(رحلة تحليلية داخل عقل الدواعش ونظرة نفسية لدوافع العنف لديهم)
يبدو السؤال ساخراً للبعض، وهو لتصورنا الدائم بأن هناك عقلية إجرامية يتميز بها بعض البشر عن غيرهم. يقول دي بيكر: إن كل إنسان لديه مسحة من العنف، وإننا جميعاً قادرون على الأفكار الإجرامية بل والأفعال الإجرامية، ويثبت مقولته هذه بعبارته الشهيرة: "إذا استطاع إنسان معين فعل شيء معين في ظل ظروف معينة، فإن كل البشر يستطيعون فعل ذلك الشيء".
إذاً لِمَ العجب؟! ربما غداً أو اليوم يصبح في بيتك داعشي، فالتغيير والتغير هما الصفة والحالة الدائمة لهذا الكون، فالتغيير لا يكون جملة واحدة، وكذلك العنف والإجرام هما سلسلة كاملة وليسا حدثاً فجائياً منفصلاً، هناك مؤشرات كثيرة للتنبؤ بالفعل الإجرامي:
أول تلك المؤشرات هي الطفولة المضطربة أو المهينة، ما زال بعض الآباء يعتقد بأن العنف والإهانة والإهمال الطريقة الصحيحة لخلق رجال يعتمد عليهم في المستقبل، لقد أثبتت الدراسات على تاريخ السفاحين والمجرمين عكس ذلك تماماً، كان "روبرت باردو" -الذي قتل الممثلة "ريبيكا شايفر"- يحبس في طفولته في غرفته ويلقى له طعامه كما لو كان كلباً، ولم يتعلم أبداً أن يكون ذا علاقات اجتماعية، وذلك لأننا هدمنا الهوية والذات والنفس بأكملها، حتى أصبح مثل هؤلاء يسعون بشدة للبحث عن اعتراف الناس بهم، ولكن بطريقة المرضى النفسيين الذين لا يبالون بأن يكون انتباه الناس لهم سلباً أو إيجاباً، ومن هنا تبرز نوايا المحبطين في إحلال ذات غير الذات التي لا يريدونها لأنفسهم، فتأتي هذه الجماعات بتقديم البضاعة وهي الكبرياء والعزة والثقة بالنفس.
إن ما يحرك هؤلاء هو الرغبة في التحول السريع الذي يقوده الحماس، فالحماس هو بمثابة الفحم لهذا القطار البخاري الجامح، إنهم يعدون بالتغيير الكبير الشامل والحياة المثالية وتصوير الواقع القريب بالأحلام التي يستحال رؤيتها في منامهم، فقد جعلوا الهدف كبيراً بمثابة القضية المقدسة والمجيدة التي قد تبرر أي فعل بشع شنيع، فقد جعلوا بضاعتها الكبرياء والعزة والثقة بالنفس لمن يعانون في الأساس من الإحباط وانعدام المعنى في حياتهم، ولمن ضاعت أحلامهم وآمالهم في قارعة الطريق، فلا غرابة في أن يفجر نفسه التي ليست لها قيمة في هذه الحياة، إن أنصار هؤلاء هم الذين لا يريدون تحمل المسؤولية في حياتهم أو مَن يشعرون بعبء اتخاذ القرارات وتأسيس حياة كالراشدين.
وهناك صفات أخرى يتميز بها هؤلاء المجرمون منها:
1- الاستهتار والتظاهر بالشجاعة والقدرة على استخدام الجسم أو السلاح لتحقيق أغراضهم الواهية، وكذلك الاستطاعة والقدرة على تحمل تبعات سلوكهم العنيف فلا يبالون لا بدخول السجن أو التعرض للأذى أو الموت، إن الإيمان بقضية كبرى كما يدعو لها هؤلاء تؤدي إلى إلغاء كل شيء ممتع وطيب في هذه الحياة وتصبح بمثابة المشتتات في طريقهم إلى أن تصل إلى عصب العيش كالأسرة والعمل.
2- التصلب في التفكير: وقد أثبتت لنا بعض المقابلات التلفزيونية التي أفصحت عنها وزارة الداخلية السعودية القدر الهائل من التصلب الفكري في محاوراتهم، فهذا الانغلاق العقلي والعمى هو ما يمنحهم القوة، فرؤيتهم المتصلبة تحدد الفعل والسلوك الإجرامي.
3- عدم الصدمة من الأشياء التي تصدم الآخرين: قِس على ذلك كل شيء يحرك النفس سواء حادثة، قصة مؤلمة، مشهد دموي وغير ذلك، والسبب لأنهم قد أخضعوا أنفسهم لاختبارات وتجارب نفسية إيحائية مستمرة في الاستعداد لفعلهم الإجرامي، قبل أن يصل هؤلاء المجرمون لفعلهم الإجرامي يكونون قد تجردوا من كل المشاعر بسبب انغمارهم الكامل في ذلك الفكر فلم يعد يرون من حولهم كما كانوا ينظرون إليهم من قبل، فليست أسرهم أسرهم التي عهدوها بل تمثل العدو الحقيقي لفكرهم والحلقة الأولى والأساسية للتغيير المزعوم.
4- الهدوء الغريب أثناء الصراع: والسبب يعود للاعتقاد الجازم بالقدرة على السيطرة ورؤية الآخر بأنه ضعيف وفاسد وجبان ومنحط.
قد يكون الإلغاء ورفض الآخر والتربية المهينة قاتلاً للهوية والذات والنفس بكاملها فنصبح كمن أنشأ عدواً موقوتاً وجد مبرراً لفعله المستقبلي، فالانفتاح العقلي وعدم رؤية الحياة باللونين الأسود والأبيض يقضي على الأمل الوهمي الذي يعد بمثابة المنقذ والمخلص والسعادة الحقيقية لمن يعيش محبطاً كارهاً للحاضر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.