أثارت الخطة المحتملة التي وضعتها حكومة المملكة السعودية لطرح شركة النفط العملاقة أرامكو للاكتتاب العام، قدراً لا بأس به من الحماس، وكذلك القلق. فبمجرد إدارج طرحها للاكتتاب، ستضطر الشركة لمواجهة تحدٍّ هائل وهو الاستجابة للأولويات والمطالب المختلفة لمساهمي القطاع الخاص بجانب إرضاء الحكومة السعودية.
وسواء أُدرِجت في اكتتاب نيويورك أو لندن – وهما وجهتان محبذتان للاكتتاب العام الأولي الذي يمكن أن يصل بالقيمة السوقية لأرامكو إلى حوالي تريليوني دولار أو أكثر – ستحتاج الشركة لرفع ممارساتها الحكومية من أجل الاحتفاظ بدعم الاستثمارات المؤسسية الغربية، بعد أن أصبحت ناشطة في مجالي الإدارة والاستدامة، وفقاً لما نشرته صحيفة New York Times الأميركية.
ويعد الأمر ملحاً، بالأخص في حالة أرامكو؛ لأن البنك الدولي وجد أن إدارة شركات النفط الوطنية "عادة ما يخسر المقارنة أمام معايير القطاع الخاص أو غيره من المؤسسات المملوكة للدولة، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالشفافية، أو المساءلة، أو الرقابة التجارية، أو الإدارة". ووفقاً للمؤسسة متعددة الأطراف، فإن نقاط ضعف الإدارة تعيق قدرة شركات النفط الوطنية على "خلق القيمة".
تعزيز الإدارة
وبالنسبة للنقاط التي تُحسب لصالح الشركة، فإن شركة أرامكو قد اتخذت خطوات فعلية نحو تعزيز إدارتها من خلال تعيين مديرين مستقلين من ذوي الخبرة في مجلس إدارتها، مشيرة إلى أنه بمجرد إدراج أرامكو في الاكتتاب سيتم "تحديد" المشاريع التي تقوم بها بالنيابة عن الحكومة السعودية.
بالإضافة إلى أنشطتها البترولية الأساسية، تدير شركة أرامكو السعودية مستشفيات ومدارس، كما تقدم خدمات اجتماعية أخرى. ونظراً لسمعة الشركة بشأن فاعلية إدارتها، كلفتها الحكومة السعودية حتى قبل عدة سنوات ببناء جامعة جديدة. ومؤخراً، كلفت الحكومة الشركة بدور أساسي في المساعدة على تطوير القطاعات الاقتصادية غير النفطية للمملكة.
بمجرد أن تطرح شركة أرامكو للتداول العام، سيصر المساهمون الخارجيون في الأغلب على أن يكون للشركة تركيز تجاري أقوى.
ورغم أنه من المفهوم أن ملكية الدولة للمؤسسات التجارية عادة ما تعني أنها لن تركز بشكل حصري على توليد الأرباح فقط، هناك دعم متزايد للرأي – الذي سبق اعتماده من قبل دول مثل نيوزيلندا وفنلندا – أنه ينبغي الاتفاق على أهداف السياسة الاجتماعية والعامة، والتكاليف التي تتحملها الحكومة المُسيطرة.
تحديد الأهداف
ويصرح إعلان الحكومة السعودية الأخير الذي يشير إلى أن الأنشطة التي تقوم بها أرامكو للحكومة سيتم تحديدها – وليس استبعادها تماماً – إلا أن الأهداف غير التجارية ستظل جزءاً من اختصاص أرامكو.
من الناحية المثالية، ينبغي تحديد تلك الأهداف غير التجارية بدقة، وأن تكون وثيقة الصلة بالقطاع الذي تعمل فيه الشركة واختصاصه، وأن تلتزم الحكومة السعودية بدفع تكاليف تحقيق تلك الأهداف. ولدى طرح الشركة، يجب أيضاً نشر المعلومات الخاصة بالطريقة التي تم بها تنفيذ هذه الالتزامات وتكلفتها بشكل دوري.
أعلن رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو مؤخراً أن أحد أهداف الاكتتاب العام هو "إزالة فكرة أن شركة أرامكو السعودية لا تتمتع بالشفافية".
وبرغم أنها إشارة مشجعة، إلا أنه ينبغي على شركة أرامكو والحكومة السعودية ألا يقللا من تقدير شدة التدقيق الذي ستواجهه الشركة – لاسيما بالنظر إلى أهمية ومكانة القطاع النفطي – كما يجب أن تراعي أنه سيتوجب عليها الاستجابة للمطالب المتعلقة بالشفافية في مناحٍ متعددة، رغم ما قد يسببه ذلك من قدر هائل من الضغط والإزعاج، خاصة في ظل طبيعة المجتمع السعودي السرية المحافظة.
أصبحت شركة أرامكو أكثر شفافية في السنوات الأخيرة. فقد نشرت على سبيل المثال مراجعة سنوية باللغة الإنكليزية لمعاملاتها خلال عقد كامل. لكنها لم تزوّد العامة بأرقام مالية مفصلة ودقيقة، بما في ذلك التحقق المستقل من احتياط النفط والغاز لديها.
وعلاوة على ذلك، فإن الكشف عن ترتيبات إدارة أرامكو يعد محدوداً للغاية، كما أن التوضيحات الخاصة بوجود لجان مجلس الإدارة، أو كيفية حصول كبار المسؤولين التنفذيين على أجورهم، مقتصرة فقط على مسؤوليات كل من المجلس الأعلى ومجلس الإدارة، وعضوية المجلس الأعلى.
وأخيراً، من المرجح أن يطلب المستثمرون الأجانب معلومات مفصلة عن معاملات الأطراف ذات الصلة، لاسيما تحويلات أرامكو للحكومة السعودية والعائلة المالكة.
في العديد من الدول، كانت هناك جهود جادة لتعزيز استقلالية مجالس الشركات المملوكة للدولة عن الحكومة، كأن تقوم بإضفاء الطابع المهني على عملية الترشيح، وإدخال المديرين المستقلين، والحد من تعيين المسؤولين الحكوميين والسياسيين.
نظراً لتاريخ أرامكو ودورها في الاقتصاد السعودي، فإنه ليس مفاجئاً أن أعلى هيئات إدارتها – المجلس الأعلى والمجلس الإداري – يسيطر عليها ممثلو الحكومة. في الوقت الحاضر، يتضمن مجلس إدارة أرامكو المكون من 9 أعضاء 3 وزراء – بما في ذلك وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية كرئيس – ومستشار للديوان الملكي.
على الرغم من أن المستثمرين الغربيين قد يشعرون بالرضا لأن أرامكو قد عينت رئيس "رويال داتش شل" السابق، مارك مودي ستيوارت، والرئيس السابق لمجموعة BG، أندرو غولد، كمديرين مستقلين، إلا أن هيمنة عناصر الحكومة على مجلس إدارتها – إذا ما استمر ذلك لما بعد الاكتتاب – من المرجح أن يثير القلق بين المستثمرين الغربيين بخصوص مدى استقلالية الشركة عن الحكومة.
في النرويج، لا يُسمح للسياسيين والوزراء وأمناء الدولة بأن يكونوا أعضاء في مجالس إدارة الشركات المملوكة للدولة "لتجنب مشاكل التحيز وتضارب المصالح" التي يمكن أن تنشأ "عندما لا تتفق مصالح المساهمين ككل مع مصالح الدولة بشكل تام".
في الماضي، بدا أن مجلس إدارة أرامكو لا يلعب سوى دور رقابي محدود. سُلمت المسؤولية المطلقة عن استراتيجية الشركة، والتخطيط والميزانية، والسياسات، والتعيينات الرئيسية، للمجلس الأعلى لشؤون البترول والثروة المعدنية، الذي سبق المجلس الأعلى الحالي لشركة أرامكو السعودية، والذي استُحدِث قبل عام واحد من الآن. وعملاً بإعلان سبتمبر/أيلول الماضي، فقد عُين الرئيس التنفيذي الحالي لشركة أرامكو من قبل المجلس الأعلى الجديد – وليس عن طريق مجلس إدارتها – ويبدو أن هذا الحصر في عناصر السلطة لم يبرح مكانه.
وعلى الجانب المقابل، فقد منحت بعض الدول – مثل نيوزيلندا وسنغافورة – مجالس إدارة الشركات المحلية المُدرجة، السلطة الكاملة في التوجيه والإدارة، وحصرت تدخلاتها بشكلٍ كبير على التصويت في اجتماعات المساهمين.
ويغير طرح الشركات التي كانت مملوكة للدولة بشكل كامل للاكتتاب العام من ديناميكيات السلطة بطرق لا ينجح في تقديرها بشكل كامل سوى حكومات قليلة. وفي حالة تلك الشركات المملوكة للدولة مع وجود مستثمرين مؤسسيين من الغرب على سجلات المساهمين يمكن أن يؤدي ذلك إلى ضعف سيطرة الدولة عليها، خاصة فيما يتعلق برغبتها في تحقيق أهداف السياسة الاجتماعية والعامة، إلى حد أكبر مما توحي به حصتها المتبقية، حتى في حالة وصول النسبة إلى 95% كما من المرجح أن يكون الحال مع شركة أرامكو.
في حال شعرت أرامكو أنها غير قادرة على تطويع إدارتها حسب المعايير الدولية، قد يكون من الأفضل لها أن تبقى كشركة خاصة إذن، أو أن تطرح شركات فرعية يمكنها أن تؤخذ هذه الاعتبارات في الحسبان بشكل كامل.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا