كم من آلهة ما زِلنا نعبدها!

تغيير المعتقد أصعب من هدم الأحجار، هذا كان شعار النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ إذ استطاع خلال سنوات معدودات أن يجعل الأشخاص الذين كانوا يعبدون تلك الآلهة هم مَن يحطمونها، إذ نزع قدسيتها من قلوبهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/24 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/24 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش

"قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ" [الأنبياء: 68]، إيمان وثقة بالنفس ومعولٌ صغيرٌ وجرأة هي كل ما احتاج إليه ذلك الفتى "إبراهيم" لتحطيم الأصنام التي كانت ترمز إلى قدسية الآلهة التي كان يعبدها قومه من دون الإله الواحد، هذا كان في زمن مضى، زمن إبراهيم عليه السلام.

ربما نحن أيضاً لدينا آلهة نعبدها من دون الله!

قد تشعر بالامتعاض من هذه العبارة! أي الآلهة التي نعبدها؟! وقد تتهمني في نفسك بالجنون، لكني أناشدك التوقف يا صديقي، وألا تستعجل الحكم، بل أكمل معي.

فالآلهة التي بِتنا نعبدها ليست بالضرورة أصناماً، ولا تحتاج منا أن نركع ونسجد أمامها كل يوم، بل أنت فقط تؤدي طقوس الطاعة لها، لكن بصورة مختلفة.

فـ"الماركة" مثلاً أو "الموضة" هي من هذه الآلهة التي بتنا نعبدها، فوقوف الناس لعدة أيام في العراء لا يسعون لغير هدف واحد هو تلك السلعة التي ستُحقق لهم ما يريدون!
وذلك "المنصب" الذي لو تطلب البقاء فيه قتل الملايين أو إزالة مدن عن الخارطة، لما تهاون طالب هذا المنصب في فعلها، من أجل إرضاء "إله السلطة" الذي استوى على قلبه.
العمامة، أو الثوب القصير، أو المؤهل الدراسي، أو الجماعة، أو الحزب وغيرها، نحن على استعداد لأن نؤدي طقوس الطاعة لها، بل إنها قد تتحول إلى صنمٍ يحتاج إلى هدم، إذا خرجت عن إطارها الصحيح واستبدَّت بنا.

أعتقد أنك بدأت تفهمني، فالآلهة أصبحت متنوعة في زماننا، فأي شيء نعطيه قدسيةً لا تليق به فقد أصبح إلهاً يُعبد من دون الإله الواحد، قد لا تشعر بهذا الأمر، ولكن أصبحت تُؤدي لهُ طقوس الطاعة يومياً.

الفتى إبراهيم (عليه السلام) حطَّم الأصنام على أرض الواقع، لكنها لم تتحطم في عقولهم، فبدأوا ينادون "حرّقوه وانصروا آلهتكم"، ربما هناك شيء مفقود!

التغيير إذا لم يكن على مستوى المنظومة الفكرية التي تحكم الإنسان فلن يحدث الأثر المنشود، قد تزول الآلهة لكن تقديسها يبقى في القلوب.

لعل ما شاهدنا في ثورات الربيع العربي خير دليل على ما أقول، فقد خرجنا منذ سنوات لإسقاط الأصنام التي كانت متمسكة بالحكم، سقطت الأصنام، لكن لم نتخلص من طقوسها التعبدية، وما زلنا نعاني منها إلى يومنا هذا.

النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يحطم الأصنام في بداية الدعوة، ولكن انتظر أكثر من ثلاث وعشرين سنة لكي يحطهما!؟

قد يتبادر إلى ذهنك سؤال: لماذا لم يحطم النبي تلك الأصنام التي كانت تُعبد من دون الله في بداية الدعوة!

تغيير المعتقد أصعب من هدم الأحجار، هذا كان شعار النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ إذ استطاع خلال سنوات معدودات أن يجعل الأشخاص الذين كانوا يعبدون تلك الآلهة هم مَن يحطمونها، إذ نزع قدسيتها من قلوبهم.

تلك الآلهة المزعومة تحتاج إلى تحطيم، ولكن ربما المعول لا يشبه ذلك المعول الذي استخدمه إبراهيم (عليه السلام)، بل نحتاج إلى معولٍ يحرر عقولنا من سيطرة تلك الآلهة.

ستلحقك تلك الآلهة وتمسك بك من عنقك، ولن تترك وحيداً أبداً، ولكن هنا تظهر العزائم والثقة، فشمّر عن ساعديك وخد معولك بقوة، وابدأ التحطيم وقل باسم الله.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد