وقف باندهاش ولهفة لمعرفة السبب، أخبرها بداية أنه كان يتمنى أن تكون زوجته برفقته اليوم، لتستمع لتجربة غنية ونجاح أنثوي، ثم أخبرها أيضاً أن هذا التمني انعكس في ختام الجلسة إلى شكر لله أن زوجته لم يتسنَّ لها الحضور!
وأضاف: أنا زوج لامرأة عاملة استطاعت أن تترك بصمة وأثراً طيباً في نطاق عملها، فهي المبدعة والمتفانية، وكما قال: بنظري على الأقل هي أُم ومربية رائعة، لكنني ببساطة لست ضمن قاموسها الأبجدي، أصبحت طيفاً تراني كل حين فتمنّ عليَّ بقليل من وقتها، وعلى الهامش بالغالب، فقدت بريق الزوجة والحبيبة، واكتست ثوب الشهرة والنجاح، هذه زوجتي، أما أنت فكنت أتمنى لو كان زوجك ضمن مفرداتك التي ذكرتيها في قاموس نجاحاتك المتوالية وقدرتك المبهرة على جعل الأمومة جزءاً من النجاح، بل مكملاً له، فما السبب؟!
أجابته: لأني باختصار فشلت أن أكون تلك الزوجة الناجحة، وفضلت حياتي العملية على الأسرية، وانتهى النقاش بصمت.
بقي هذا الحوار يدندن في أذني، وأنا التي أينما ذهبت أبحث في تفاصيل الأشياء عن أسرة متينة، وسريعاً ما أعري القشرة الخزفية لأنظر ما بداخلها، هل هي غطاء لصدأ أم غطاء لذهب، وأدرك تماماً أن البشر قادرون على امتلاك العديد من المهارات على اختلافها وتنوعها، إلا أن قليلاً منهم يدرك فقه الأولويات في الجمع بينها، وهذا الذي يجعل الكثير منا يقع في مطب الندم، وقد يكون مطب الغفلة.
نعم تملكين كامل الحرية في اختيار إن كنت ستكملين حياتك بزوج أو بدون، إن كان يناسبك هذا الرجل أو غيره، إن كنت ستنجبين الآن أم بعد سنة أو سنوات، إن كنت ستعملين داخل المنزل أم خارجه، أنت حرة وتملكين كامل الحرية في كل ذلك وأكثر، لكنك يا عزيزتي لست حرة حينما تصبح الأنا هي محور حياتك، لست حرّة حينما تؤسسين بيتاً ثم ما تلبثين أن تهدميه بالأنا، ولست حرة حينما تصبحين أنثى تحتوي أرواحاً ثم تنسحب، ولست حرة عندما تفضلين نجاحاتك الشخصية على نجاح نواة أساسية لبناء مجتمع.
أتساءل كثيراً عن فائدة تجنيها أنثى تقف لتبهر العالم بنجاحاتها وتفوقها، بمركزها المرموق، وثقافتها العالية، بإدارتها، وتجوالها وترحالها، بجمعها للمال، وتغنيها بالمناصب والإنجازات، وهي التي تفشل في أن تجمع أفراد الأسرة على مائدة الطعام، لا تستطيع أن تعتذر عن خطأ اقترفته لينام زوجها سعيداً، ولا تملك مهارة إظهار ضعفها الأنثوي وحاجتها الفطرية للاستظلال بين كتفَي زوجها.
ولطفاً لست هنا لأنكر أنه ليس هناك نماذج ناجحة لشخصيات نسائية استطاعت الجمع بين كل ذلك بتوازن قد يكون ذلك استغرق منها مجهوداً مضاعفاً، وسنوات أطول، وضغطاً عليها في الصحة، أو النفسية.
لكنني لمست العديد من القصص والحكايات التي في ظاهرها نجاح بارق يغري الفتيات، وفي عمقها ألم، أو حسرة، أو نقيض ينافي ذلك النجاح.
لو دققنا أكثر أو حاولنا التنقيب عن حاجاتنا وأولوياتنا، لوجدنا أن حاجتنا الحقيقية ليست لشخصيات ناجحة على صعيدها المهني فحسب، لكن حاجتنا الآن لناجحين في بناء أسرة بناء صحياً سليماً، تسود أفراده الرضا عن أنفسهم وعن كل فرد داخل هذه الأسرة، هذه المنظومة التي سترتقي بنا كشعوب بالتوازي مع النجاح في علومنا وفنونا الأخرى، فالأسرة علم وفن يحتاج لدراسة ووعي لنهوض أمة بأكملها، هي التي ستؤسس لنا قاعدة ثابتة في المستقبل وحضور عالمي لا يسوده أي نقص نفسي قد يهدمه لاحقاً.
فكم أحزن عندما توقفني إحداهن لتخبرني أنها تفكر بالانفصال عن زوجها؛ لأنها ترى أنه يعيق نجاحها المهني، وأخرى لعدم قدرتها على التوفيق بين الاثنين، فتختار الأنا على الـ"نحن"، وتلك مستاءة من حياتها كزوجة وأم؛ لأن ذلك أعاقها عن الوصول والنجاح كصديقاتها، على حد تعبيرها، وكأن النجاح يقتصر على الشهادات العلمية أو المنصب الوظيفي، أو عدد اللايكات والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي!!
نعم من حقك أيتها الزوجة أن نجتهد في تشييد أحلام وأهداف وإنجازات، لكن أحسني الدندنة بتوازن، فأنت الأصابع التي تتماوج على أوتار القيثارة لتعزف اللحن سكينة وطمأنينة وحباً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.