إنسان أم حيوان؟

أمعنوا النظر في عالم الحيوان وقارنوا، ثم تساءلوا عن ميزة الإنسان، لن يستطيع أن يقنعني أحدٌ بأن للإنسان عقلاً في هذا العالم الذي نعيشه، فإذا ما اقتنعت بدليل الإسلام والعلم، فلن أقتنع بدليل الواقع الذي يفرغ من ويصدر عن المسلمين وغيرهم من بني هذه البشرية السلالية الحيوانية المتطورة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/17 الساعة 04:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/17 الساعة 04:40 بتوقيت غرينتش

في اعتقادي أن سبب استشراء الإجرام في عالم البشرية، ليس مبنياً على أساس الهضيمة أو النفاق أو الحسد أو الظلم، كل ما ذكرنا وما لم نذكر، ليس إلا نتائج لا طائل من إصلاحها.. أو النحيب على احمرارها القاني في حياتنا.. ما أعتقد أنه السبب الرئيس لذلكم الإجرام المجنون، هو انسلاخ البشرية انسلاخاً حقيقياً من عالمها الإنساني، والعقلي والإيماني بعد ذلك، والتحاقها بالعالم الحيواني.. خروج صارخ من عالمها الذي يجب أن يقوم على المعادلة والإنصاف والحق، إلى عالم القوة والهيمنة والحديد والنار كما يُقال.

حاول أن تسيطر أيها المعتوه بقوتك على دولة، أو مدينة، ستجد نفسك في مصاف الحق، وفي درجة المساواة مع أهل الحق، وستجد أن الناس من حولك يتتابعون للالتحاق بركبك، كما ستجد أن الذين يريدون السلام وإحلال الوئام يعاملونك كما لو كنت رب الشعب، وإمبراطور التاريخ، وعجينة الحقيقة التي يجب أن يؤخذ منها لبنات السلم.

أمعنوا النظر في عالم الحيوان وقارنوا، ثم تساءلوا عن ميزة الإنسان، لن يستطيع أن يقنعني أحدٌ بأن للإنسان عقلاً في هذا العالم الذي نعيشه، فإذا ما اقتنعت بدليل الإسلام والعلم، فلن أقتنع بدليل الواقع الذي يفرغ من ويصدر عن المسلمين وغيرهم من بني هذه البشرية السلالية الحيوانية المتطورة.

إن السياسة التي لا تقوم على العقل لا يمكن أن تقيم العدل، كما لا يمكن بحال أن يستقيم الحال ويتغير المآل. إن لم نعُد إلى عالمنا لن نكون إنسان له دلالاته وفوارقه عن العوالم الأخرى. نحن نسقط وما زلنا نسقط، وفلاسفتنا وساستنا وعلماؤنا ونخبنا الثقافية تنظر دائماً بعلم أو بغير علم، حيال كيفية أن تكون حيواناً على سدة الحكم، أو كيف تكون حيواناً على المنبر، أو كيف تكون حيواناً على حافة أوراقك، أو كيف تكون حيواناً في تعاملك مع الآخرين.

ثقافة الانجرار جعلت من هذا الكون تطابقاً مفهومياً واحداً، ورؤية واحدة، فلا تكاد تفرق لماذا قتل الغزال الأسد، ولماذا ضرب بشار الأسد مدينة حلب، ولماذا كان الصمت عن الإجرام عين العقل، ولم يكن العدل عيون العقل كلها، ولماذا كان الذكاء مبنياً على لغة القنابل النووية، ولم يكن الذكاء مبنياً على الحكمة في إطار الحق الذي يُملك. قد نجابه مرة أخرى بلغة الدليل الإسلامي، المتمثل في القرآن، فإن وافقنا على ذلك فهما كفهمهم، لاحقيقة كما يعلمها الله، فإننا لن نستطيع أن نوافق على وجوبية أن نكون كذلك، فإذا ما قيل إن ليس هناك من يبتغي أن يكون وضعنا كما نحن عليه اليوم، فأقل ما يرد على هذا الانفصام المريع؛ لماذا إذاً تمارسون ما لم يأمركم به الإسلام والقرآن، بل حذركم منه، وتتخذون ما تحدث عنه كشاهدة من شواهد المرحلة البشرية التي تعتلونها وتعتلقون بها، وكأنها هي القرآن كله.

إن هذا العالم الذي نغترف منه ينابيع العلم، هو ذاته من زرع الشقة الكبرى ما بيننا وبين العلم، فالعلم يحدثنا عن المحبة والأخلاق والقيم والإنسان، الإنسان ذلكم المطعون في أعماقنا، المدفون تحت رمال الأحذية الثقيلة، يحدثنا العلم بهذه الصيغ الباذخة ويحدثنا عالمنا وتعاملاتنا بخلافها تماماً، تباين مخيف، وتعليم أجوف؛ وفي شِقٍّ منه موجه، وعالم مغبون، مملوء بالتناقض والتعارض والتقويض، نتعلم في مساجدنا وكنائسنا حب البشرية، والرفق بها، والرحمة بضعفها وحاجتها، فلا يقتلها غيرنا، ولا يعذبها أحدٌ سوانا، ولا يبيحها إلا نحن..

لماذا اخترنا الذكاء الذي فيه انقراضنا، واقتتالنا، وتحذلقنا على بعضنا؟1 لماذا لا نكون بطبائعنا وتلقائيتنا؟! لماذا التكلف في إغراقنا وطمسنا من خارطة الكون؟! إن هذا العالم المجرم أحوج ما يكون للإنسانية أو إلى الطفولة، ولا عدل ولا عقل ولا إصلاح إلا بأحد هذين النقيين.

إن الضعف الذي يعترينا هو كذلك الضعف الذي يعتري ذلكم الحيوان، كما أن تلكم الرحمة التي تتزاحم في دواخلنا، هي كتلك الرحمة التي تتزاحم في دواخل ذلك الحيوان أيضاً، فهل رأيتم ذاك الفهد وهو يحنو على الشمبانزي الصغير بعد أن قتل أمة؟ وهل رأيتم ذلكم الحيوان البشري -عفاش- وهو يناشد الأشقاء أن يكفوا عن تدمير الوطن؟ ذلكم الوطن الذي فجره بكلتا يديه؟ وهل رأيتم ضعف الحيوان عند أكل فريسته، وضعف الحيوان البشري عند الفتك بخصمه وعدو سلطته؟

إذاً ما كان ذلكم المفترس يقتل ليأكل، فلماذا نقتل نحن؟ أين العقل في تلكم الدول الكبرى التي تحشد نفسها بأطنان القنابل، والأسلحة الذكية.. إلخ؟ لماذا كل هذا الاحتشاد؟.. لماذا هذا المنهاج الحيواني المتغطرس المتعطش؟!

أعلم أنه سؤال ساذج، ولكني أجد العقل في سذاجة هذا السؤال، ولا يمكن أن أجد إجابة معقولة ما لم تكن ساذجة. إن هذه البنيوية التاريخية لفكر هذا العالم خاطئة، لم أستطع أن أهضمها، فضلاً عن أن أنظر إليها بإعجاب، ما لم تعلن هذه البشرية المنوية حيوانيتها من على كل منبر من منابرها. وهذا ما لا يمكن، لأنها أضافت إلى كل تلك الحيوانية الرخيصة، العقل الحيواني الذي تستخدمة في الالتباس وعدم المباشرة، مع لبس سبعة مليارات قناع.. أو أقل!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد