يكفيك أن تخرج من غربتك بهذا

كأن الغربة تفعل أفاعيلها بالقلوب تنقيها تجعلها أجمل، أطيب وأدفأ، يأسرك جمال القلوب هنا، يبادلونك الحب، لا أحد يرى نفسه فوق أحد، الكل يؤمن أن الجميع هنا يجتهد لينال نصيباً كتبه الله له، أحدهم قد يهاتفك يومياً ليسألك كيف تمضي أمورك أو إن كنت تحتاج مساعدة، ومنهم من يدعوك لبيته ليشعرك بدفء الأهل، ومنهم من يتودد لك ليدخل بسمة على قلبك، ومنهم من لا يتوانى أن ينصحك بكل جديد ومفيد.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/15 الساعة 05:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/15 الساعة 05:17 بتوقيت غرينتش

وأذن الله لنا بغربة على بلد لا لغة تواصل بيننا وبينهم، تفاصيل أبكتنا في بدايتها، ولكنها اليوم باتت مضحكة، الغربة تماماً مثل ذلك السن سيؤلمك حين ينتزع، سيخف الألم تدريجياً، سيترك فراغاً، ولكنك ستضحك متى أردت.

أمر الغربة هكذا، ستتألم في بدايتها حين تُنتزع من جو العائلة ومن الوطن، ولكن سيخف ألم الغربة تدريجياً سيترك تغيير العادات ونمط الحياة واللغة وكل ما يخص حياتك فراغاً كبيراً، كأنك اليوم ولدت وستبدأ تتعلم كل جديد لتحيا، يومُ تتقدم وآخر تفتر، ومع كل التفاصيل ستبدأ بالتبسم لتتوالى ضحكاتك.

في الغربة ترى كل الجمال والجلال، ترى الحب والود والوصل، ترى الجميع نشيطاً ومثابراً، الكل يسعى للأفضل، العلاقات منمقة وجميلة كل له رونق يضفيه في قلوب الآخرين، أيادٍ ممتدة بالخير بكل ما يحمل، جلسة دافئة مثمرة كفيلة أن تخرج وقد نلت وأنلت أمراً جديداً.

كأن الغربة تفعل أفاعيلها بالقلوب تنقيها تجعلها أجمل، أطيب وأدفأ، يأسرك جمال القلوب هنا، يبادلونك الحب، لا أحد يرى نفسه فوق أحد، الكل يؤمن أن الجميع هنا يجتهد لينال نصيباً كتبه الله له، أحدهم قد يهاتفك يومياً ليسألك كيف تمضي أمورك أو إن كنت تحتاج مساعدة، ومنهم من يدعوك لبيته ليشعرك بدفء الأهل، ومنهم من يتودد لك ليدخل بسمة على قلبك، ومنهم من لا يتوانى أن ينصحك بكل جديد ومفيد..

في الغربة تتكسر قواعد وعادات فرضت علينا من قبل مجتمعاتنا، ففيها أنت تحدد ما يناسبك بكل تفاصيل حياتك، ومفاهيم كثيرة تتغير، ومنها:

* أنت تفتح باب بيتك لمن تريد ومتى تريد غير مضطر أن تتقيد بعلاقات وأطر بعيداً عن الأمراض المزمنة "ما بدهم إيانا نزورهم، شايفين حالهم، والكثير الكثير…".

* قاعدة الهدية وقيمتها فهنا الناس يستقبلونك لأجلك، لا ينظرون إلى ما تحمل بيدك، بل ما يحمل قلبك، أما موال "ما جاب مثل ما وديتله، وضيافة حسب هديته، وما خفي أعظم…".

* إن أردت ألا تكمل في علاقة ما فهنا الحياة تساعدك فتخرج منها بكل بساطة، جُل الأمر أن يكف أحد الأطراف أو كلاهما عن التواصل حتى تنتهي العلاقة دون أن تحدث أدنى أذى نفسياً، على عكس بلادنا تحتاج أن تموت حتى تنتهي العلاقة ببساطة، وغير ذلك سيأتي عليك بالويلات "تشهير وتزمير وكبر رأس وشوف حال، وكل ما يخرج من الأمراض النفسية المزمنة وقطيعة ليوم الدين وكل الأطراف مظلومة بتكون".

* إن احتجت مساعدة هنا أو ساعدت أحداً، فالأمر نابع من القلوب، لا أحد ينتظر مقابلاً لا معنوياً ولا مادياً، كل يساعد كما يحلو له ويحب، والبعض ببلادنا يساعد فقط "سداد جميل، أو حتى ترُده يوماً ما".

* أن ترفض أمراً لا يتناسب معك، أو أن تقول "لا " مراراً وتكراراً، وتعتذر بلطف كفيل أن يحفظ لك خصوصيتك أو سير مخططك ويتلقى الطرف الآخر الأمر برحابة صدر وتفهم وليس عليك أن تفكر ماذا تقول وتبرر، كما يحدث في عالمنا الغريب، ونظراتهم تكاد تقذف حمماً عليك، كيف تقول "لا" في عالم تعود أن تقوده قناعات فارغة عقيمة؟!

فيا صاحبي، لا تفسد غربتك وتعبس، ويكفيك من الغربة طِيب إخوة يسحرون القلوب، إن غبت افتقدوك، وإن حضرت أكرموك، وإن أخطأت أعانوك، يكفيك كنزاً من المشاعر الصادقة تحملها تجاه الآخرين، ولا تتباكَ على عالم العجائب بعضهم يمسي ضاحكاً في وجهك ويقيم الليل يكيد لك حتى يصبح.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد