بعد أسابيع من صيام شهر رمضان من كل عام، يبدأ السعوديون الأثرياء في إنفاق الأموال والاحتفال بالعيد والسفر ابتهاجاً بانتهاء الشهر الكريم.
وتعودت العائلات على التجمع في المراكز التجارية الكبرى من الرياض إلى جدة للقيام بالمشتريات وتناول الطعام بالمطاعم.
لكن هذا الصيف اتسم بمزيد من التقشف وتراجع ثقة المستهلك وضعف الاقتصاد، حيث تعاني المملكة العربية السعودية من انهيار أسعار النفط وآثار تدابير التقشف الحكومية، بحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الأربعاء 13 يوليو/تموز 2016.
لا سفر إلى أوروبا بعد الآن
ذكر أحد موظفي الحكومة، الذي رفض ذكر اسمه: "تتمثل أشد مخاوفنا في الموازنة الحكومية، تخفيض الإنفاق وانخفاض الإيرادات. ويعد كل شيء آخر نتاجاً لذلك، وعلى سبيل المثال، انخفاض حجم مبيعات التجزئة إلى حد كبير".
وأضاف أن عدد أصدقائه الذين يسافرون إلى أوروبا يتضاءل، حيث يفضلون قضاء إجازاتهم في الصيف بأماكن أقل ثمناً بالقرب من المملكة.
وذكر جيسون تافي، الخبير الاقتصادي بشركة كابيتال إكونوميكس الاستشارية لشؤون الشرق الأوسط: "تدابير التقشف صعبة للغاية خاصة في قطاع الإنشاءات ومشاعر المستهلكين".
وتذكر الشركة أن معدل النمو في إنفاق المستهلك بالمملكة يتباطأ، ومن المتوقع أن يستقر عند نحو 2-3 % عام 2018 – بما يمثل تراجعاً ملحوظاً عن معدل 6-7% خلال العقد الماضي.
وسيزيد ذلك التوجّه من معاناة الشركات التي تناضل بالفعل في ظل تدابير التقشف الجذرية التي تتخذها الحكومة.
فقد كانت إنتاجية القطاع الخاص – باستثناء الصناعات النفطية – تتزايد بنسبة 0.2% سنوياً خلال الربع السنوي الأول، بما يمثل أقل معدل نمو له منذ عام 1990.
وكان قطاع التجارة والفنادق والمطاعم أسوأ القطاعات من حيث الأداء، حيث تقلص بنسبة 0.8% خلال الشهور الثلاثة الأولى.
وأضاف تافي: "نرى ضرورة أن يتعافى معدل النمو قليلاً عامي 2017 و2018، لكنه سينخفض بالفعل حيث ينبغي أن تستمر تدابير التقشف المالي لبعض الوقت من أجل تحسين حالة الماليات العامة والوضع الخارجي واستدامتهما".
خطة إصلاحات بقيمة 72 مليار دولار
وتأتي المعاناة الاقتصادية الناجمة عن تدابير التقشف بينما يطلق الأمير محمد بن سلمان، نائب ولي ولي العهد، خطة إصلاحات طموحة بقيمة 72 مليار دولار تستهدف تخليص الاقتصاد من الاعتماد على النفط من خلال الحد من دور الدولة ودعم مشروعات القطاع الخاص.
وتمثل رد فعل الرياض تجاه انخفاض أسعار النفط في الحد من الإنفاق الحكومي، حيث تم تخفيضه بنسبة 30% خلال الربع السنوي الأول مع الاستعانة بالاحتياطي الأجنبي والاستدانة بمليارات الدولارات من الخارج سعياً وراء تمويل عجز الموازنة، بالإضافة إلى تمويل عناصر سياستها الخارجية، بما في ذلك الحرب في اليمن.
وذكر بنك HSBC مؤخراً "أنه رغم انخفاض حجم الطلب المحلي وتخفيض الإنفاق العام، نتوقع أن المملكة تعاني من عجز شديد في الموازنة، بما يؤدي إلى زيادة الديون ومزيد من الانخفاض في حجم الاحتياطي النقدي".
وقد عانى تجار التجزئة إلى حد كبير جراء ذلك الانهيار، حيث أدى تراجع ثقة المستهلك إلى انخفاض الإيرادات بنسبة 45% خلال الربع السنوي الأول (عام 2016).
ولم تسلم البنوك أيضاً من المعاناة، حيث سجلت تراجعاً بنسبة 3.4% في حجم الودائع خلال شهر مايو/أيار 2016، وهي أكبر نسبة انخفاض شهدتها البنوك خلال 22 عاماً.
وسمح البنك المركزي للمقترضين بزيادة نسبة القروض إلى الودائع لتصل إلى 90% من أجل التعامل مع انخفاض حجم السيولة الناجم عن انهيار أسعار النفط. لكن لا تزال البنوك تناضل من أجل القدرة على الإقراض بهدف دعم الشركات.
وذكر مازن الصديري، رئيس بحوث المبيعات بشركة الاستثمار كابيتال للوساطة المالية: "الضغوط على النظام المصرفي مرتفعة. وقدرة البنوك على الإقراض محدودة".
معاناة مضاعفة في دبي
وفي دبي المجاورة يكون الشعور بآثار هذه الأزمة مضاعفاً؛ نظراً لأنها تمثل المركز الإقليمي المالي والمقصد المفضل للسعوديين الراغبين في التبضع أو قضاء الإجازات.
وفي عام 2016، انخفضت أعداد السياح السعوديين المتوجهين إلى مراكز التسوق بالإمارات للاحتفال بالعيد ومن بعده إجازات الصيف إلى حد كبير، بما أدى إلى ترك الغرف شاغرة في أكثر مواسم المدينة ازدحاماً.
وذكر راسل شارب، مدير العمليات بمجموعة فنادق سيتيماكس: "لم يحضر السعوديون هذا العام بنفس الأعداد المعتادة". وانخفضت إيرادات الغرف السياحية بنحو خُمس معدلاتها في أنحاء المدينة.
وبينما ساهمت الاعتداءات الإرهابية على المساجد السعودية خلال الأسبوع الماضي في تراجع حجم السائحين المغادرين للملكة، إلا أن التوقعات الاقتصادية تجعل مسؤولي الفنادق يشعرون بالمزيد من القلق بشأن زيادة حجم التراجع خلال هذا الصيف.
- هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Financial Times البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.