هذه التدوينة تحتوي على كلمات بالعامية المصرية
في تلك المدرسة التي تحمل اسمًا, يبدو للكثيرين عند سماعه بأنها فرنسية أو "انترناشيونال" ولكنها ليست كذلك في حقيقة الأمر, كانت الفتيات ينقسمن كأغلبية مدارس الفتيات الثانوية إلي فئتين أساسيتين, حيث كان يمكن أن تظهر فئة ثالثة تحاول الجمع نوعًا ما بين خصال الفئتين الأخريتين.
الفئة الأولي
فتيات "دحيحات" يشغلن دومًا المواقع الأولي في كل شيء طابور الصباح, مقاعد الصفوف الأولي في الفصول ناهيك بالطبع عن ترتيبهن علي مستوي المدرسة في نتائج أعوام الدراسة الثانوية الثلاث, أما عن اهتمامهن بالمظهر فعملًا بقاعدة عدم التعميم يمكن القول بأن بعضهن كان يبدو علي "سنجة عشرة" والآخريات كن يكتفين بقص الشارب عملًا بالسنة.
الفئة الثانية
فتيات آخر "دكة", كما كان يناديهن المعلم أو فتيات الصف الأخير اللاتي تجلسن دومًا في الصف الأخير في الفصل ويمارسن كل ما تنص عليه قواعد الأنوثة المبتدأة بالحرف كما في مخيلتهن, ابتداء من عمل الحواجب سواء بالرسم أو " التظبيط" وسواء داخل الفصل أو خارجه, تضييق "الجيبات" والقطع العمد لفتحاتها بقصد الاستطالة أو قص الجيبة إلي الركبة لاستكمال القدمين ببنطال من خامة "الفيزون أو الاسترتش", والذي كان كافيًا ليتسبب في مثولهن أمام المديرة أو احدي المسؤولات لأخذ جرعة "تقطيم" وشرح أصول الأدب والأخلاق واللائق وغير اللائق ومن ثم تذنيبهن لبعض الوقت والتي تتحول لفرصة مناسبة للفتاة المُعاقَبة لأن تتحدث مع صديقها في الجوال التي تثبته علي أذنها بواسطة حجابها التي يبدأ من منتصف رأسها لتتدلي خصلات الشعر "المكوية" من بقية الحجاب.
بداخل الفصل, والذي يتحول حينذاك إلي ساحة رقص شرقي وغربي أحيانًا, حيث يتبادلن "النِمَر", إذا لم يكن الأستاذ أو الأستاذة ينويان دخول الفصل لشرح الدرس إلي أن يتوقفن فجأة إذا عَلِمن بقدوم أحدهم أو إذا انسلخت إحدي الدحيحات لتنادي أحدهم وبالتالي يقطع الفرصة علي الفتيات لاستكمال "الوصلة" وعلي المتفرجات بدورهن واللاتي كن يلتقطن بعض الحركات الماهرة هنا وهناك لتنفعهن فيما بعد.
بداخل الفصل أيضًا, لم يكن هناك وفاق علي الاطلاق بين بعض المعلمين والمعلمات وفتيات الصف الأخير, فهناك حصص كاملة تحولت لدروس ومواعظ أخلاقية عن ضرورة أن تكون الفتاة محتشمة, محترمة وفاكهة "مغلفة" لا يقف عليها الذباب, في إشارة هنا بالطبع إلى بعض الشباب الواقفين بجوار "الكُشك" المتواجد أمام المدرسة في انتظار احدي الفتيات, والتي يمكن علي جرَاءه أن تستمع إلي "موشح" يومي من المُديرة بأن ذلك إنما يضر بسمعة المدرسة وسمعة الفتاة بالطبع.
ويبدو أن شن الحرب علي فتيات الفئة الثانية لم يتوقف عند حد المواعظ والدروس الأخلاقية وإنما اختارت إحدي المعلمات التركيز علي موضوع حيوي, حلم ولا احد يستطيع نكران ذلك ألا وهو الزواج وفرصه المرتقبة, إذ كن يحولن بعض الحصص إلي عقد مقارنات بين فتيات الفئة الأولي المتدينات منهن خاصة وفتيات الصف الأخير حول اختيارات الشباب لأي الفئتين -ويقصدن الأولي بالطبع- حتي "المقطع السمكة وديلها" علي حد قولهن لابد له من اختيار شريكة تصونه وتكون بالأحري فتاة "خام".
أتذكر حينها جيدًا "الشدة" التي أصابت فتيات الفئة الاولي و "الأفأفة" التي كانت عليها فتيات الفئة الثانية, من اللعب حينذاك علي وتر الوعود بأن تلك لابد أن تتزوج أولًا, فانظر إلى خصالها أوَ ليست تستحق ذلك! والأخري التي ستنتظر كثيرًا علي ما يبدو.
ولأن الرياح قد تأتي بما لا تشتهيه "أبله عزة وأبله فاتن", فاستطيع الآن أن أخبرك بجزء مما عاصرته من تلك التجربة وذلك بأن فتيات الصف الأخير قد تزوجن عن آخرهن ومنهن من لديه طفلًا أو أكثر الآن (اللهم بارك). ولكن للأسف لا تظن بأن الصورة التي رسمت لفتيات الفئة الأولي والقاعدة التي وضعت لهن وكأنها كتابًا مُنزلًا, لم تتحطم ولم يصب خبر خطبة هذه أو زواج تلك فتيات الفئة الأولي ممن لم يأتي لبعضهن نصيبهن حتي الآن بشيء من الحزن وخيبة الأمل, ولم يقف الأمر للأسف عند بعضهن لهذا الحد بل تحولن 180 درجة عما كان فيه من التزام كان يبدو في حقيقته بأنه معبر ووسيلة لتحقيق غاية وهي الزواج كما وُعِدن من معلماتهن. وباتت تُجربن ما كانت الفتيات الأخريات تمارسن وبخاصة في الأفراح التي قد يُدعين إليها لإظهار بعض المهارات هنا وهناك عسي أن تأتي "طنط فلانة" وتطلب خطبتها لابنها.
ومن ثم فإن القاعدة التي أُرسيت بــ "غُشم" في ذلك الوقت قد انقلبت علي عقبيها مما بدا لبعض الفتيات وجعلهن في حيرة من أمرهن وفي تشكك من الطريق الذي اخترنه للمضي قُدمًا به سواء علي المستوي الدراسي أو المستوي الأخلاقي, وأنا في طريقة عرضي للمقالة حاولت أن أصف وصفًا شبه تفصيليًا لأمر وأسميه بالأحري قضية أعاصر تداعيات بعضها الآن من خلال بعض الصديقات, ولكني لم أقصد أي إهانة علي الاطلاق من خلال تناولي للموضوع برمته.
وأري أنه إذا كان هناك بد من النصح والإرشاد لبعض التجاوزات أو كما كانت تُسمي من قبل بعض المعلمات, إلا أن الزواج لم يكن يُفترض أن يُختزل في تلك المساحة الضيقة والمعادلات الصفرية بأنك إما أن تفوز أو تخسر وأنه إذا كان هناك بد من قواعد أو أشباه قواعد فلتكن من أمثال "كل فولة وليها كيال".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.