قبل أقل من عام على انعقاد الانتخابات الرئاسية، يواجه الرئيس الإيراني حسن روحاني فضيحة كبرى، تتضمن إعطاء رواتب مبالغاً فيها للمديرين والمسؤولين التنفيذيين في الشركات المملوكة للدولة.
وكانت وسائل الإعلام الإيرانية قد نشرت خلال الأسابيع الأخيرة، قسائم مرتبات عدد من أبرز مديري الشركات المملوكة للدولة، والتي أظهرت تقاضيهم رواتب ومكافآت تعد فلكية في دولة كإيران، يصل أغلبها إلى مئات الآلاف من الدولارات شهرياً، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الأحد 17 يوليو/تموز 2016.
وانتُخِب روحاني رئيساً لإيران في عام 2013، بعدما تعهد بالقضاء على الفساد في الحكومة، وإعادة إحياء الاقتصاد من خلال توقيع الاتفاق النووي وإنهاء العقوبات الموقعة على بلاده. ومع استمرار وجود الكثير من تلك العقوبات حتى الآن، ما زال الاقتصاد الإيراني يحتضر، حسب التقرير.
والآن، ورغم التطهير المفترض بعد رحيل الإدارة السابقة التي قادها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، واستبدال رجاله برجال روحاني الذي وضع الموالين له في أعلى المناصب في الشركات الحكومية، وجد روحاني نفسه في مواجهة تلك الرواتب الكبرى والمضاعفة التي أُعِلن عنها.
أصدقاء أم أعداء؟
"أصدقاء روحاني هم أعداؤه؟". هكذا علق محمد رضا سبزعلي پور، رئيس مكتب منظمة مركز التجارة العالمية في طهران، متحدثاً عن المقربين من الرئيس الإيراني.
كان من بين المتورطين في فضيحة الرواتب شقيق إسحاق جهانغيري، نائب الرئيس، بالإضافة إلى العشرات من المديرين في مجالات الرعاية الصحية والطاقة والبنوك، وغيرهم ممن يتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
ويواجه جهانغيري، وحسين فريدون (شقيق روحاني)، اتهامات بالوساطة والمحسوبية لتعيين أقاربهم وأصدقائهم في المناصب التنفيذية العليا.
المرشد الأعلى ينتقد
وكان المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، آية الله علي خامنئي، قد انتقد بشدة الرواتب المبالغ فيها، والتي تتجاوز الحد القانوني البالغ 2353 دولاراً شهرياً للعاملين بالحكومة.
وأمر روحاني -الذي ابتعد عن الأضواء منذ تفجير الأزمة الأخيرة- بفتح تحقيق حول الأمر، في حين قدم عدة وزراء اعتذارهم للشعب، كما أُجبِر عدد من المديرين على الاستقالة.
وظهرت تلك التسريبات حول الرواتب لأول مرة في وسائل الإعلام التابعة للمحافظين المعارضين للرئيس، قبل أن تنتشر منذ ذلك الحين لتخرج من نطاق دائرة المحيطين بروحاني وتصل إلى المدراء التنفيذيين من جميع الفصائل السياسية.
وبدأ الحديث عن القضية في مايو/أيار 2016 تحديداً، حينما نشرت وكالة أنباء ميزان التابعة للسلطة القضائية في إيران، قسائم مرتبات ثمانية من مديري شركة التأمين المركزية المملوكة للدولة، وتبين أنهم تقاضوا مكافآت سنوية تتجاوز 50 ألف دولار، وأضافت الوكالة أنه ينبغي النظر لتلك الرواتب بالمقارنة بسبعة ملايين موظف إيراني يتقاضون أقل من 200 دولار شهرياً.
وعلى خلفية تلك الواقعة، استقال محمد إبراهيم أمين من منصبه كرئيس تنفيذي للشركة.
وفي يونيو/حزيران 2016، نشر موقع Ensafnews المحافظ، قسائم مرتبات كبار مديري "بنك تجارت" المملوك للدولة، وأظهرت الوثائق أن الرئيس التنفيذي، والذي عُيِّن بعد تولي روحاني الحكم في 2013، تقاضى 208.115 دولاراً (208 آلاف دولار) على مدار 21 شهراً، كما حصل على قرض دون فوائد بقيمة 289 ألف دولار.
ومنذ ذلك الحين، أعلنت وسائل الإعلام عن المزيد من رواتب العاملين والمدراء، وتنافست الصحف بمختلف اتجاهاتها لنشر تلك الرواتب، في محاولة لإحراج الاتجاه السياسي المعارض لها. وتصدر مديرو الرعاية الصحية تلك المنافسة، إذ يتقاضى بعضهم ما يزيد عن 200 ألف دولار شهرياً.
يقول حامد رضا تراغي، المحلل السياسي ورجل السياسة المحافظ "رفعت هذه الحكومة الأجور والمكافآت بشكل جاد، والآن نحن نرى النتائج".
ولم تخرج إعلانات رسمية حول زيادات في المرتبات، إلا أن تراغي، المطلع جيداً على الشأن الحكومي، قال إن 285 من المدراء الحكوميين يتقاضون حالياً ما يزيد عن 6000 دولار شهرياً.
حد أقصى نظري
دائماً ما تخضع الرواتب الرسمية في إيران لحد أقصى -من الناحية النظرية على الأٌقل- تمشياً مع السياسة الرسمية التقشفية والمعتدلة، والتي تعتبر القاعدة الأيديولوجية للجمهورية الإسلامية.
ومع ذلك، اعترف روحاني سابقاً أن ذلك الحد يكون منخفضاً بشكل غير واقعي في الكثير من الأحيان، وأن الرواتب المرتفعة -غير المرغوب فيها شعبياً- هي أمر أساسي لجذب مدراء من أصحاب الكفاءة، إذ قال "دعونا نواجه الأمر. في كل مكان في العالم يحصل المدراء على الكثير من المال".
من جانبها، اتهمت بعض الشخصيات الموالية للحكومة بعض الجنرالات في الحرس الثوري الإيراني ومكتب المرشد الأعلى بتقاضيهم رواتب مشابهة.
وأنكر المتحدث الرسمي باسم الحرس الثوري تلك التهم، ولكنه رفض الكشف عن رواتب القادة العسكريين، معتبراً إياها من "أسرار الدولة".
يقول سعيد ليلاز، الخبير الاقتصادي الإيراني المقرب من الحكومة "يبدو أن هذا مشابهٌ لما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق. تحصل النخب على المال والامتيازات مقابل ضمان ولائها".
دائماً ما كان الفساد مستشرياً في إيران، إذ تقوم الحكومة بتوزيع مليارات الدولارات من عائدات النفط داخلياً. وفي خلال الفترتين الرئاسيتين للرئيس السابق أحمد نجاد، وصل الفساد إلى مستويات غير مسبوقة.
عانى النظام المصرفي الإيراني من ديون ضخمة بسبب حصول البعض ممن هم على صلة بشخصيات هامة على قروض ضخمة لم يسددوها على الأغلب، في الوقت الذي تغلق فيه أسواق الإئتمان أبوابها أمام الشباب والشركات الخاصة.
شقيق روحاني
وفي هذه التسريبات الأخيرة، كان أكثر ما أصاب روحاني بالضرر هو تورط أقرب المقربين منه، وهو شقيقه فريدون، والذين اتهمته شبكة Raja News الاخبارية المحافظة باستغلال نفوذه لتعيين صديقه علي صديقي مديراً لبنك رفاه.
وأشار ناصر سراج، رئيس مكتب التفتيش العام الإيراني، إلى أن صديقي قد عُيِن بعد إصرار وضغط من جانب مسؤول حكومي.
في الوقت نفسه، حصل نائب الرئيس، والذي يقود التحقيق الرسمي في فضيحة الرواتب، على مكافآت بقيمة 200 ألف دولار من مصنع أسمنت مملوك للدولة يعمل فيه كعضو بمجلس الإدارة، بحسب صحيفة كيهان الإيرانية المحافظة.
وانتشرت حالة من الاحباط في البلاد بعد الاتهامات التي انتشرت على نطاق واسع، على الرغم من اعتياد الإيرانيين على الفساد المترسخ، لذلك لم يشعر الكثيرون بالمفاجأة بعد تلك التسريبات.
يقول مصطفى زاندوكيلي، وهو أحد موزعي المياه المعدنية ممن يعملون في شوارع العاصمة في ظل حرارة الصيف "أنا أحتاج للعمل من الصباح الباكر وحتى الليل لكي لا أفلس. أنظر إلى ما يتقاضاه هؤلاء.. عن أي شيء يتقاضون تلك الرواتب؟ للأسف هذه الفضيحة ليست مفاجأة على الإطلاق، لأن هناك الكثير من الفساد".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.