العلماني الشامل ذي الطريقة الجهنمية، وما العهد النازي إلا إحدى تجليات العلمانية في درجاتها العليا (العلمانية الشاملة وهي العلمانية التي تنزع كل القيم الإنسانية عن العالم وتبقي فقط على قيم المنفعة والنسبية والاستهلاك وهذه وغيرها هي التي تحرك العالم) فما لم تراجع الحداثة الأوروبية مقولاتها عن الإنسان ورؤيتها للإنسان فمستقبل الإنسان القادم لن يكون أسعد حالاً من حال الإنسان في العهد النازي كما يرى المسيري ونرى تجليات ذلك في عالمنا الآن ولا نحتاج إلى كثير تأمل فالدماء والأشلاء لا تخفى على أعمى.

ينقل المسيري تعبير ماكس فيبر عن الدولة بأنها القفص الحديدي وأن اسمرار التحديث سيجعل الإنسان مجرد رقم أو ترس في آلة وحسب عبارة فيبر التي نقلها المسيري ويرى أن العالم سيصبح مثل سجن كبير.

يعبر عالم النفس فرنكل في كتابه "الإنسان يبحث عن المعنى" وهو عبارة عن سيرته الذاتية في سجون النازيين، فيقول إن الإنسان هناك ليس إلا رقماً
ولك أن تركب عبارة فرنكل برؤية ماكس فيبر أن الدولة قفص حديدي، ورؤية المسيري للعلمانية الشاملة فهو يراها سجناً كبيراً في المستقبل إن لم تراجع ذاتها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد