أشارت وثائق سرية مسربة إلى أن طياري شركة فلاي دبي الإماراتية يُجبرون على العمل بما يفوق طاقتهم، وقد حذروا من تأثير ذلك على سلامة الرحلات الجوية.
وتشتكي طواقم الشركة من الإجهاد والخطورة المحتملة لجداول الطيران للشركة الرائدة في مجال الطيران الاقتصادي، والتي تخضع بالفعل للضغط عقب تحطم إحدى طائراتها في 19 مارس/آذار الماضي، ما أدى إلى مقتل 62 راكباً بالإضافة لطاقم الطائرة.
وتضمنت تقارير الطيارين خلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان من العام الجاري حالات مخاوف من وجود قنبلة على ارتفاع 30 ألف قدم، وحالات متعددة للاصطدام بالطيور، وحالات تشويش بالليزر، وتواجد ركاب في حالة سكر، وحالات طبية حرجة، وحالة لطيار نسي فك فرملة الطائرة أثناء الإقلاع، من بين 400 تقرير متعلق بالسلامة الجوية يكتبها طيارو الشركة بحسب تقرير لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
إجهاد الطيارين
وقال أحد الطيارين بالشركة، والذي يقود رحلات للشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وأفريقيا "الشركة تفقد ثقة الطيارين بها، أستطيع الشعور بذلك ورؤيته عندما أطير مع زملائي"، في حين زعم آخر أن عدد الساعات التي يعملها يحتمل أن تكون غير قانونية، إذ قال "أقول مجدداً، هذا غير قانوني! هذا يؤدي إلى ما هو أكثر من خطر".
إلا أن متحدثاً باسم الشرطة قال إن "أولوية فلاي دبي هي السلامة، ونحن نعمل وفقاً لأعلى معاييرها".
واطلعت صحيفة الجارديان البريطانية على تقارير السلامة لـ 413 رحلة لشركة فلاي دبي خلال الشهرين الماضيين، وفي أكثر من 40 منها، تحدث الطيارون عن مخاوف حول الإجهاد، في حين أنه في بعض الحالات اشتكى البعض من حثهم على العمل لساعات إضافية وحذروا من أن فعل ذلك ربما لا يكون آمناً.
أشارت التقارير أيضاً إلى بعض الحوادث. وبحسب التقارير، كان من بين تلك الحوادث:
•انتقد أحد الطيارين الغاضبين استخدام زميله لأسلوب طيران "خطر"، إذ أعرب عن مخاوف جدية عقب عملية هبوط قاسية.
•اعترف أحد الطيارين أنه فقد السيطرة على طائرته وأن سرعتها ازدات بشدة خلال فترة اضطراب شديد.
•جرى توبيخ عضو بارز بطاقم طائرة بعد نومه في درجة رجال الأعمال أثناء الرحلة، في حين أومأ برأسه حين تم إيقاظه.
•اشتكى أحد الطيارين من أن طائرته لم تكن مستقرة بسبب تخزين 2800 كيلوجراماً في مكان خاطئ لتخزين الأمتعة.
وفي مارس/آذار الماضي، تحطمت طائرة فلاي دبي المتجهة من دبي إلى مدينة روستوف الروسية (الرحلة رقم 981) بسبب سوء الأحوال الجوية بعد أن كانت قد اقتربت من المطار، وهو ما أدى إلى مقتل 55 راكباً و7 من طاقم الطائرة، في أول حادث مميت للشركة.
وفي أعقاب الحادث، ظهرت عدة نظريات لشرحه، ومن بينها خطأ الطيار، واحتمالات إجهاد طاقم الطائرة.
كانت الطائرة تطير في الظلام وسط عاصفة أجبرت الطاقم على الدوران حول المطار لمدة ساعتين. ويستمر التحقيق للتوصل إلى الأسباب الدقيقة للحادث حتى الآن.
خطورة شديدة
تشير الوثائق التي اطلعت عليها الغارديان إلى أن بعض الطيارين يشعرون بالضغط عليهم، وأنهم يكافحون للتعافي من جدول الطيران المزدحم ليلاً ونهاراً.
وكتب أحد الطيارين قائلاً "إنه من غير الآمن وغير المفيد أن يُطلب من الطاقم العمل لوقت إضافي، خاصة عندما يقول الطاقم أنه لا يشعر بالأمان في حال مواصلة العمل.
في الوقت الذي يصرح فيه الطاقم بذلك، ينبغي أن يؤخذ ذلك ويطبق بشكل قاطع. لا أحد يرغب في المزيد من التأخير، أو الاضطرابات، أو أن ينتهي به المطاف في محطة بالخارج. إذا كنا نشعر بالأمان تجاه مواصلة الرحلة لدبي سنفعل ذلك!".
وأضاف "من غير المقبول أن نخضع للضغط، حتى ولو كان ذلك بطريقة لطيفة. إن محاولة الحديث المعسول مع الطاقم لفعل شيء رأوا أنه غير آمن هي طريقة غير احترافية وبالغة الخطورة".
تضاعف الغضب الظاهر في الوثائق عندما تساءل طيارٌ آخر عن السبب في قيام فلاي دبي بسؤاله عن أسماء أفراد الطاقم الذين رفضوا تمديد ساعات عملهم المعتادة لما يُسمى بالرحلات السرية.
وأضاف الطيار "كان لدي مشكلة مع اهتمامهم في البداية بالحصول على أسماء أفراد الطاقم الذين لم يستخدموا حقهم في الاحتفاظ بالسرية. ليس لهذا صلة بالموضوع، ولا يمكنني إلا افتراض أن هذا الطلب كان لأسباب بغيضة وأنه تصرفٌ سيئ يجب أن توقفه الإدارة"
قالت شركة الطيران أنها طلبت الأسماء فقط عندما كان الأمر ضرورياً لتحديث الجداول للتأكد "أن الطاقم يحظى براحة كافية بعد الرحلة".
قال طيار آخر أنه كان واقعاً "تحت ضغط هائل" بعد حادث تحطم الطائرة وأنه شعر بعدم قدرته على العودة للعمل لأنه لم يستطع الطيران بأمان.
ولكن الوثائق تظهر أن الطيارين الذي يقولون إنهم مرهقون بحيث لا يمكنهم العمل يشكلون عبئاً أثقل على هؤلاء الذين لا يزالون يعملون.
في الأيام التي تلت تحطم الطائرة قال أحد أعضاء الطاقم "في أوقات مثل هذه عندما نواجه اضطراباً شديداً، من السهل أن ننسى الحدود، ولكنها موجودة لسبب معين. كثيراً ما تُدرج أسماؤنا بالقرب من الحدود على كل حال، وعلى إدارة التوظيف أن تكون حذرة فيما تطلبه من موظفيها".
وكشفت تقارير السلامة الجوية الأخرى تنوع المواقف التي يتعامل معها الطيارون. أثناء رحلة إلى كييف في شهر مارس/آذار، حيث أخبر أحد الركاب الطاقم أنه زرع قنبلة على متن الطائرة.
كتب الطيار "لقد كان روسياً، وكنا قد دخلنا أوكرانيا للتو، وكان واضحاً أنه من مؤيدي بوتين، بإمكانك التخيل" هبطت الطائرة وأحاطها 200 جندي من القوات الخاصة والجيش وطلبوا من الطيار أن يأمر بإخلاء طارئ للركاب.
"في هذه المرحلة كان يجب أن أرفض، إذ بدأ الموقف يصبح سخيفاً. وكما أخبرتهم فقد جلسنا في مدرج الطائرات لأكثر من ثلاثين دقيقة، فلو كانت هناك قنبلة لكانت انفجرت".
أمر الطيار بالنزول بشكل طبيعي ولم يتم العثور على أية قنابل في الطائرة.
الإرهاق مسؤول عن الحوادث
أظهرت صحيفة الجارديان تفاصيل من الوثيقة المرسلة للضابط الأعلى وخبير السلامة الجوية الذي يعمل حالياً في الخطوط الجوية الأوروبية. وقال المختص الذي طلب أن يبقى مجهولاً "عدد بلاغات الإرهاق أكبر مما كنت أتوقعه"
يقترح أن التقارير التي تلت تحطم الطائرة يمكن أن تكون "دلالة على اعتقاد الطيارين أن الإرهاق ربما لعب دوراً في هذا الحادث" "تظهر بلاغات الإرهاق عدداً كبيراً من الشكاوى بشأن مواعيد العمل (التغيير المستمر بين الورديات الليلية والصباحية أو فترات الراحة الـ24 ساعة حيث يستحيل أخذ راحة من الوردية السابقة والاستعداد للوردية التالية في نفس الوقت) والضغط الذي يسببه مواصلة العمل عندما يشتكي الطاقم من الإرهاق.
و"استمرت كل من هاتين المشكلتين على مدى شهرين، وقد يتساءل أي مراجع ذكي لهذه البلاغات عما إذا كانت قواعد إدارة السلامة تُتبع أم إن إدارة شركة الطيران تتغاضى عن مثل تلك الممارسات أو حتى تشجعها"
تصريح فلاي دبي
تقول فلاي دبي أنها "التزمت بجميع اللوائح التي وضعتها الجهات المنظمة" وأن الشركة قد طورت ثقافة من "عدم اللوم" بحيث يستطيع الطيارون التعبير عن مخاوفهم دون القلق من العواقب.
وتضيف الشركة "يُشجَع العاملون بطريقة موضوعيّة وشفافة وسريّة على الإبلاغ عن جميع الحالات التي يعتقدون أنها يمكن أن يكون لها عواقب متعلقة بالأمن، نقوم بفحص جميع تقارير السلامة الجوية إلى نهايتها لإدراك ما إذا كان هناك مخالفات تنفيذية أو نتائج أمنية"
وتقول فلاي دبي أن بإمكان أي طيار يشعر بالتعب الشديد أن ينسحب من الخدمة "دون أي عواقب تأديبية" وأن عدد البلاغات المتعلقة بالإرهاق كانت صغيرة.
وتضيف "إذا كان لدى الطيارين أي قلق أو شكوى فهناك عدد من الطرق المتاحة لهم لإرسالها. راحة طاقمنا أهمية قصوى ونحن نمنحهم آليات دعم رسمية وغير رسمية".
وفلاي دبي هي شركة طيران تملكها دولة الإمارات ويرأسها الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم. كما أنه يرأس الخطوط الجوية الإماراتية، ورئيس دائرة الطيران المدني.
أُنشئت الشركة عام 2008، لتصبح أول شركة طيران اقتصادية في دبي وتمتلك أسطولاً من 50 طائرة جديدة من طراز بوينج 737، وتسافر إلى أكثر من 90 وجهة مختلفة، وحتى شهر مارس/آذار الماضي كان لها سجل أمان لا تشوبه شائبة. ويبدو أن الشركة تتوسع بسرعة إذ طلبت 85 طائرة أخرى.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.