في كل مرة أحضر فيها جلسة من تلك الجلسات المتشابهة المتكررة التي لا تُسفر عن شيء سوى مزيد من اليقين بما يحمله بعض أفراد هذا المجتمع من أمراض لن يبرأوا منها، أتركهم يثرثرون في أمور لا طائل منها، وينطلق عقلي بعيداً متسائلة.. لماذا نحن كفتيات لسنا في نظر البعض أكثر من مُجرد دمى تُعرض خلف واجهات زجاجية، تتمايز فيما بينها بلون العينين، محيط الخصر وطول القامة؟!
كل دمية معلَّقة من أعلى رأسها بخيط، منْ تُعجبه واحدة يدفع ثمنها ويأخذها ليتسلى بها قليلاً.. حتى إذا ملَّ منها كسرها وذهب لشراء أخرى جديدة.
وكل فتاة رفضت أن تعلَّق بخيط، وجعلت من عقلها سلاحاً تشهره في وجه كل من يعاملها كدمية هي ملعونة في نظر المجتمع.
في أغلب المرات كان هناك نموذج من الرجال يتكرر بشكل مُخيف مع اختلاف المهن والبيئات، كانت الأفكار واحدة! كنت كلما سألت أحدهم عن رأيه في الحياة الزوجية، أجابني تقريباً بنفس الكلام.. وهو أن الزواج شركة يرأسها الرجل، وأن طاعة المرأة العمياء للرجل هي أساس نجاح العلاقة..
كنت في كل مرة أتلقى الإجابة وأكتفي بالدهش، لكنني في مرة غامرت وسألت أحدهم.. ولماذا لم يخلق الله لك جيباً كجيب الكنغر لتضع امرأتك فيه فيسهل عليك التحكم بها؟! لماذا إذاً جعلها الله كياناً مستقلاً ذا عقل يفكر، كياناً أثبت نجاحه في كل مجال؟! وهنا نظر إليّ والشرر يتطاير من عينيه وسألني إن كنت أقرأ فأجبته في دهشة من سؤاله بنعم، وهنا اعتدل في جلسته وصاح قائلاً الآن عرفت أين تكمن الكارثة، عليكِ أن توقفي القراءة فوراً فهي خطر كبير على النساء؛ لأنها تملأ رأس المرأة بأفكار غريبة، فتتمرد على دورها الذي خلقت لأجله وهو خدمة الرجل وإنجاب الأبناء!
كنت أود أن أقول له إن القراءة ليست خطراً على النساء، بل تجعل من النساء خطراً على أشباه الرجال، وإن امرأة تؤمن أنها خلقت لأجل خدمة الرجل وإنجاب الأبناء، لن تنجب سوى نسخاً مكررة منك، ونحن حقاً اكتفينا من الحمقى، ولكنني صَمَتُّ، أمام بعض العقول لا تملك سوى الصمت.
وبعد لقاءات عدة من هذا النوع، أدركت الحقيقة التي لم أستطع تصديقها فترة طويلة، وهي أنه كما تفضل الحكومات القمعية شعباً جاهلاً لتُمارس عليه سطوتها وتحارب كل من تسول له نفسه أن يقطف من شجرة المعرفة، كذلك يهاب بعض الرجال المرأة الذكية الواعية؛ لذلك يفضلونها حمقاء لا تدرك من أمرها شيئاً تنفذ ما يأمرها به دون جدال أو تعقيب، عقلاً خاوياً يملأه بما يحلو له من أفكار ويمارس عليه تسلطه.
نسي البعض أن الزواج حياة داخل الحياة، حياة قوامها المحبة، المشاركة، الاحترام والدعم المعنوي، حياة يقدم فيها كل طرف كل ما يملك من أجل استمراريتها. لا يسعى كل طرف لجعل الآخر نسخة منه بل يحترم الاختلاف وكل ما يسعى إليه هو تقوية أواصر المحبة الصادقة المرأة تضحي بروحها من أجل رجل تحبه ليس من أجل رجل تخافه.
المرأة القوية المثقفة ليست مخيفة، هي فقط مختلفة، لا تريد كلمات منمَّقة بقدر ما تريد رجلاً يُصغي إلى صمتها، يؤمن بها دوماً حتى لو مرَّ عليها وقت فقدت فيه الإيمان بذاتها، رجلاً يسعد بنجاحها كما تسعد هي بنجاحه، يدعم ثقتها بنفسها ويسعيان معاً نحو الأفضل، لذلك يبقى أجمل وأسمى ما قاله رجل لامرأة هو ما قاله حسين لليلي، بطلا رواية الباب المفتوح للرائعة لـ لطيفة الزيات:
"وأنا أحبك وأريد منك أن تحبيني، ولكنى لا أريد منك أن تُفني كيانك في كياني ولا في كيان أي إنسان. ولا أريد لك أن تستمدي ثقتك في نفسك وفي الحياة مني أو من أي إنسان. أريد لك كيانك الخاص المستقل، والثقة التي تنبعث من النفس لا من الآخرين..
وإذ ذاك -عندما يتحقق لك هذا- لن يستطيع أحد أن يحطمك لا أنا ولا أي مخلوق. إذ ذاك فقط، تستطيعين أن تلطمي من يلطمك وتستأنفي المسير".
وأخيراً عزيزي الرجل الذي يهاب المرأة القوية لك أن تعلم أن كل امرأة تبدو قوية هي نهر حنان ينساب تحت قشرة جليدية صلبة، إن حاولت كسرها أَدْمَتْ يديك ولن تنال منها شيئاً، فقط حبك الصادق يصهرها فيغمرك فيض حنان أبدي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.