نواكشوط تغرق.. العاصمة الموريتانية محاصرة بين زحف الكثبان الرميلة وارتفاع منسوب المحيط

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/25 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/25 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش

عاصمة العرب في عام 2016 تحت رحمة التغير المناخي، فالعاصمة الموريتانية نواكشوط تواجه تحديات عصية متمثلة في الفيضانات والتعرية الجيولوجية التي لم تزدها التحضيرات للقمة العربية إلا سوءاً.

حدثان اليوم في نواكشوط لا يمت أيهما للآخر بصلة: الأول استمرار وصول رؤساء الدول العربية إلى مطار نواكشوط الجديد؛ لحضور قمة الجامعة العربية اليوم الإثنين 25 يوليو/تموز 2016. والثاني أن الشاب فيو فال (36 عاماً) سيرفع سقف وأرضية منزل عائلته الصغير، وفقاً لتقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

الطوفان

يقف الشاب الذي يعمل خبير تقنيات الحاسوب الآلي في بركة ضحلة من الماء في فناء داره ذي الأرضية الصفراء، ويقول "لقد ارتفع منسوب المياه أكثر من المعتاد هذا العام (2016)، ودورات المياه تنضح وتطفح، والطوفان يغمرنا من جديد".

تنظر إلى سقف داره المكونة من طابق واحد، فترى عاملَ بناءٍ يبني غرفة نوم بقطع القرميد والطوب، ثم تنظر إلى الشارع فترى رجلاً آخر يخلط الإسمنت، أما أسفل الدرج وبمحاذاة كل الجدران وعلى ارتفاع 70 سم، رسم الشاب "فال" خطاً بلون أزرق يمثل المستوى الجديد لارتفاع أرضية بيته.

صراع بين المحيط والرمال

هنا نواكشوط، المدينة الواقعة بين نارين: نار تقدم الكثبان الرملية من الصحارى الكبرى لتجثم عليها، ونار ارتفاع منسوب مياه الأطلسي التي تهدد بابتلاع العاصمة الموريتانية، التي أصبحت تترأس القمة العربية في وقتِ باتت رهينة التغير المناخي.

ما من نظام مجارير وصرف صحي عام هنا!.. معظم المدينة يقع إما على نفس مستوى سطح البحر وإما أسفل منه، لا يحميها من مياه المحيط سوى كثيب رملي آخذ في التعرية والتآكل.

خلال العقد الماضي حذرت دراسات محلية ودولية، من أن المدينة يتهددها خطر أن يبتلعها المحيط، لكن فورة البناء والتعمير ازدادت الآن قبيل قمة الجامعة العربية، ما يغذي مخاوف من حصول فيضانات جارفة بحلول موسم الأمطار الموسمية في أغسطس/آب 2016.

يقول فال "إننا نتحضر لموسم المطر وننفق كل مدخراتنا على أعمال البناء. قد يبدو الأمر جنوناً، ولكن لا نملك المال الكافي كي ننتقل ونبدل دارنا". ثم يومئ إلى صنبور في الجدار ارتفاعه أدنى بقليل من مستوى الركبة ليقول "عندما كنت شاباً صغيراً كان ارتفاع هذا بقدر ارتفاع منكبيّ. الآن كما ترى لقد رفعنا الأرضية وبالطبع كل الأبواب بمقدار متر واحد طوال الـ15 سنة الماضية".

يعيش فال في الدار مع زوجته وطفليه وأخته الصغرى وأمه الأرملة. يملكون منزلهم هذا منذ الـثمانينيات عندما كان والده المتوفى ضابط جمارك، وقتها كان حي "سوكوجيم بي إس" حديث العهد، ضاحية مورقة الأشجار لموظفي الحكومة.

يقول سيريه كامارا (48 عاماً) "جميع الأشجار ماتت والمياه التي ترتفع تحت نواكشوط مالحة". لكنه محظوظ لأنه يقطن أعلى بناء في حي سوكوجيم بي إس وهو مبنى ودار ثقافة من طابقين أسسه عام 2006.

يقف على سقف بيته الذي يشيد عليه طابقاً ثالثاً.. ويومئ إلى جذوع أشجار ميتة على جانبي الشارع كأنها أشباح هياكل عظمية.

ويقول "مصدر الخضرة الوحيد هو سيقان القصب الطويلة التي تنمو في مستنقعات الدور المهجورة وفي المدرسة الابتدائية والصيدلية التي أغلقت أبوابها دون رجعة بعد فيضان 2013".

يتابع كامارا قائلاً "المنطقة تملأها المستنقعات الآسنة التي يلقي فيه الناس مياه قاذوراتهم ونفاياتهم. إنها مقرفة ومؤذية للصحة. بتنا نعاني من حمى الضنك التي ما كان أحد يعرفها أبداً من قبل في نواكشوط.

لعل أفضل حل هو في نقل العاصمة نواكشوط كلها من هنا وتأسيسها من جديد. هكذا كان ليتم الأمر لو كنا في دولة غنية".

هل الفرنسيون هم السبب؟

وأشار تقرير الغارديان الذي نشر الإثنين في 25 يوليو/تموز 2016 إل أن موريتانيا لم تكن دولة وكياناً على الخريطة حتى عام 1960، فالمستعمرون الفرنسيون لم يروا فيها سوى صحراء تربط شمال أفريقيا بالسنغال في يومنا هذا.

كان رعاة الإبل يرشفون شايهم الأخضر عند نبع صغير اسمه نواكشوط (أي مكان الرياح) لم يكن يقطن المنطقة سوى 200 شخص، وأمطار المنطقة السنوية لم تكن تملأ كشتباناً.

أما الآن فتعداد سكان نواكشوط يناهز 800 ألف نسمة، ولديها الآن منسوب هطول أمطار يمكن قراءته بشريط رسوم بيانية، ومياه شرب تأتي بالأنابيب من السنغال، لكن مع ذلك كله لا أنابيب شبكة صحية.

قبل 3 أعوام هطل على موريتانيا مطر شديد جداً خلال موسم شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2013 أدى إلى تشريد 2000 شخص، من بعد تلك الكارثة صممت وكالة التعاون الألمانية GIZ شبكة من الخنادق والخفر ومحطات الضخ لشفط المياه التي غمرت سطح حي مث حي سوكوجيم بي إس.

النظافة

وتقول أمنية أبوكورة-فوا، منسقة مشروح GIZ للتغير المناخي في نواكشوط "لا أظن نواكشوط بحاجة لبالوعة من أجل مواجهة العواصف، ولكنها بحاجة إلى النظافة والطهارة والتخطيط المدني الأفضل وإدارة منطقة الساحل.

وتضيف "إننا هنا نتحدث عن بضعة أيام قليلة من المطر في العام الواحد، ولكن عدد الأيام الممطرة يتزايد، والمشكلة هي أن المياه الجوفية سطحية، فعندما يهطل المطر لا يكون أمام الماء مكان كي يخترق الأرض. وكلما بنيت شوارع أو مباني أكثر، ازداد غطاء المدينة المضاد للماء، ما يعني أنه سيؤدي إلى فيضان في مكان آخر".

أما في حي سوكوجيم، فيقول كامارا إن المضخات باءت بالفشل، فجميعها عملت مباشرة قبل التحضيرات للقمة، لكنها قبل ذلك لم تكن تعمل، ما أدى إلى تراكم المستنقعات الكبيرة من الماء.

أما حمزة ولد عمر المدير العام لمجلس الماء الوطني، فقال إن اللوم كله على السكان. "فالمشكلة هي تصرفاتهم. إنهم يرمون الفضلات الصلبة في القنوات المائية، ما يعرقل عمل المضخات.

وأضاف: الآن اشترينا مضخات ذات قدرة مضاعفة: 120 سم مكعب، وهي التي ستحل المشكلة".

كذلك زعم أن لديه حلاً على المدى الطويل هو التنظيف الكامل والذي سيتم بعد 3 سنوات ونصف.

ولكن السكان والمتبرعين يتشككون في قدرة العقد الحكومي المتبجح الذي وقعت عليه الصين أيضأً عام 2016، فهم لا يظنون أن نظاماً شاملاً للصرف الصحي سيخدم كل سكان نواكشوط.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

تحميل المزيد