ما من خُلقٍ فاضل سويّ صحيح راقٍ إلا وواكب راحة الروح، وتطلعها الدائم إلى الزاد النوراني المريح لها من تعب وعنت وظلم الحياة المادية التي نحياها ونتنفس دخانها آناء الليل وأطراف النهار، وفي المنتصف تغيب معالم الأخلاق أحياناً عن بعض أبناء الوطن العربي، تجاه طوفان من الاستبداد السياسي، طوفان من المظالم، بخاصة أنها تجيء بيد عرب ومسلمين، حكام صنعهم الغرب واصطفاهم ورباهم على عينيه، فلم يتركوا فضيلة إلا وحاولوا هدمها، إلا مَن رحم ربي، وقليل ما هم.
والنتيجة أن يقف حاكم مصر الاستبدادي الانقلابي، الذي تستحي الألفاظ من وصفه قائلاً في ليلة السابع والعشرين من رمضان الماضي، التي ارتجى عقلاء المسلمين أن تكون ليلة القدر؛ ليقول المدعو "عبدالفتاح السيسي" ما معناه: إنه مكث خمس سنوات محاولاً التأكد أن الإسلام هو العقيدة الصحيحة، ولا يزال لم ينتهِ من هذه المرحلة حتى الآن.
بالطبع فإنه ليدعو الشباب كي يفعلوا مثله في حضور "العِمَم"، أو كبار رجال الدين الرسميين بمصر، فما اهتز طرف "شال عمّة" أحدهم، وهو يتفوه بهذا "الكفر" البواح أمامهم.
فلماذا تتسمى بأسماء المسلمين؟ وتحرص على حكمهم؟ وتعد مقبرة لنفسك وأهلك في ديارهم؟ بل لماذا تحضر احتفالاً بليلة القدر من الأساس؟
وأين كانت مثل هذه الكلمات وأنت تقول للرجل الطيب، والرئيس النقي النفس، مهما اختلفنا حول سياساته، فكَّ الله أسره، وهو الذي ولَّاك، إنك تصوم الاثنين والخميس، وتحفظ أبناءك القرآن الكريم، وماذا عن ملازمتك له في المسجد وعينك التي لا تبارح الأرض، وأنت تكاد تناوله الحذاء عقب الصلاة؟
"1"
أناس على الحق المبين، كأنه الصباح يتنفس، إلا أنهم يتنكرون له، إلا مَن رحم ربي، وهم كثيرون، لكن مغلوبين على أمرهم لا يملكون شيئاً، أو قل "كغثاء السيل"، كما قال معلم البشرية -صلى الله عليه وسلم- وسل عن الإلحاد والكفر في بلاد المسلمين.
وفي المقابل يحيي (الإسرائيليون) اللغة العبرية من عدم، ويلجأ الصهاينة فيها إلى تعاليم التلمود التافهة المُنكرة، الحاضّة على العنف والتحلل من كل قيمة خلقية، والتنكر للحياة، فيتفوقون رغم تمسكهم بالباطل؛ لأنهم أخذوا بأسباب الحياة، وأمدتهم الحضارة الغربية المادية الاستهلاكية بما يحفظ عليهم تقدمهم، وبقينا متنكرين لتعاليم ديننا، فانسحبت الحياة عن الأمة فلا هي كسبت الدنيا ولا الآخرة.. إلا من رحم الله، وحتى يشاء تعالى أمراً.
"2"
عنصر متطرف من عناصر الحياة، وإن تمثل في صورة بشر، أو تسمى وناداه بنو قومه على إنه "إنسان"، ولأننا نحيا في طوفان من ركام الأخلاق تحت زعم الحضارة، وما هو إلا التحلل الخلقي مع التمسك بالإنجازات التي ما تدوم إن انهارت الأخلاق، ولكن لله سنن كونية، فإن لم نكن أهلاً للنهوض الحضاري تسلط علينا عدونا لما شاء الله حتى نفيق!
أثار حاخام يهودي الحنق حتى داخل المجتمع (الإسرائيلي)، الأربعاء قبل الماضي، لما أعلن رغبته في الترشح لمنصب كبير الحاخامات في الجيش (الإسرائيلي)، وهو المنصب الذي يتعلق بكل ما يخص الحل والحرمة في السلم والحرب لديه، أي أن الجيش (الإسرائيلي) يحرص على وجود حاخامات به وكبير لهم، مؤثرين فعالين، والذي تثبت عليه "تهمة التدين" في جيوشنا العربية يجري استبعاده إن لم يكن سجنه.
ترشح "إيال كريم " للمنصب رغم سابق تصريحاته المستهجنة حتى لدى اليهود المعتدلين، إن كان المجتمع اليهودي به يهود معتدلون فعالون، فكما يغلب المتغلبون على أمورنا بالسلاح والقوة بالبعد عن الدين، فإن النخب هناك تنتصر غالباً للدين وإن كان مزيفاً تستهجنه النفوس التي تعرف من الخير، ولو نذراً بسيطاً.
قال "كريم" من قِبل: "ينبغي قتل الإرهابي الجريح"، هذا قبل المحاكمة أو يحزنون، ولا مجال للرحمة هنا أو كونه أسير حرب، أو أنك قدرت عليه، لا يعرف "هذا" "ذاك".
أما الأمر المقزز أكثر فقوله: "يُسمحُ للجنود باغتصاب غير اليهوديات في الحرب"، وهو ما حاول "كريم" التنصل والتراجع عنه بحسب جريدة "يديعوت أحرونوت" العبرية واسعة الانتشار الأربعاء قبل الماضي أيضاً، لكن ماذا عن اغتصاب غير اليهود لليهوديات إذاً؟
لا يطرح مثل هذا "المأفون" الأمر لا على نفسه أو عقله، إن كان له عقل رغم عمره الذي جاوز التاسعة والخمسين.
اما أسوأ ما قاله، بحسب عناصر المجتمع (الإسرائيلي): "يمكن للجنود رفض الأوامر العسكرية إذا خالفت القانون اليهودي"، مضيفاً: "ينبغي عدم تنفيذ خطيئة أو منع تنفيذ قرار ديني".
هكذا يدخلون سفاسف فكرية ونصوصاً لا تقنع صبياً ذا فطرة، في أدق أمور حياتهم ومماتهم في الحرب والسلم، فيما نحن نتبرأ من سلاسل عذبة من الهدي الديني المتعقل الموافق للفطرة الرائقة بحجة أننا لم نعرض الأمور على عقولنا، أو لأنه لا داعي لإدخال الدين في السياسة.. وهي كلمات يرددها قوم حُسبوا على النخب هنا وهناك من مواطني بلادنا، بلا تعقل ولا روية أو تذكر لكلمات "عمر بن الخطاب"، رضي الله عنه: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن رحنا نبتغي العزة في غيره أذلنا الله".
ورحم الله الشيخ محمد الغزالي لما قال وعالج "إيال كريم" وأمثاله: "الإسلام قضية ناجحة، لكن محاميها فاشل، وقضية غيره من الأديان فاشلة، لكن محاميها ناجح".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.