كيف يتحول منفذو الهجمات بأوروبا من نية الانتحار إلى ميول القتل الجماعي؟.. للصحافة دور في ذلك!

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/27 الساعة 07:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/27 الساعة 07:50 بتوقيت غرينتش

هل يتحول العنف إلى عدوى تنتشر من مكان إلى آخر كالوباء؟

يشير انتشار المذابح خلال هذا الصيف المتسم بالعنف إلى أن عمليات القتل قد أدت إلى نوع من العدوى يشجع عدداً قليلاً من الأشخاص ذوي المظالم الشخصية والعقيدة السياسية الضعيفة على استغلال الاعتداءات السابقة فيما يتعلق بالأسلوب والأهداف المحتملة في التعبير عن الغضب واليأس الشديدين، وفقاً لتقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

ويذكر التقرير أن المواطن الألماني الإيراني الذي قتل 9 أشخاص بأحد المراكز التجارية في ميونيخ كان مهووساً بالقتل الجماعي، خاصة الاعتداء الذي شنه النرويجي وأودى بحياة 77 شخصاً عام 2011.

وقام التونسي الذي قتل 84 شخصاً خلال احتفالية عيد الباستيل في نيس بفرنسا بدراسة الاعتداءات السابقة، بما في ذلك عملية القتل الجماعي في أورلاندو بفلوريدا.

بينما درس مسلح أورلاندو تفاصيل اعتداء سان برناندينو بكاليفورنيا.

التغطية الإعلامية

وذكر خبراء أن بعض الاعتداءات عقائدية والبعض الآخر غير عقائدي، بينما تندرج اعتداءات أخرى ضمن المنطقة الرمادية.

ومع ذلك، ربما توفر الاعتداءات، التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق على الملهى الليلي والمطاعم في باريس وعلى المطارات في بروكسل وإسطنبول وفي الأماكن العامة في مومباي، حافزاً يشجع الأشخاص المضطربين الذين ينوون القيام بأعمال عنف، على غرار العديد من عمليات إطلاق النار بالمدارس التي يتم تنفيذها في أعقاب وقوع أحداث أخرى مماثلة تتم تغطيتها إعلامياً.

وذكرت مادلين جولد، أستاذة علم الأوبئة وعلم النفس بجامعة كولومبيا "أول ما نفكر به في مجالنا هذا حينما نقرأ روايات حول عمليات القتل الجماعي الأخيرة: يمكن أن تمنح التغطية التفصيلية للاعتداءات الإرهابية الأشخاص ضعيفي النفوس أو الذي يفكرون بنفس الأسلوب أفكاراً لما ينبغي أن يفعلوه وكيفية القيام به".

وذكرت دكتور جولد وآخرون أن الأدلة التاريخية على أن الاعتداءات الإرهابية أصبحت نموذجاً للمذابح العشوائية تعد أدلة ضعيفة للغاية. فلا يعرف أحد تحديداً ما هي العوامل التي تشجع الأشخاص على اقتراف مثل تلك الأفعال المتطرفة، حينما يتمثل الدافع الرئيسي في عقيدة متطرفة.

وفي حالات نادرة حينما ينجو مقترفو تلك الجرائم، فإنهم لا يدركون الدوافع التي انتقلت بهم من حالة اليأس والغضب إلى ارتكاب جرائم قتل واسعة النطاق.

الانتحار أم القتل

وذكر جي كيفن كاميرون، مدير المركز الكندي لتقييم المخاطر ومواجهة الصدمات الذي يقدم استشارات بشأن عمليات القتل بالمدارس والقتل الجماعي على مدار 20 عاماً "يقابلون خلال اللقاءات من نسميهم إرهابيين زائفين. إنهم أناس يتصارعون مع الانتحار وعمليات القتل ويتأرجحون بين الفكرتين. فاليوم يكون الشخص ميالا للانتحار وفي الأسبوع القادم تتحول ميلوله إلى القتل الجماعي".

ومع ذلك، فهناك أسباب مستوحاة من البحوث السابقة يجعلنا نعتقد أن العدوى ضمن هذه العوامل. فقد أدرك الباحثون منذ زمن طويل أن عمليات الانتحار التي تحظى بدعاية موسعة يمكن أن تسبق "سلسلة" من الانتحارات خلال الأسابيع والشهور اللاحقة يقترفها أشخاص يفكرون بالفعل في الانتحار.

وتعتمد احتمالية انتشار تلك العدوى على مدى اتساع نطاق التغطية والتفاصيل التي يتضمنها التقرير حول الأسلوب ومدى ثراء الأشخاص المنكوبين. وتتم تغطية الاعتداءات الإرهابية وعمليات القتل الجماعي بنفس الأسلوب، بحسب ما ذكرته دكتور جولد.

أغلبية الأشخاص يقتلون أنفسهم فقط دون ترك أي أدلة على وجود رغبة في قتل آخرين. ومع ذلك، يتشكك الخبراء في أن عمليات القتل والانتحار تخضع لآثار العدوى من الحالات الشهيرة، رغم أن تلك الأعداد ضئيلة للغاية ولا يمكن إقرارها إحصائياً. وهناك 1 أو 2% فقط من عمليات القتل والانتحار تستهدف شخصيات عشوائية خارج نطاق الأسرة أو الأصدقاء، بحسب ماتيو نوك، أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد.

وذكر نوك "تبدو هذه الأحداث أكثر ارتباطاً بالقتل الجماعي ويكون الانتحار جزءاً من العملية برمتها. ولكن يمكن أن ترى من خلال كثرة العوامل – بما في ذلك الأسلحة النارية المتاحة بالفعل واستمرار التغطية الإعلامية لعمليات القتل الجماعي والاعتداءات الإرهابية – أن هناك وقوداً يشعل فتيل العدوى.

ليس هناك دافع

وجدت إحدى الدراسات في ألمانيا حول السفاحين – هؤلاء الذين يقتلون أكبر عدد ممكن من الأشخاص دون دافع واضح – أن تلك الأحداث لا تقع بصورة عشوائية بمرور الوقت. فقد جاءت معظم تلك الاعتداءات فيما بين 1993 و2000 بعد أحداث مماثلة بأسابيع. وتوصلت دراسة أجريت عام 2015 حول عمليات إطلاق نار على مدارس بالولايات المتحدة إلى نفس النتائج.

فقد درس العديد من قتلة المدارس مذبحة عام 1999 في مدرسة كولومبين الثانوية بكولورادو، بما في ذلك الشاب الذي ذبح أطفالا ومعلمين بمدرسة للتعليم الأساسي في ساندي هوك – وهو الاعتداء الذي علم به مسلح آخر بجامعة أوريجون كوميونيتي.

وذكر دكتور كاميرون أنه في الأسابيع اللاحقة لعملية القتل الجماعي في كندا هذا العام "كنا نتلقي ثلاثة إلى أربعة تهديدات يومياً لتكرار هذه الجريمة على مدار أكثر من أسبوعين لاحقين. فإذا كنت شخصاً تميل للانتحار ولم تفكر في قتل شخص آخر، فإن هذه الاعتداءات الجماعية تمنحك أفكاراً حول اختيار الموقع واختيار الهدف البشري وكيفية التنفيذ".

ويمكن أن توفر الاعتداءات الإرهابية مبررا سياسيا للأشخاص المضطربين الغاضبين الذين يلجأون للعنف، وهو سبب عقائدي يبرر أفعال الانتقام أو المظالم بحسب بعض الخبراء.

وأشار بريان جينكنز، أخصائي الإرهاب بمؤسسة راند إلى تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف باسم داعش، في بريد إلكتروني حول مقترفي الاعتداءات الأخيرة في أولاندو ونيس وألمانيا. "قد تتوافق عقيدة داعش مع غضبهم وتعدهم بالإطراء والاعتراف. وتصبح العقيدة وسيلة للتنفيس عن الغضب".

­- هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

تحميل المزيد