وهن الحرية أم وهن القطيع والشاة؟

الحرية التامة للسلوكات رخصة للنفس أن تقود أهواءها ونزواتها سفينة المجتمع، والأخطر أنها لا تقرّ إلا ما يضر، وتطرد ما يصلح وفق سنن كونية لا مهرب منها، فالمجتمع إن لم يعكف على الحق، سيشغله الباطل لا محالة، كذلك السفينة إن لم يقدها الربان لليابسة، قادتها الرياح لحيث تشتهي، إما يبعد عن اليابسة، وإما إلى غابر الأعماق!

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/20 الساعة 05:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/20 الساعة 05:04 بتوقيت غرينتش

قضية الحرية الشخصية، وإن كانت للأسف قضية إرضاء للغرور وإرضاء ما حسن وما ساء من الخواطر، والانتصار على الجمهور، أو التمرد إن صح التعبير، قضية بوجهين ولوجهين، ينطح بعضه البعض.

فمبدئياً، الحرية التامة للسلوكات رخصة للنفس أن تقود أهواءها ونزواتها سفينة المجتمع، والأخطر أنها لا تقرّ إلا ما يضر، وتطرد ما يصلح وفق سنن كونية لا مهرب منها، فالمجتمع إن لم يعكف على الحق، سيشغله الباطل لا محالة، كذلك السفينة إن لم يقدها الربان لليابسة، قادتها الرياح لحيث تشتهي، إما يبعد عن اليابسة، وإما إلى غابر الأعماق!

فالحرية كسلوك يضر به المرء نفسه، قد يضرّ به غيره كذلك، فالذي سمحت له نفسه إلحاق الضرر بغيره، لن تمنعه عن غيره، ومن باب أنّه سلوك يضرّ به المرء غيره، قد يضرّ به نفسه كذلك، فالمرء رجلٌ يسرى والمجتمع اليمنى، فما يصيب اليسرى من عرج، تتداعى له القدم الأخرى بالتثاقل والإعياء.

فمسألة التحرش كمثال واضح المعالم، بذيع صيته وفرط وقوعه، يقبل وجهين كذلك، فرغبة المتحرش بالتحرش ضرر بمن عليه التحرش، من كلمات تجرح، وألفاظ لا تليق تصل إلى المساس بالأهل كذلك.

ومن الوجه الآخر، أي الرغبة في الحرية في اللباس، كان ضيقاً أو كان مفضوحاً، ضرر لا محالة بمن يقع نظره على ذلك، تهييجاً واستفزازاً لما قد نام من الشهوات، وزعزعة لرباطة الجأش.
فكلاهما يلحق الضرر بأنفسهما، فالأول يزيد من نشاط النزوات، ويحطّ من قيمته كفرد، والثانية تبيع الكرامة مقابل طيش العيون وتعليق يضمن الاهتمام والإعجاب، وأي إعجاب هذا وأي اهتمام لمن يهتم بما ظهر، مما ظهر من فرائس الدود تحت الأرض.

فالأغرب أنّ كليهما إن سُئل عن ذلك يبدأ بالتبرير بالحرية، وينتهي بالتراشق بالتهم، أنت من ذا وليس أنا من ذا…، كأن هناك من في الخلق من سيلزم هذا وينزع هذا، بما تهوى نفسه، أو ما يقرّه الحق حقاً، فلذلك القول: ما استتر في العقل كان أعظم، من بشاعة التأويل وسماجة التفكير والعبث في التحليل، وقلة الفطنة والترّوي، وذلك دعاء لصاحبه… للحسرة بعد حين.

إذن، فأغلب ما يتنازع عنه المتنازعون في قضية الحرية، ضررٌ من وجهين، وإنما نصرة للنفس على الإنسان والفطرة… والأخطر أنها نصرة على وجهٍ ثالث، يُتّهم بالتردي بهذا وبذاك… تردي مجتمع، قد لا يُرى فيه قبس نور في كثير من الأحوال.

فالحرية إن لم تسر في سبيل الصلاح للمجتمعات، فلن تكون إلا عاراً عليها وعاراً على من فيها، وعاراً على من خلا فيها من أمجاد.. فهي إذن حرية للشتات، جاعلةً من كل فرد طيراً يحلق خارج السرب، كذلك الذئب ينال من القطيع بأكمله، ليس لقوته، بل لدهائه، فهو يدري أنّ القطيع سيفرّ منقسماً مفرزاً لشاةٍ هدف يفترسها، في نزالٍ مختل التوازن، بين فرد وفرد… فيخسر القطيع شاتاً، ويقيم العزاء على الراحلة، ويقيم العزاء على من سيأتي دورها، ليتوالى الأمر أياماً وأياماً.

كذلك هي قضية الفرار بتأشيرة الحرية، نسياناً بأن جواز السعي للأمجاد ليس الحرية في التسيُّب، إنما دوسٌ على ما تستدعيه النفس من أهواء، ودون ذلك الجواز وجهتنا الانقضاء..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد