مسلمو الشرق ومسلمو الغرب.. وجهاً لوجه

يكاد بعض العرب والشرقيين ينهجون نهج بني إسرائيل بدعوى أنهم شعب مختار من قبل الله، وأن الله اختار من العرب أفضل الأنبياء وأشرف الكتب، وهذا ليس فضل لهم بل ميزة، وكما قلنا ليس شرطاً في المزايا أن تعني الأفضلية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/17 الساعة 05:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/17 الساعة 05:09 بتوقيت غرينتش

الإسلام شرقي.. نعم، ولكنه رباني وعالمي في المرتبة الأولى.

ولا مزية لأهل الشرق عن أهل الغرب إلا في الإيمان والتصديق، فأنصار النبي الكريم ومحبوه وصحابته عدد منهم ليس بالقليل، غير شرقي!
وميزة الشرقيين أن الله اختار أفضل الرسل منهم وأنزل أفضل كتبه بلغتهم، وجعلها عالمية الإيمان والتصديق، إنسية وجنية.
صحيح أن المسلمين الشرقيين حصلوا على هذا الشرف والفضل، ولكن القاعدة المنطقية تقول: الخصوصية لا تعني الأفضلية بالضرورة..

مسلمو الشرق، وبعبارة أدق أكثر الشرقيين العرب، هم الذين يشعرون بأن الدين منهم، ولهم فيه مزية خاصة، حتى إنك لترى العربي غير الكفء يتصدر للإمامة مع وجود آخرين هم أكفأ منه دينا وقراءة، والسبب أنه عربي! ويخضع لهذا غير العربي ظناً منه فعلاً بأنه أولى بالصلاة منهم، لعربيته فقط، وليس لأهليته للإمامة أو الصلاة!
وكثيراً ما يشعر الغربي المسلم بأنه غريب على الإسلام مع وجود العربي أو الشرقي! ويشعر العربي المسلم -أحياناً- بالمنة على الغربي المسلم!

هذه الأفكار والخواطر لا أساس لها في الدين، ولا علاقة لله والنبي بها، من قريب أو بعيد.

الإسلام دين الله فقط، لا فرق بين عربي أو عجمي، ولا أبيض أو أسود، إلا بالإيمان والتصديق، فبلال الحبشي الأسود، أكرم عند الله من أبي جهل القرشي العربي الأبيض عم نبي الله وحبيبه!

"شرقنة" الإسلام، أو "عربنته" عملية خاطئة وبضاعة مزجاة، تخالف ما أراده الله وارتضاه لدينه الحنيف، فالله لا يجامل أحداً ولا يحابي أحداً، فالإسلامي رباني، كونوا ربانيين، الانتساب لله فقط لا لعروبة أو شرق أو غرب.

لقد حاول اليهود من قبل أن يضعوا لأنفسهم القداسة والفضل؛ بسبب أن الله اختار الأنبياء منهم، وأرسل الرسل إليهم، ونزلت الكتب بلغتهم، وظنوا أنهم الأفاضل والأكابر، وأنهم شعب الله المختار، فقطع الله عليهم هذه الظنون الجاهلية التي لا دليل عليها إلا الكِبر والغفلة.
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.
{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.
{قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين}.

ويكاد بعض العرب والشرقيين ينهجون نهج بني إسرائيل بدعوى أنهم شعب مختار من قبل الله، وأن الله اختار من العرب أفضل الأنبياء وأشرف الكتب، وهذا ليس فضل لهم بل ميزة، وكما قلنا ليس شرطاً في المزايا أن تعني الأفضلية.

فبدون أن نشعر نريد أن نصل إلى ما وصل إليه بنو إسرائيل بأننا الناجون الوحيدون وأننا أصل الإسلام والأفهم له والأحق به! بل نحن بشر ممن خلق، ولا يفضلنا إلا تقوى وعبادة زادت على غيرنا، فقط ولا غير..

ولو رجعنا إلى أمِّ الموضوع وأساسه، وهو انتقاد مسلمي الشرق أنفسهم بأنهم أقل عزيمة وأضعف حماساً -في بعض الأحيان- من مسلمي الغرب، وأن مسلمي الغرب عندما يدخلون في الدين يتحولون جذرياً، بينما الدين غدا عادة في غالب مسلمي الشرق.

على أن مسلمي الشرق تغلغل فيهم الدين وتجذر وأصبح موروثاً عائلياً واجتماعياً وعادة حتى، فأصبحت صبغة الإسلام تتجاذبها الكثير من العادات والمفاهيم الاجتماعية وتؤطرها بعض العادات والتقاليد.

وهذه حقيقة لا يمكن أن تنكر بل هي واقعية وموجودة عندنا، ولا داعي للمجاملة فيها.

وبالمقابل لو نظرنا إلى مسلمي الغرب، وكيف أن أحدهم يأخذ القران والدين كما هو، ويكون مفهومه له أوضح وأشد تمسكاً في بعض الأحيان، وذلك لأن المسلم الغربي لا خلفية له عن الإسلام لا اجتماعياً ولا عائلياً، بل هو شيء جديد عليه بالكلية، وكأنه الآن أنزل من الله ولا يعرف له سابقة أو مثيلاً، تماماً كما هو الحال في أول الإسلام، فالصحابة كانت عزيمتهم قوية ومخلصة لأنهم تلقوه لا عن سابق مثيل أو عادة أو معلومات مسبقة، بل فجاءةً وحالاً، لذلك كان إيمان الغربيين أشد شبهاً بإيمان الصحابة الذين دروا الدين بغير سابقة.

وهذه ميزة جليلة لمسلمي الغرب الذين أخلصوا لله دينهم وفهموا الإسلام كما يجب، لذلك تراهم يتركون كل ملذاتهم وأهاليهم وما يحبون في سبيله، تماماً كما فعل المسلمون الأوائل عند هجرتهم من مكة للمدينة.

وأما مسلمو الشرق الذين تغلغلت الكثير من العادات فيهم والتقاليد والموروث، فقد أشغلتهم بعض الشيء عن أساس الإسلام وجعلهم يحسبون للعادات والتقاليد زيادة على الدين، وهذا عند البعض وليس عند كل مسلمي الشرق.

لذلك ترى مسلمي الشرق ينبهرون بمسلمي الغرب وتمسكهم القوي بالدين وكيف أنهم يتفانون فيه، وبالمقابل يرى مسلمو الغرب بعض مسلمي الشرق متهاونين فيه متساهلين بدينهم يدخلون فيه ما ليس منه!

أحياناً، وبسبب مفاهيم مسلمي الشرق غير الحقيقية عن الدين، بأنهم أصل الدين وأربابه، يؤثرون سلباً على مسلمي الغرب، ومنهم من يترك الإسلام بحجة أنه إذا كانوا أهل الشرق أصل الإسلام ويفعلون هكذا ويغشون ويكذبون، فمعناه أن دينهم ليس صحيحا!

وهذه أصل المشاكل وأكبرها، كلا، الإسلام ليس عربياً ولا شرقياً ولا غربياً، إنه دين الله وحده، دين عالمي رباني، حتى أنه ليس إنسانياً، بل كونياً، للجن والإنس والعالم أجمع، وكل أحد له نصيب منهم مثل نصيب الآخر لا يفضلهم إلا الله..

فليترك الشرقيون العرب المسلمون، هذه الظنون اليهودية بأنهم شعب الله المختار، وبأنهم أفضل العالمين وأنهم أصل الدين وأساسه، وهم مصدره وفرقته الناجية! بل هذا كذب بنص كلام الله، بل أنتم بشر ممن خلق، لا أكثر ولا أقل.

وليترك الشرقيون العرب المسلمون، هذا الانشغال الكبير بتحقيق التكفير على الناس عامة، والانشغال بمن سيدخل منهم النار ومن سيدخل الجنة، وما مصائرهم في الدنيا وبعدها، فهذا تطفل على الله وسير على نهج الذين لعنهم الله من بني إسرائيل..

انشغلوا بدينكم وعبادتكم، ونشر دينكم السمح الكريم، وكونوا عباد الله إخواناً!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد