تحدثت القناة الأولى الألمانية عن الجالية السورية ومساعدتها في الفيضانات التي ضربت بافاريا الألمانية بداية شهر يونيو/حزيران، وقد اعتبرتها القناة رداً للجميل من قِبل السوريين الهاربين من الحرب الدائرة في بلادهم لألمانيا على استضافتها لهم وقد قامت مواقع التواصل الاجتماعي بنشر الخبر مع صورة يظهر فيها شاب سوري يحمل الرفش بيده ويزيل الطين من الشوارع، مما جعلني ألجأ لتوضيح هذا الأمر.
أحب أن أوضح لك أيتها القناة الموقرة أسباب هذا التصرف من وجهة نظري، بداية سأعرفك على الشاب السوري الذي حمل الرفش ليغير اتجاه النهر، وسأبدأ بمن عرفتهم أثناء نشأتي الأولى في بلدتي (عامودا)، كانت بيوت بلدتي طينية وتحتاج للترميم كل عام، وكانت هذه العملية تتم بداية الخريف قبل موسم هطول الأمطار؛ حيث يقوم السكان بعملية التسييع وهي إعادة تطيين السقف بالطين المجبول بالتبن والملح لمنع الدلف في الشتاء، وكان مشهداً عادياً أن ترى شاباً ذاهباً في حال سبيله ومر بالصدفة ليتوقف ويمد يد المساعدة لأصحاب البيت غير آبه بتلوث قميصه، متأخراً عن موعده مع خطيبته التي ستبتسم بطيبة حين تعلم السبب.
وفي موسم السليقة، والسليقة هي طبخ القمح في أوعية ضخمة، ثم يفرش القمح المسلوق على البسط فوق أسطح المنازل ليجف تحت أشعة الشمس من أجل صنع البرغل منه، سيمر الشاب ويمد يد المساعدة، ثم يأخذ بضع حبات قمح مسلوق يرميها في فمه، وهو يضحك أثناء تقبل الدعاء من سيدة البيت التي لا تعرفه حتى.
ولا يخفى عليك موسم "رب البندورة"؛ حيث تعصر الحبات الحمراء اليانعة ويتم نقل العصير إلى السطح ووضعه في الصواني ليجف تحت أشعة الشمس الحارة، ليمر الشاب الشهم بنفس القميص النظيف، المكوي، لينقل بكل رشاقة عدة أوعية إلى السطح، وكأن ذاك ما عليه فعله، إنها البلاد التي يقوم الناس فيها بأعمالهم طوعاً، فإن كنت عجوزاً ولا أبناء لديك، لا تخف، ستأتي ابنة الجيران وتنظف بيتك، سيجلب لك ابن جارك البقالة، وستطبخ زوجته طعامك، وذاك الشاب الشهم لن يقبل أن يدلف البيت على رأسك، بل سيقوم بأعمال السياع لبيتك وبنفس القميص المكوي غير آبه بتلطيخه بالطين.
عزيزتي القناة الموقرة، إنه الشاب السوري الذي عمره آلاف الأعوام، المخلوق من الطين المقدس، حالما يرى رفشاً لا يتمالك نفسه عن حمله وإزالة ما يستطيعه من الأذى عن الطريق.
إنه الشاب السوري الذي لا يستطيع رؤية امرأة أو رجلاً عجوزاً يحمل ثقلاً إلا ويدفعه دافع أكبر منه لحمله عنه، إنه الشاب السوري الذي لا يستطيع ترك امرأة تستجير به ويكمل طريقه ولو كانت حياته الثمن، إنه الشاب السوري الذي أزال الأنقاض في الحرب، إنه الشاب السوري الذي أخرج النساء والأطفال من بين الحرائق.
إنه الشاب السوري الذي حمل الأطفال على رأسه بعد غرق قاربه المتهالك، إنه الشاب السوري الذي قدم وجبته الزهيدة للأطفال في مخيمات اللجوء لينام جائعاً، إنه الشاب السوري الذي تخلى عن خيمته للنساء والأطفال ليبيت في العراء متحملاً البرد القارس على الحدود المغلقة في وجهه.
أيتها القناة الموقرة، أما زلتِ مستغربة من حمله الرفش وولوجه الطين لينقذ مدينتك؟! عفواً أيتها القناة الموقرة أحببت أن أنوه ليس رداً للجميل ما فعله، إنه الشاب الشجاع والشهم الذي يمشي في شوارع البلدات الصغيرة مقدماً يد العون لكل مَن يصادفه، إنه الشاب السوري!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.