بعد الزلزال السياسي داخل أوروبا بخروج بريطانيا من الاتحاد.. هل بدأنا عصر “انحسار العولمة”؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/30 الساعة 10:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/30 الساعة 10:55 بتوقيت غرينتش

في خضم الصدمة التي تلت نتيجة الاستفتاء على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من عدمه، أُثيرت المخاوف من خطر انتقال العدوى إلى بلدان أُخرى.

تساءل المحللون عن أي البلاد التي قد تترك الاتحاد الأوروبي بعد ذلك، وإذا ما كان هذا الخروج سيؤدي إلى تفكك النظام الأوروبي الموجود منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولكن بعد مرور شهر، من الواضح أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان عرضاً جانبياً أكثر من كونه مرضاً كارثياً مُعدياً، فما حدث يُعتبر أحد تداعيات الأزمة المالية العالمية عام 2008، التي تضمنت أيضاً تباطؤ النمو وارتفاع معدلات عدم المساواة، وردود فعل مضادة ومتزايدة ضد الحدود المفتوحة والقادة الحاليين.

ينحسر الآن الزلزال السياسي داخل أوروبا، مع تعيين رئيسة وزراء جديدة للمملكة المتحدة، والتي – ظاهرياً – لم تكن تريد ترك الاتحاد الأوروبي، ولكن حتى إذا لم تكن "بريكست" إيذاناً بتفكك أوروبا أو انهيار الاقتصاد العالمي، فهي أهم علامة – حتى الآن – على أن عصر العولمة كما عرفناها قد انتهى، وستكون عبارة "انحسار العولمة" هي العبارة الطنانة الجديدة.

عصر ما بعد الأزمة

دخل العالم ما يسمى عصر "ما بعد الأزمة" – أي أزمة عام 2008 – فنسب الاضطرابات التي حدثت بعده أكثر بكثير مقارنة بما كان عليه الحال في عصر ما قبل الأزمة، والعديد من السياسات والقادة الذين قدمتهم الأمم أملاً في تخفيف الألم، لم يزيدوا الأمور إلا سوءاً.

استمر التمرد ضد المؤسسات في جميع أنحاء العالم منذ بداية الأزمة، ففي 30 دولة من الديمقراطيات الكبرى تراجعت نسبة تأييد الفائزين في الانتخابات لتصل إلى ما يقرب من ثلث الأصوات في كل عام منذ عام 2008، مُنخفضة عن نسبة الثلثين التي كانت موجودة قبل ذلك العام. وفي أكبر 20 دولة ناشئة ومتقدمة، انخفض متوسط نسبة تأييد الحكام الحاليين من 54% في السنوات التي سبقت عام 2008 إلى 37% فقط.

أما الغضب الحالي تجاه الحكومات الحالية فيُنظَر إليه باعتباره هدية لليمينيين الشعبويين أمثال دونالد ترامب، ومارين لوبان، وبعض قادة حملة بريكست. ومع ذلك، فما يحدث هو تمرد ضد المؤسسات، وليس ضد أيديولوجية بعينها سواء يمينية أو يسارية.

وفي أوروبا والولايات المتحدة يستغل اليمينيون إحباط الطبقة العاملة لإلقاء اللوم على المهاجرين الذين يسرقون وظائفهم ويتسببون في معاناتهم.

ولكن لا يوجد مثل هذا الارتفاع الكبير لليمين الشعبوي في آسيا أو أميركا اللاتينية، حيث قام الناخبون بإسقاط الحكومات اليسارية لصالح تيار الإصلاحيين الممثل في ماوريسيو ماكري في الأرجنتين، وبيدرو بابلو كوكزينسكي في بيرو.

كوكزينسكي – الخبير الاقتصادي السابق بالبنك الدولي – الذي كان أول وعوده للبيروفيين هو إعادة بناء "التوافق"، هو رئيس بعيد كل البعد عن الشعبوية الغاضبة.

لا تمثل ثورات صناديق الاقتراع أحداثاً محلية معزولة، إذ إنها نشأت بسبب بطء نمو الاقتصاد العالمي، الذي انخفض منذ عام 2008 عن المُعدل المتوسط الذي ساد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية البالغ 3.5% إلى مُعدل أعلى بقليل من 2%، وهو المستوى الذي يبدو وكأنه ركود عالمي. ويعد ذلك أضعف مُعدل منذ فترة ما بعد الحرب، وحتى وقت قريب كانت أوروبا هي أكثر المناطق تضرراً، بعد أن عانت من أزمتي ركود منذ عام 2008، وهو ما جعلها أرضاً خصبة للغضب الشعبي.

تضخم الإحباط الشعبي

تضخم الإحباط الشعبي بسبب تزايد عدم المساواة. ولمحاربة التباطؤ العالمي، قامت البنوك المركزية بضخ المال السهل. بدلاً من دعم الأجور وزيادة فرص العمل في الاقتصاد الحقيقي – على النحو المزمع – لتذهب الكثير من الأموال إلى الأصول المالية، بما في ذلك الأسهم والسندات والعقارات، ما دفع الأسعار إلى الزيادة لمستويات قياسية.

ولأن الأغنياء يملكون معظم هذه الأصول، فقد أخذ انعدام المساواة في الاتساع والانتشار، وتراكمت الثروة في العواصم المالية مثل نيويورك ولندن. كما شهدت الفترة منذ عام 2008 ضعفاً في نمو الأجور بينما كانت عوائد الأثرياء مذهلة، في بريطانيا زادت الأجور بنسبة 13%، ولكن زيادة سوق الأسهم وصلت إلى 115%.

تتكرر هذه القصة في بلد تلو الآخر. في دراسة حديثة شملت أكبر 46 اقتصاداً عالمياً، وجد مصرف كريدي سويس أنه قبل عام 2007، كان التفاوت في الثروة مرتفعاً في 12 منهم. ولكن بعد عام 2007، تضاعف الرقم ليصل إلى 35.

في تلك الفترة القصيرة، فإن عدد المليارديرات تضاعف تقريباً ليصل إلى أكثر من 1800 فرد. أكثر من 70 شخصاً منهم يعيشون في لندن – واحدة من أعلى التجمعات في العالم – ما جعل العاصمة البريطانية هدفاً للاستياء الطبقي.

في إنكلترا كان التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي – في جزء كبير منه – تصويتاً ضد لندن، ونخبتها المعولمة، وضد كل ما تمثله، بما في ذلك التجارة الحرة والحدود المفتوحة.

هنا أيضاً، يُمثل التمرد البريطاني الشعور السلبي تجاه عصر ما بعد الأزمة أكثر من كونه مجرد نقطة تحول، ففي أواخر عام 2008 اجتمعت مجموعة العشرين الكبار في قمة وتعهدوا بعدم الانخراط في هذا النوع من الحروب التجارية التي أدت لزيادة مدة الكساد العظيم.

ثم عادوا إلى أوطانهم، ومنذ ذلك الحين فُرضَت مئات الحواجز الجديدة أمام التجارة. وهو ما أدى إلى إبطاء نمو التجارة العالمية ليتقلص المعدل من 8% قبل الأزمة إلى ما يقارب الصفر.

اتجهت العراقيل إلى داخل بريطانيا أيضاً، وفُرض أكثر من 200 قانون تجاري جديد في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وهذا في بريطانيا، الدولة ذات المرتبة الثالثة في العالم المتقدم بعد الولايات المتحدة وألمانيا، وفقا لمركز أبحاث السياسات الاقتصادية.

مهّد التهويلُ من شأن العولمة الذي ساد في عصر ما قبل الانهيار الطريقَ للمخاوف من انحسار العولمة، وعمقت التدابير التي اتخذتها الحكومات، لتحصين اقتصادياتها ضد أي أزمة أخرى، هذا الاتجاه نحو التدمير الذاتي.

انسحاب البنوك

وبسبب القيود الجديدة التي وضعت على أنشطة البنوك العالمية في الخارج، انسحبت البنوك إلى داخل حدود أوطانها. وانخفض تدفق رؤوس الأموال العالمية من 16% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2007 إلى 1.6% فقط، وهو مستوى لم يحدث منذ ثمانينات القرن الماضي. وهو ما سيعوق النمو الاقتصادي، دافعاً كل بلد إلى تقليص طموحاتها، أو مواجهة سلسلة جديدة من الإحباطات.

وتعد الحركات المعادية للمهاجرين التي تتصاعد بمثابة أحدث دليل، كما أنها أتت في وقت غير مناسب تماماً. في البلدان الغنية والفقيرة، تنجب النساء أطفالاً أقل وأقل، وهو الاتجاه الذي سبق أزمة عام 2008. منذ عام 1980 ارتفع عدد البلدان التي انخفض عدد سكانها ممن هم في سن العمل من 20 إلى 38. وإحدى الطرق القليلة أمام أي بلد لمواجهة العواقب الاقتصادية لانخفاض عدد السكان هي جذب المهاجرين.

في الواقع، كانت القوى العاملة في بريطانيا لتدخل بالفعل في مرحلة انخفاض أيضاً، لولا معدل الهجرة القوي نسبياً، والذي جلب إليها 900 شخص على مدى السنوات الخمس الماضية. على الرغم من أن التحديات لاستيعاب العمال الأجانب حقيقية، لكن كذلك هي العواقب الاقتصادية لمنعهم: فعدد أقل من العمال سيعني نمواً أقل.

ولكن ربما تكون هذه النتيجة أمراً لا مفر منه الآن. في العقود التي سبقت عام 2008، توسع الاقتصاد العالمي بأسرع وتيرة في التاريخ المسجل، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى زيادة حرية الحركة المتاحة أمام البضائع ورؤوس الأموال والناس. أخرجت العولمة المتحررة من القيود ملايين الناس من حالة الفقر في العالم الناشئ، ولكنها أضعفت النسيج الاجتماعي أيضاً في كثير من الدول الغربية. "بريكسيت" مجرد مظهر واحد من مظاهر ردود الفعل المناهضة للعولمة في فترة ما بعد عام 2008. أما أبطال هذه الحركة العكسية فيدفعون باتجاه سياسات لن تحقق شيئاً سوى مفاقمة التباطؤ الاقتصادي العالمي.

لكن الرسالة من "بريكيست" ومن الحركات المماثلة واضحة: قد يكون على النمو الاقتصادي أن يرجع إلى المقعد الخلفي في حين يعمل القادة السياسيون على معالجة غضب أولئك الذين يعتقدون أن العولمة قد تركتهم وراءها.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

تحميل المزيد