عشرات القصص يمكن أن تسمعها يكون مطار القاهرة هو مسرح أحداثها، والمحطة التي تتحدد فيها مصائر الكثير من الداخلين أو الخارجين، ربما يكون آخرهم القصة التي نشرتها عربي بوست عن زوجة إعلامي يترأس فضائية عربية في لندن، وقبلها القصة الشهيرة لمذيعة لبنانية أبعدت من مصر بطريقة لافتة.
صحيفة نيويورك تايمز أعدت تقريرا خاصا عن هذا المكان الذي أصبح نقطة مراقبة لمعارضي السيسي، يتم بعدها حبسهم أو منع دخولهم أو خروجهم، وربما تركهم في سلام.
تقول الصحيفة..
بعد ساعات من فصلها عن وظيفتها كمقدِّمة لأحد البرامج القليلة التي لاتزال تنتقد الحكومة المصرية، وجدت المذيعة اللبنانية ليليان داوود نفسها على الطائرة المُتجهة إلى بلادها.
اقتحم رجال الشرطة الذين يرتدون الملابس المدنية منزل ليليان في القاهرة، يوم 27 يونيو/حزيران 2016، ثم اصطحبوها إلى المطار، مع إجبارها على ترك ابنتها ذات الـ11 عاماً. وقيل لها إن الرئيس عبدالفتاح السيسي هو مَنْ أصدر قرار ترحيلها شخصياً، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الأربعاء 13 يوليو/تموز 2016.
ونقل التقرير عن داوود (وهي صحفية لبنانية-بريطانية) قولها عبر الهاتف من العاصمة اللبنانية، بيروت: "أخبروني بأنه قرار رئاسي، ولذا، لن تكون أيٌّ من المكالمات الهاتفية التي أُجريها مهمة، مهما بلغت أهمية مَنْ اتصل به".
500 ناشط
وبحسب ما أعلنته "دفتر أحوال"، وهي مجموعة محلية معنية بالحقوق المدنية ومُراقبة الوقائع، ليست ليليان هي الحالة الأولى منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي السيطرة على مقاليد الأمور بالبلاد عام 2013، بل يوجد حوالي 500 شخص — معظمهم من النُشطاء، والمحامين والمُراسلين الصحفيين — ممن تم ترحيلهم، أو منعهم من السفر، أو اعتقالهم بصورة مؤقتة في مطار القاهرة.
أما المجموعة الأخرى من المُعارضين المصريين فيعانون من مُعاملة أسوأ، مع زيادة عدد الاعتقالات، وحالات التعذيب، وحالات الاختفاء القسري على مدار العام الماضي بأكمله، بحسب ما أعلنته مجموعات حقوق الإنسان. ومع ذلك يقول النُشَطاء إن الترحيلات والمنع من السفر ما هو إلا مِقياس لعزم السيسي على قمع الناقدين خارج السجون.
واتباعاً للأسلوب ذاته، فإن الكثير من الأشخاص لا يكتشفون منعهم من السفر خارج مصر إلا عند وصولهم إلى مطار القاهرة للصعود على متن رحلة دولية.
أين الأمر القضائي؟
وقال محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي مجموعة حقوقية مقرها القاهرة: "المطار هو المكان الذي تكتشف فيه ما تنويه السلطات بشأنك".
وعلى الرغم من أن القانون المصري ينص على ضرورة وجود أمر قضائي لمنع مواطن من السفر خارج البلاد، نفى الكثيرون عرض أي أوراق من هذا القبيل عليهم.
أما فهمي هويدي، الصحفي المُخضرم الذي مُنِع من الصعود إلى الطائرة المتجهة إلى إسبانيا عام 2015، قال: "يبدأ الناس من حولك في التحديق بك، وموظفو المطار ممن ليس لديهم عِلم بما يجري، يأتونك للسؤال عن سبب وقوفك بالمكان".
مبارك والسيسي
جمال عيد، المُحامي الحقوقي الشهير بالدولة، مُنِع من السفر في فبراير/شباط 2016، وكذلك حسام بهجت، الناشِط الحقوقي وصحفي التحقيق البارز. ومثله مثل الكثيرين ممن مُنِعوا من السفر، فإن عيد يرى أن هذا القرار يُعَد عِقاباً على المُشاركة في ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011، التي أدت إلى خلع الرئيس حسني مبارك، ويُعَد أيضاً جُزءاً من الجهود واسعة النِطاق التي تُبْذَل لمنع حدوث حشد جماهيري مُماثِل في المستقبل، حسب قوله.
وقال إن القيود المفروضة على السفر تُسَلِّط الأضواء على أنواع الاستبداد المختلفة التي يمارسها السيسي، ومن قبله مبارك.
وقد سلك مبارك أسلوب الشد والجذب مع معارضيه، إذ كان يسمح لهم في بعض الأوقات بمساحة من الحرية لانتقاد حكمه، وقال عيد إن السيسي وموظفيه يعتقدون أن بعض التنازلات التي يمكن تقديمها للمعارضين مهما كانت ضئيلة من الممكن أن تُمَثِّل خطأً فادِحاً.
ليسوا كلهم معارضين
وما يزيد الأمور تعقيداً هو أن بعض الأشخاص المفروض عليهم قيود للسفر ليسوا مُعارضين للسيسي، لكنهم وقعوا ضحايا لأخطاء بعض العناصر الأخرى من أجهزة الدولة.
وقال عبدالحليم قنديل، الصحفي الداعِم للسيسي والجيش، إنه أُجْبِر على العودة من مطار القاهرة 3 مرات عام 2015. وأضاف أنه يعتقد أن قرار المنع صدر من قِبَل قُضاة صارمين، رداً على الانتقادات التي وجهها للقضاء عام 2012.
وأشار قنديل: "يبدو أن كُل شخص يمتلك ولو القليل من السلطة في هذه البلاد، يُلاحِق أي شخص آخر لا يروق له".
ومنذ ذلك الحين، حصل قنديل على أمر من المحكمة برفع حظر السفر عنه، ولكنه قوبِل بالرفض من قِبَل ضباط الشرطة في المطار.
ويعقب قنديل: "قالوا لي: لا نستطيع السماح لك بالسفر، لدينا تعليمات بذلك". وأضاف قائلاً: "الأمر محير للغاية".
لا تستطيع أن تتحرك بحرية كاملة بعد أن تم توقيفك في مطارات مصر.
مطار الغردقة السياحي
أما إسماعيل الإسكندراني، الصحفي والباحث الذي أُلقي القبض عليه في مطار الغردقة نوفمبر/تشرين الثاني 2016، فهو الآن موقوف في الحجز القضائي، انتظاراً لمحاكمته بتهمة "نشر أخبار كاذبة".
وليليان داوود، الصحفية بالبث التلفزيوني، طُرِدَت من منصبها في القناة الفضائية الخاصة، "on tv"، قبل أسابيع قليلة من شراء أحمد أبوهشيمة، رجل الأعمال الموالي للسيسي، للقناة. كما أنها تلقت تهديدات بالترحيل عدة مرات خلال عام 2015.
وخلال هذه الفترة تلقى طاقم الإنتاج الذي يعمل معها تهديدات بالاعتقال، بينما رفض مسؤولو الهجرة تجديد إقامتها في مصر بسبب "تحريات أمنية"، كما أوضحت ليليان.
وقالت ليليان: "كنت أرهب السفر لأنني عملت أنهم لن يسمحوا لي بالدخول مرة أخرى".
وكانت عربي بوست قد نشرت من جانبها مؤخرا قصة كانت بطلتها زوجة الرئيس التنفيذي لشبكة التلفزيون العربي التي تبث من لندن حكت فيها تفاصيل ما جرى لها في مطار القاهرة منذ وصولها في زيارة وعلى مدى أشهر كانت تحاول فيها السفر مجددا للخارج، ويمكن مطالعة هذه القصة على هذا الرابط.
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا